“إسرائيل”: فشل الحلّ العسكري خطر وجودي
موقع قناة الميادين-
ليلى نقولا:
أهمية الانكسار الإسرائيلي في حرب تموز/يوليو 2006، ليست فقط في تَأَكُّل قوة الردع التي أغرت الفلسطينيين على تكرار السيناريو اللبناني وتحطيم فكرة “الجيش الذي لا يُقهر” فحسب، بل في أنها، أيضاً، أدخلت في الوعي الإسرائيلي فكرةَ الخطر على استمرار “الدولة”.
في معرض العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وقبل ذلك، صدر عددٌ من التهديدات الإسرائيلية للبنان، مفادها أن الإسرائيلي سيُعيد لبنان إلى العصر الحجري، وأن لبنان سيشهد تداعيات كبيرة إن تجرّأ حزب الله ونفّذ تهديداته بشأن منصات الغاز في شرقي المتوسط. وكان عدد من السياسيين والإعلاميين الإسرائيليين أكّد أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على حركة “الجهاد الإسلامي” في غزة، هو درس لكلّ من حزب الله وإيران، من أجل ردعهما وأخذ العِبَر من الدروس والهجوم على غزة.
وردّ السيد حسن نصر الله، خلال خطابه في ذكرى عاشوراء، مؤكداً أن “اليد التي ستمتدّ إلى أيّ ثروة من ثروات لبنان ستُقطَع، كما قُطِعت عندما امتدت إلى أرضه”. وتوجّه إلى الإسرائيليين بالقول: “في الأيام القليلة الماضية، سمعنا عدداً من التصريحات والتهديدات ضدّ لبنان. أمّا في لبنان فحسابنا معكم هو حساب آخر، وخَبِرْتُمونا. وما حرب تموز ببعيدة، فلا تُخطِئوا مع لبنان، ولا مع شعبه”.
المؤكَّد أن العالم أجمع يتذكّر حرب تموز/يوليو 2006، ويذكر الصمود الأسطوري للبنانيين في تلك الحرب، لكنّ للإسرائيلي في حرب تموز/يوليو عِبَراً أكبر من مجرد خسارة حرب عسكرية، أو عدم القدرة على تحقيق الأهداف فيها، بل فيها من الدروس والعِبَر المرتبطة بمصير الكيان الإسرائيلي ككل، ووضعه المستقبلي في المنطقة، وذلك كما يلي:
1- انهيار متزايد في الجبهة الداخلية:
حرصاً على المناعة والتماسك الاجتماعيَّين لـ “شعب” متباين الأصول، تمسّك الإسرائيليون دائماً بـ”أخذ الحرب إلى ديار العدو”، وتحاشَوا وقوعها في “أرضهم”. الاستثناء كان حرب تموز/يوليو، وما تلاها من قيام المقاومة الفلسطينية بقصف المستوطنات الإسرائيلية، وإجبار المستوطنين على النزوح عن أماكن سكنهم.
لقد أتى تقرير فينوغراد ليُثْبت ما خشيه الإسرائيليون دائماً، بقوله إن “الجبهة الداخلية كانت مشاركة في الحرب رغماً عنها. والواقع أن شمالي الجليل عرف في الماضي إطلاق صواريخ الكاتيوشا، لكن هذه الحرب كانت الأولى التي تتعرض فيها الجبهة الداخلية الشمالية …”. (الفقرة الـ27).
إذاً، كانت حرب تموز/يوليو الاستثناء الأول في حروب “إسرائيل” في المنطقة، وبعدها ساهمت عِبَرُ تلك الحرب، والوعيُ الفلسطيني المتزايد بهشاشة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، في الضغط على “إسرائيل” لتحقيق توازن ردع معقول بين “دولة” حربية تحظى بالتأييد، دولياً ودبلوماسياً، وبالمليارات من الدعم العسكري السنوي من الولايات المتحدة الأميركية، وبين قطاع غزة المحاصَر منذ أعوام طويلة، والذي يعاني التهميش والفقر وكثافة سكنية هي الأكبر في العالم على الإطلاق.
