«إسرائيل» سقطت… والغزاويون ينتظرون المنازلة
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
منذ أن ردّد سماحة الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي مقولته الشهيرة «إسرائيل سقطت» تمّ تدوين تاريخ الصعود التراكمي للمقاومة سواء على مستوى بناء القدرة وتعزيز مكامن القوة فضلاً عن تحقيق الإنجازات الميدانية التي رسمت مسارات السقوط الإسرائيلي الذي خطت أولى عناوينها خضوعه لشروط المقاومة اثر عدوانه على لبنان سواء في ما سُمّي «تصفية الحساب» عام 1993 أو «عناقيد الغضب» عام 1996 الذي تمكنت فيه المقاومة رسم إنتاج ما سُمّي «تفاهم نيسان» الذي انتزع اعترافاً دولياً بشرعينها وشرعية سلاحها، وأرست أولى معادلات الردع بحماية المدنيين التي مهّدت الطريق للسقوط الإسرائيلي واندحاره عن معظم الأراضي اللبنانية عام 2000، والذي أعقبها السقوط المدوّي للصهاينة خلال عدوان تموز 2006 وهو العام الذي كرّست فيه المقاومة معادلة ردع حاسمة أرّخت لتاريخ جديد حفر طويلاً في أعماق كافة شرائح مجتمع الصهاينة، سواء كانوا رجال دولة او عسكريين او مستوطنين، في أمر ظهر فيه واضحاً هشاشة وهزالة هذا الكيان اللقيط بكلّ مكوناته وبشكل أساسي جيشه الذي لطالما نعتوه بأنه من الأقوى في العالم وأنه لا يُقهر في حين أنه في المنازلات بدا هو وكيانه أوهن من بيت العنكبوت.
غزة هاشم…
عام 2005 اندحرت قوات الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة، الذي يُعدّ أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، حيث يقطنه نحو مليوني فلسطيني، ومنذ ذلك التاريخ وهي تنفذ اعتداءات عسكرية عليه من حين لآخر، بعضها تحوّل إلى حروب استمرت أسابيع وخلّفت آلاف الشهداء والجرحى فضلاً عن التدمير الواسع للممتلكات والبنى التحتية.
هدف أساسي كان ولا يزال في كلّ الحروب التي شنتها «إسرائيل» على القطاع منذ حصاره تمثل بالعمل على اجتثاث المقاومة، وبعضها من خلال التهديد بالدخول البري الى القطاع المحاصَر الذي خاض ولا يزال مواجهات بطولية مع قوات الاحتلال تمّ فيها إسقاط كلّ أهدافه التي لم يحقق منها شيئاً سوى قتل الأبرياء وتدمير الدور والمباني وغيرها بعد استخدامه للأسلحة المحرمة دولياً مثل الفوسفور الأبيض واليورانيوم المنضب، وأبرز هذه المحطات التي تمّ إفشال كلّ أهداف العدو فيها:
1 ـ 27 كانون الأول 2008 بدأت «إسرائيل» عدواناً على قطاع غزة استمرّ 23 يوماً أطلقت عليه اسم «عملية الرصاص المصبوب»، وردّت عليها المقاومة في القطاع بعملية سمّتها «معركة الفرقان».
2 ـ 14 تشرين الثاني 2012، شنّ الصهاينة عدواناً سمّوه «عمود السحاب» وردّت عليها المقاومة بمعركة «حجارة السجيل»، والتي استمرت 8 أيام.
3 ـ أطلقت «إسرائيل» في السابع من تموز 2014 عملية سمّتها «الجرف الصامد»، وردّت عليها المقاومة بمعركة «العصف المأكول»، واستمرت المواجهة 51 يوماً.
هذا فضلاً عن معارك ساهمت في السقوط والانحدار لدى الصهاينة كما هو الحال في معركة «صيحة الفجر» 2019 و»سيف القدس» 2021 و»وحدة الساحات» 2022، حيث سطرت فيها غزة هاشم وشعبها ومقاوموها ملاحم في الصمود والمقاومة أسقطت كلّ أهداف العدوان ومهّدت الطريق نحو تعزيز عوامل المنعة وبناء القدرة التي قادت الى إنجازات «طوفان الأقصى» 2023 رداً على جرائمه المستمرة سواء في حصاره لغزة او القتل اليومي للشعب الفلسطيني، فضلاً عن اكتظاظ المعتقلات الصهيونية بآلاف الأسرى الى الانتهاكات المستمرة للمسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في مدينة القدس.
