“إسرائيل” وإنتهاك القانون الدولي الإنساني في قضية الأسرى
موقع إنباء الإخباري ـ
علي مطر:
منذ أن احتل العدو الصهيوني فلسطين، وقوات الاحتلال تعتمد سياسة اعتقال المدنيين من أجل قتل الإرادة الصلبة لدى الشعب الفلسطيني المقاوم والساعي إلى التحرر وتكسير جبروت الإحتلال، وقد أمضى الآلاف من الفلسطينيين سنوات عمرهم داخل سجون الاحتلال التي انعدم فيها الحد الأدنى من الشروط الأساسية لحياة الإنسان، وسط إرتكابات وفظاعات كبيرة بحق البشرية والحقوق الإنسانية. يسعى العدو لتدمير المقاومة الفلسطينية من خلال أسر المقاومين والقادة، وتدمير نفسية المواجهة لدى الشباب الفلسطيني.
اليوم، يهدد الموت حياة 6 أسرى فلسطينيين مضربين عن الطعام في سجون الاحتلال الصهيوني. ويواصل المعتقل سامر عيساوي ورفاقه إضرابهم عن الطعام على الرغم من التدهور الخطير لصحتهم، مؤكدين على تمسكهم في حقهم في الحرية. ويعتبر وضع الأسرى مقلقاً وخطيراً للغاية حيث أن الإحتلال الإسرائيلي يتعامل معهم باستهتار ويريد قتلهم (1.(
وبما أن “إسرائيل” هي دولة محتلة، فإنها مسؤولة عن حياة الأسرى وأوضاع المناطق وفق ما ينص عليه قانون الإحتلال الحربي الذي تخالفه “إسرائيل” ولا تتقيد بقواعده دون أي رقابة أو محاسبة دولية، كما أن “إسرائيل” تنتهك القانون الدولي الإنساني في تعاملها الوحشي مع الأسرى وما يتعرضون له من تعذيب وإنتهاكات جسيمة، لاسيما أن سلطات الإحتلال لم توقع على إتفاقيات جنيف للعام 1949 والتي ينطلق القانون الدولي الإنساني من رحمها.
وكان مجلس الجامعة العربية، على مستوى المندوبين الدائمين، استنكر إعادة إعتقال “إسرائيل” (السلطة القائمة بالاحتلال) للأسرى الذين تم الإفراج عنهم في الصفقة الأخيرة لتبادل الأسرى وطالب بالإفراج الفوري عنهم، ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على إسرائيل “للإفراج الفوري عن الأسرى المضربين عن الطعام وتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن تدهور حالتهم الصحية والخطر الذي يتهدد حياتهم”، وطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته إزاء هذه القضية الإنسانية الهامة، وفقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومطالبة المنظمات الإنسانية الدولية، وخاصة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القيام بواجباتها الإنسانية وفقاً لاتفاقيات جنيف ذات الصلة. وكان وزير الاسرى الفلسطيني عيسى قراقع قدم شرحاً وافياً للانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأسرى والمعتقلون في سجون الاحتلال من نساء وشيوخ وأطفال ورجال والأوضاع الصحية الخطيرة التي يُعانون منها وتهدد حياتهم بخطر الموت (2(.
“لقد اهتم القانون الدولي بتنظيم جملة من الحقوق للإنسان في زمني الحرب والاحتلال، بما يضمن له حقوقه وحمايته من شرور الحروب وما قد يرافقها من حالة احتلال حربي، لهذا فقد دخلت مجموعة من القانون والمبادئ العامة ضمير القانون العرفي الدولي والتي يمكن أن تكون أساساً لحماية المعتقلين والأسرى، كما أبرمت فيما بعد العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان والتي تناولت موضوع حماية المعتقلين بطريقة غير مباشرة (بصورة ضمنية)، وأبرمت من جانب آخر اتفاقيات القانون الدولي الإنساني التي تحمى الإنسان بصفة عامة من آثار الحرب وقد أفردت أجزاء منها لحماية المعتقلين بصورة مباشرة و صريحة”(3)، إلا أن الإحتلال الإسرائيلي الذي لا يعترف باتفاقيات جنيف، ولا بالقانون الدولي الإنساني، ويقوم على إستخدام القوة وارتكاب الجرائم، دائماً ما ينتهك هذه التشريعات في تعامله مع الفلسطينيين على وجه العموم، ومع الأسرى على وجه الخصوص.
إن التزام الأسرة الدولية بحماية المعتقلين والأسرى ليس التزاماً جديداً في العلاقات الدولية وإنما وجدت العديد من المبادئ التي يمكن الاستناد إليها لتأسيس واجب حماية المعتقلين والأسرى، فإذا رجعنا إلى إعلان سان بترسبورغ الذي وقّع في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1868 الذي يتضمن مبدأ تقيد حق أطراف النزاع باختيار أساليب ووسائل القتال، هذا المبدأ وإن كان لم يُشر من قريب أو بعيد إلى حماية المعتقلين والأسرى، غير أنه يمكن الاستناد إليه لتأسيس مسؤولية دولة الاحتلال عن الانتهاكات التي تلحق بحقوق الأسرى والمعتقلين.