وما الدعوات السريعة، التي أطلقها الإسرائيليون من أجل وقف القتال خلال جولة الاقتتال الأخيرة مع حركة “الجهاد الاسلامي”، سوى دليل على أن مناعة الجبهة الداخلية الإسرائيلية تَأَكَّلت أكثر منذ حرب تموز/يوليو 2006 لغاية اليوم، بدلاً من أن يتم ترميمها وتحسين صمودها.
أظهرت جولة القتال الأخيرة مع حركة “الجهاد الإسلامي” في غزة أن الأجيال الحالية من المستوطنين الإسرائيليين غير مستعدة لتحمّل التضحيات والخسائر، كما كانت الأجيال الأولى التي خاضت حروباً متعدّدة ضد العرب، وكافحت من أجل تأسيس “دولة”. حتى الرغبة في الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، والافتخار به، تَراجَعا، إذ ذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” أن نسبة التهرب من الخدمة في جيش الاحتلال الإسرائيلي ازدادت هذا العام، بحيث يتذرّع 8% من الشبان الإسرائيليّين بالمشاكل النفسية للحصول على إعفاء من الخدمة الإجبارية، ويتذرّع آخرون بالدين للسبب نفسه، ويسعى الجيش الإسرائيلي لتقليص التهرب من الخدمة الإجبارية إلى 20%. (عدد 25/7/2022)
2- تَأَكُّل القدرة على فرض الحل العسكري:
على الرغم من ذكره الإخفاقات العسكرية التي مُني بها جيش الاحتلال الإسرائيلي في حرب تموز/يوليو، فإن إحدى أبرز التوصيات، التي ذكرها تقرير فينوغراد، هي الاستمرار في اعتماد “الحلول العسكرية” للقضايا التي تواجه “إسرائيل”، وأكد فيها أنه، من دون اعتماد “إسرائيل” على “الحل العسكري”، فإنها “لن تستطيع البقاء في هذه المنطقة”. ويؤكد التقرير أن على المحيط و”إسرائيل” نفسها، أن “يؤمنا بالقدرة الإسرائيلية على هزيمة جيرانها، ومنعهم بالقوة من النجاح في تحقيق أهدافهم” (الفقرة الـ63).
عملياً، كانت حرب تموز/يوليو هي الحرب الأولى التي “بادرت إليها إسرائيل، وانتهت من دون أن تنتصر فيها بصورة واضحة، من الناحية العسكرية…” (تقرير فينوغراد، الفقرة الـ9).
وبعد حرب تموز/يوليو، اعترف الجنرال احتياط، إيال بن رؤوبين، بأن “الجيش الإسرائيلي، خلال الأعوام الخمسة التي سبقت حرب تموز/يوليو، لم يستطع بناء استراتيجية تشكل رداً ناجحاً وناجعاً ضد مختلف أنواع الحروب وتطوراتها”. وأضاف أن “عصر الجيش التقليدي والمهمّات التقليدية، التي تقول للجيش: اذهبْ، دمِّرْ، اقتلْ، أَحرِقْ واحتلّ الأراضي، انتهى”.
في النتيجة، إن أهمية الانكسار الإسرائيلي في حرب تموز/يوليو 2006، ليست فقط في تَأَكُّل قوة الردع التي أغرت الفلسطينيين على تكرار السيناريو اللبناني وتحطيم فكرة “الجيش الذي لا يُقهَر” فحسب، بل في أنها أيضاً أدخلت في الوعي الإسرائيلي فكرةَ الخطر على استمرار “الدولة” والكيان. إن هذا القلق الإسرائيلي، وهذا الخوف على القدرة على الاستمرارية، ينطلقان من وصايا مؤسِّسي الكيان، وأبرزهم ديفيد بن غوريون، الذي قال عام 1948، إن “إسرائيل يمكن أن تهزم العرب مئة مرة، لكنْ إن هُزِمت مرة واحدة، فذلك يعني نهايتها”.