الكيان الإسرائيلي الذي تعرّض فجر يوم السبت 7 تشرين الأول 2023 لأكبر عملية إذلال متعدّدة الاتجاهات أصابت الجيش الذي بانت هشاشته واستخباراته، وانكشفت هزالته ومستوطنيه المرعوبين أصلا الذين فقدوا الثقة كلياً بجيشهم وقدرته على الحماية فأصبح الكيان برمّته ينشد الحماية، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية التي أرسلت قواتها وحاملات طائراتها في محاولة لإعادة التوازن والثقة في معنويات الكيان وجيشه المنهارة.
«إسرائيل» المدعومة من الغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية قامت بإعلان «حالة الحرب» وإطلاق عملية عسكرية أسمتها «السيوف الحديدية»، والهدف كما في المرات السابقة القضاء على المقاومة وزيادة على ذلك تهجير أهل غزة من فلسطين.
في الشقّ المتعلق بتهجير شعب غزة من دياره فإنّ هذا الهدف يبدو صعب المنال بل هو مستحيل، أولاً لتشبّث أهل غزة بأرضهم وثانياً لرفض الأردن ومصر لذلك.
أما الهدف الثاني المتمثل في الدخول البري الى غزة وسحق المقاومة فهو أمر من المرجح ان تكون عواقبه وبالاً على الصهاينة، ويتبيّن ذلك من خلال التالي:
1 ـ البعد الإقليمي
أ ـ انه بلا أدنى شك فإنّ محور المقاومة قد أبلغ من يعنيهم الأمر أنه لن يسمح بشكل قاطع في اجتثاث المقاومة من فلسطين ومن غزة بشكل خاص، وانه لن يألو جهداً في سبيل منع ذلك، وهذا ما بدا واضحاً سواء في إشغال جبهة الجنوب من قبل حزب الله التي اضطر الصهاينة الى الدفع بكتائب عدة من جيشهم الى شمال فلسطين وإبقاء القبة الحديدية متوثبة، وقد أدّت رسائل حزب الله فعلها سواء لدى الشارع الفلسطيني الذي وجد فيه نصيراً حاضراً ولن يسمح للصهاينة بالاستفراد بهم، وفي الوقت نفسه جعل الإسرائيلي مربكاً يخشى دخول حزب الله الحرب الواسعة، وهذا ما بدا واضحاً من خلال كثرة الوسطاء بشكل مباشر كالفرنسيين وغيرهم ممن يحاولون دون جدوى ثني حزب الله عن دعم ومؤازرة الشعب الفلسطيني المظلوم.
ب ـ موقف دول محور المقاومة وعلى رأسها الجمهورية الإسلامية في إيران سواء عبر مرشدها او رئيسها أو عبر وزير خارجيتها، الى مواقف اليمن والعراق التي أكدت الجهورزية التامة للدفاع عن غزة.
2 ـ مقاومة أهل غزة
رغم الدمار والمجازر التي طالت البشر والحجر والشجر فإنّ كلّ المعطيات الواردة تؤكد أنّ بنية المقاومة بفصائلها الجهادية وأذرعها النخبوية في حالة ممتازة، وأنها مستعدة وبجهوزية عالية لتلقين الغزاة إذا حاولوا الاقتراب من غزة هزيمة قاسية من المرجّح أن تكون النتائج كارثية على الكيان، بكافة المستويات لا سيما زيادة وتيرة انعدام الثقة لدى المستوطنين في الجيش كعامل دفاع وحماية. أخيراً فإنّ خيارات العدو في ظلّ المعطيات أعلاه مرجح ان تكون بين ثلاث احتمالات:
1 ـ الاستمرار في عملية الإبادة دون الدخول البري عسى ان يتحقق هدف التهجير، وهذا أمر من غير المرجح ان تسمح به قوى محور المقاومة الى ما لا نهاية.
2 ـ الدخول الى الشريط الزراعي على أبواب غزة ومن ثم الترويج والدعاية انّ الجيش الإسرائيلي حقق إنجازاً نوعياً علّ ذلك يعيد ترميم صورته المنهارة.
3 ـ التقدّم نحو الغزو البري مدعوماً بالغطاء الغربي والأميركي، وهو أمر ينتظره مقاومو غزة، وإذا حصل من المرجح ان تكون منازلة رغم عدم تكافؤ الفرص فيها تكرّر فيها فصائل المقاومة إنجازاتها كما في كلّ جولة إلا أنّ هذه المنازلة التي لا يُستبعد أن تجرّ إلى حرب إقليمية واسعة. ربما تكون تداعياتها على الكيان الإسرائيلي مختلفة جدا لان هزيمة جيشه هذه المرة سترسم المشهدية التي رددها الامين العام لحزب الله السابق الشهيد السيد عباس الموسوي ان إسرائيل سقطت ويبدو ان زمن سقوطها النهائي اصبح وشيكا