“إسرائيل” مجددًا في دوامة الإنتخابات: لا حسم حكوميًّا؟
موقع العهد الإخباري-
جهاد حيدر:
تندرج مواكبة التطورات الداخلية الإسرائيلية، وآخرها قرار حل الكنيست من قبل رئيس وزراء العدو نفتالي بينت، ضمن اطار متابعة شؤون كيان العدو في بعده الداخلي، خاصة وأن الديناميات الداخلية تحولت في السنوات الأخيرة إلى عامل رئيسي في بلورة المشهد السياسي ومن الصعب تجاهل تأثيره على المشهد الإسرائيلي وامكانية أن يترك ظلاله على سياساتها الاقليمية.
مع ذلك، فإن التحولات الداخلية الإسرائيلية أكثر ما تطال تداعياتها المباشرة الشعب الفلسطيني، خاصة في ضوء بروز وتمدد اليمين الاستيطاني المتطرف والذي أعلن أحد رموزه قبل أيام، ايتمار بن غفير، أنه لو كان هناك “زر” يؤدي الضغط عليه إلى طرد الفلسطينيين لفعل ذلك، وهو موقف يكشف عن المدى الذي يمكن أن يبلغه لو تمكن من بلورة السياسات الرسمية للحكومة.
لم يكن مفاجئًا أن لا تكمل حكومة بينيت – لابيد، ولايتها أو حتى بلوغ موعد التناوب على رئاسة الحكومة، في العام المقبل. وتعزز هذا التقدير بعد توالي الانشقاقات التي قلَّصت قاعدتها النيابية.
وبالأساس، جمعت الحكومة بين الأضداد من أقصى اليمين إلى اليسار وبمشاركة حزب عربي هو “القائمة العربية الموحدة”. جُمِع هذا التناقض بهدف واحد هو منع نتنياهو من تولي رئاسة الحكومة ومحاولة انقاذ “إسرائيل” من الانتخابات المفتوحة التي أرهقت الدولة والمجتمع والاقتصاد.
مع أن الحكومة استمرت أكثر مما راهن وأمل نتنياهو إلا أنها أيضًا لم ترتقِ إلى ما كان يأمله بينيت وبالتأكيد لابيد الذي كان يطمح إلى أن يكون رئيس حكومة فعلية وليس حكومة انتقالية، كما سيحصل الآن بفعل اتفاق التناوب القائم.
في الأسباب المباشرة، بادر بينيت إلى قرار حل الكنيست وبموجب ذلك يُفترض اجراء انتخابات مبكرة بعد نحو أربعة أشهر، في محاولة للامساك بزمام المبادرة بعدما اكتشف أن فرص سن قانون لحل الكنيست أصبحت مرتفعة بسبب انشقاق أحد اعضاء حزبه، (بعد انشقاقات سابقة) وبهدف قطع الطريق على محاولة نتنياهو تشكيل حكومة بديلة. وهو أمر أفصح عنه أيضًا وبشكل صريح وزير المالية افيغدور ليبرمان بالقول إن “الهدف الأساسي هو منع عودة نتنياهو إلى الحكم” في الانتخابات المقبلة المفترض – حتى الآن – اجراؤها في تشرين الأول المقبل.
مع ذلك، سيبقى نتنياهو يسعى لتشكيل حكومة برئاسته تحول دون اجراء الانتخابات رغم الصعوبات التي تعترضه. لكن يبقى هناك هامش لهذا السيناريو ولو كان ضئيلا خاصة بعدما شهدت الساحة الداخلية سلسلة من المفاجآت التي لم يتوقعها المراقبون في داخل كيان العدو، بدءًا من تشكيل حكومة تجمع بين أقصى اليمين واليسار وبمشاركة حزب عربي للمرة الاولى في تاريخ إسرائيل، إلى اجراء اربع جولات انتخابية، منذ العام 2019، وتسير “إسرائيل” الآن نحو الخامسة. وهي ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ السياسي لكيان العدو.