كذلك فإن المبدأ الأول من مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن (اعتمدت ونشرت على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 43/173 المؤرخ في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1988)، ينص على أن ” يعامل جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن معاملة إنسانية وباحترام لكرامة الشخص الإنساني الأصيلة”. وهناك عدد من الإعلانات والاتفاقيات الدولية التي تحمي المعتقلين بطريقة غير مباشرة.
ويمكن الإشارة إلى المبادئ الأساسية لمعاملة السجناء والتي اعتمدت ونشرت على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 45/111 المؤرخ في 14 كانون الأول/ ديسمبر 1990: حيث تقضي بما يلي
“1- يعامل كل السجناء بما يلزم من الاحترام لكرامتهم المتأصلة وقيمتهم كبشر.
2- لا يجوز التمييز بين السجناء على أساس العنصر أو اللون، أو الجنس أو اللغة أو الدين، أو الرأي السياسي أو غير السياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد أو أي وضع آخر”.
ولهذه الإعلانات والاتفاقيات الدولية قيمة كبيرة لأنها تمنح كل إنسان يُحرم من حريته حماية نوعية في مواجه السلطة الحاجزة له، فضلاً عن أنها تمنع سلطة الدولة الحاجزة من استعمال أساليب تضر بإنسانية السجين أو المعتقل، لذا يركن إلى هذه الإعلانات في تقرير المسؤولية عن انتهاك أوجه الحماية للمعتقلين.)4(
ويعد إعتقال “إسرائيل” للأسرى إنتهاكاً صارخاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فالمادة الخامسة من الإعلان تنص على أنه “لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة”، كما تخالف الممارسات الإسرائيلية المادة التاسعة من الإعلان (لا يجوز القبض علي أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفياً) والمادة العاشرة (لكل إنسان الحق، على قدم المساواة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظراً عادلاً علنياً للفصل في حقوقه وإلتزاماته وأية تهمة جنائية توجه إليه)، والمادة الحادية عشر (كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه)، كما يخالف ذلك المادة السابعة من القسم الثالث من العهد الدولي للحقوق المدنية التي تؤكد أنه “لا يجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو لعقوبة أو لمعاملة قاسية أو غير إنسانية أو مهينة”، كما يخالف المادة التاسعة من القسم الثالث من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تضمن “لكل فرد الحق في الحرية والسلامة الشخصية ولا يجوز القبض على أحد أو إيقافه بشكل تعسفي، كما لا يجوز حرمان أحد من حريته على أساس من القانون وطبقاً للإجراءات المقررة فيه، كما يجب إبلاغ كل من يقبض عليه بأسباب ذلك عند القبض عليه،كما يجب إبلاغه فوراً بأية تهمة توجه إليه”.
وتتيح اتفاقيات جنيف طائفة واسعة من أنماط الحماية لأسرى الحرب فيما يتعلق بالمعاملة غير الإنسانية والمهينة. وتعرف الاتفاقيات حقوقهم وتضع قواعد مفصلة تحكم معاملتهم والإفراج المحتمل عنهم. ويمنح القانون الدولي الإنساني أيضاً الحماية للأشخاص الآخرين الذين حرموا من حريتهم بسبب النزاعات المسلحة.
إذاً، ثمة قواعد محددة تكفل حماية أسرى الحرب وُصفت بتفاصيلها لأول مرة في اتفاقية جنيف لعام 1929، ثم نُقحت في نص اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، على إثر الدروس المستخلصة من الحرب العالمية الثانية، وفي نص البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977. وينطبق وضع أسير الحرب في حالة النزاع المسلح الدولي فقط. وأسرى الحرب في العادة أفراد القوات المسلحة التابعة لأحد أطراف النزاع الذين يقعون في قبضة العدو. وتصنف اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949، فضلاً عن ذلك، فئات أخرى من الأشخاص الذين يحق لهم التمتع بوضع أسرى الحرب أو يمكن معاملتهم باعتبارهم أسرى حرب. ومن الواجب أيضاً معاملة أسرى الحرب بطريقة إنسانية في جميع الأحوال. وتكفل لهم الحماية من كل أعمال العنف والترهيب والشتائم وفضول الجمهور. وقد عرف أيضاً القانون الدولي الإنساني الشروط الدنيا التي تنظم الاحتجاز وتشمل مثلاً المسائل المتعلقة بمكان الاحتجاز والغذاء والملبس والنظافة والرعاية الطبية.(5)
وتعرف المادة الرابعة من اتفاقية جينف الثالثة لمعاملة أسرى الحرب، الأسرى كالتالي : “أسرى الحرب بالمعنى المقصود في هذه الاتفاقية هم الاشخاص الذين ينتمون إلى احدى الفئات التالية، ويقعون في قبضة العدو:
1- أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة.
2- أفراد المليشيات الاخرى والوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، الذين ينتمون إلى أحد اطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج اقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً، على أن تتوفر الشروط التالية في هذه المليشيات او الوحدات المتطوعة، بما فيها حركات المقاومة المنظمة المذكورة :
أ- أن يقودها شخص مسؤول عن مرؤوسيه.
ب- أن تكون لها شارة مميزة محددة يمكن تمييزها من بعد.
ج- أن تحمل الأسلحة جهراً.
د – أن تلتزم في عملياتها بقوانين الحرب وعاداتها.
إن القانون الدولي الإنساني يوفر إطاراً قانونياً عاماً كافياً للتعامل مع مسألة المعتقلين، ومن هذا المنطلق، تبقى نقاط أساسية يجب على “إسرائيل” التقيد بها، ومنها كذلك تظهر ضرورة تطبيق القانون الإنساني الدولي وبنود معاهدة جنيف الخاصة بأسرى الحرب وغيرهم من الأسرى الذين لهم الحق في التمتع بمزايا إعلان حقوق الإنسان، فالمادة 75 من معاهدة جنيف تحظر الممارسات الآتية: القتل والتعذيب والضرب وبتر الأطراف وقطع الأعضاء وأخذ الرهائن والعقاب الجماعي والتهديد بالعقاب.
وتكفل اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول كذلك حماية واسعة النطاق للمعتقلين المدنيين خلال النزاعات المسلحة الدولية. ويجوز لأحد أطراف النزاع وضع أشخاص مدنيين تحت الإقامة الجبرية أو اعتقالهم إذا كان هناك من الأسباب الأمنية القهرية ما يبرر ذلك. وبالتالي، يكون الاعتقال إجراءً أمنيا ولا يمكن اللجوء إليه كشكل من أشكال العقوبة. ويعني ذلك أن كل شخص معتقل يجب الإفراج عنه إذا لم تعد الأسباب التي استلزمت اعتقاله موجودة. وتتشابه القواعد التي تنظم معاملة المعتقلين المدنيين وظروف احتجازهم بموجب القانون الدولي الإنساني كثيراً مع القواعد التي تنطبق على أسرى الحرب. وفي ما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية، تنص المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني على أن الأشخاص الذين حرموا من حريتهم لأسباب تتصل بالنزاع يجب أيضا معاملتهم معاملة إنسانية في جميع الأحوال. وهم يحظون بالأخص بالحماية من القتل والتعذيب والمعاملة القاسية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة.
إذاً، إن “اسرائيل” ـ باعتقالها المواطنين الفلسطينيين ومعاملتها الوحشية لهم ـ تنتهك مجموعة المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، سواء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 أم العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عام 1966، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966، واتفاقية إزالة كافة أشكال التمييز العنصري عام 1965، والإعلان الخاص بإزالة التمييز ضد المرأة عام 1967، واتفاقية تحريم وعقاب جريمة إبادة البشر عام 1948، واتفاقية تحريم التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية أو المهينة عام 1984، أضف إلى ذلك إتفاقيات جنيف خاصةً الثالثة والرابعة لعام 1949.
وبما أن العدو الصهيوني، يعتقل الأسرى إعتقالاً إدارياً، ويتهمهم بالانضمام للمقاومة التي تبيحها القوانين الدولية، وتؤكد عليها بوجه الإحتلال وفقاً لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، فعليه أن يتقيد بهذه القواعد، وأن يسارع فوراً إلى إطلاق سراحهم، أو على الأقل معاملتهم معاملة حسنة حتى يصار إلى محاكمتهم، إلا أن الأولى وفق القوانيين الدولية أن يتم إطلاق سراحهم.
لكن هل هذا ممكن مع “إسرائيل”؟ وهل أن هناك مجتمعاً دولياً حقيقياً و”أمم متحدة” تطالب “إسرائيل” بالإفراج عن الأسرى، سؤال يطرحه أي باحث، ويضعه برسم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومنظّري القانون الدولي بفروعه كافة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر، عوض، وليد، الموت يهدد حياة 6 اسرى فلسطينيين مضربين عن الطعام في سجون الاحتلال الاسرائيلي، صحيفة القدس، 31/1/2013.
(2) الاسرى في سجون الاحتلال، صحيفة القدس، 9 كانون الثاني 2013، http://www.alquds.com
(3)موسى، سامر، حق المعتقل و الأسير في استقبال زائريه وفقاً للقانون الدولي، www.iugaza.edu.
(4)انظر، المرجع نفسه، موسى سامر.
(5) انظر، موقع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، http://www.icrc.org