فيما يتعلق بآفاق امكانية تشكيل حكومة قبل الانتخابات برئاسة نتنياهو، يمكن الاشارة إلى النقاط التالية:
– من الواضح تعذر مشاركة حزبي العمل وميرتس في حكومة يرأسها نتنياهو. فضلًا عن أن الرفض قد يكون متبادلًا لخلفيات ايديولوجية وسياسية، فضلًا عن التشكيك بأهلية نتنياهو لرئاسة الحكومة لأسباب قضائية.
– صحيح أن رئيس القائمة العربية الموحدة منصور عباس، الذي يشارك في حكومة بينيت، أعرب عن استعداده للمشاركة في حكومة نتنياهو إلا أن اليمين المتطرف الحليف الرئيسي للأخير، سبق أن رفض ذلك وهو الذي حال دون تشكيل الحكومة قبل أن يشكلها بينيت. ويستند في الموقف المتشدد إلى رفض منح الفلسطينيين تأثيرًا حاسمًا في ترجيح الكفة بين الأحزاب اليهودية الأمر الذي يرى فيه بداية لتغيير جذري في الخارطة السياسية وتحالفاتها في “إسرائيل”.
– أما بالنسبة للأحزاب اليمينية فهي تمردت على نتنياهو ورفعت سقوفًا عالية لا تستطيع التراجع عنها أمام جمهورها الذي انتخبها.
– يبقى هناك هامش يمكن أن يغير المشهد من جذوره وهو تراجع رئيس كتلة أزرق – أبيض وزير الأمن بني غنتس عن مواقفه ضد نتنياهو بعدما خدعه الأخير عندما شكل وإياه حكومة اتفقا فيها على التناوب في رئاسة الحكومة لكنه دفع نحو انتخابات مبكرة من أجل أن لا تصل النوبة لغانتس ويتولى رئاسة الحكومة.
– نتيجة ذلك فإن أي عرض سيقدمه نتنياهو ينبغي أن يتضمن ضمانات فعلية حتى يستطيع اغراء غانتس، هذا في حال كان لديه استعداد لقبول هذا الخيار. والتبريرات جاهزة في هذا المجال وهي انقاذ إسرائيل من التورط في دوامة سياسية مفتوحة تكرر سيناريو الانتخابات المبكرة المتكررة كما حصل خلال عامي 2019 -2021.
– مع ذلك ينبغي القول إن مأزق “إسرائيل” أكبر من الخلاف حول أهلية نتنياهو لمواصلة توليه منصب رئاسة الحكومة في ضوء الاتهامات الموجهة اليه بالرشوى، وانما هناك عوامل أخرى أكثر تجذرًا وخطورة، ويمكن اجمالها وفق التالي:
– يعاني المجتمع الإسرائيلي العديد من التصدّعات العرقية والأيديولوجية والسياسية، لكن ما هو قائم بين التيارين العلماني والديني يتجاوز التصدّع إلى الصراع على هوية الدولة والمجتمع، وهو صراع يمكن تصنيفه على أنه الأكثر خطورة، خاصة وأنه يتغذى بالتصدعات الاخرى.
– تعكس التركيبة السياسية والاجتماعية في “إسرائيل” ظاهرتين أساسيتين: الأول هو تحول “المجتمع” إلى اليمين واليمين الاستيطاني، والثانية، استمرار حالة التشرذم الحزبي والسياسي. وترتبط هذه التركيبة بشكل بنيوي بالسياق التاريخي الاستعماري للمجتمع المستورَد من الخارج (المهاجرون اليهود)، وفشل مشروع “بوتقة الصهر” الذي أدى بفعل مجموعة من الديناميات الداخلية، إلى تكريس وتفاقم الانقسامات التي كانت بذورها موجودة منذ العام 1948.
– ومن أبرز نتائج هذه الصيرورة أن الانتخابات أصبحت من الناحية العملية محصورة داخل معسكر اليمين الذي بدوره يشهد ايضًا حالة تشرذم، رغم أنه بالمجمل العام يهيمن على المجتمع والكنيست. ونتائج كل ذلك هي التي تحدد المشهد السياسي – الحكومي.