«إسرائيل» حاضرة في الهِبة السعودية
صحيفة البناء اللبنانية ـ
علي جانبين:
سمع اللبنانيون على مدى ما يقارب 3 سنوات بما يُسمّى الهِبة السعودية للجيش اللبناني، لكن هذا الحمل لم يُكتب له الولادة، وبعد كلّ هذه الوعود ومسرحية التسليح والتنصّل منها فجأه تُثبت الوقائع بعد مساعي تعبيد الطريق أمام الهِبة وتذليل العقبات داخلياً، خصوصاً أنّ ايّ هبة آتية من السعودية هي دائماً محطّ إجماع لبناني، لا يختلف عليها أيّ طرف ولا حتى يتدخّل حزب الله ويعترض بعكس الذي يجري في حال طرحت إيران نوايا مساعدة ما – كشفت الأيام أنّ الهِبة السعودية كانت مجرّد خبر ضجّ به الإعلام لا أكثر.
لا تروق لـ«اسرائيل» كثيراً فكرة تسليح الجيش اللبناني، وهذا ما لا يجب تجاهله في معرض الحديث عن أيّ قضية من هذا النوع، وإذا كانت الهِبة ستمرّ، وكانت السعودية بكامل جديّتها، كان ممكناً جداً أن تتكفّل «إسرائيل» بعرقلتها، وعلى هذا الأساس تبدو «إسرائيل» اليوم أكثر المرحّبين والمباركين بإلغاء الهِبة، وذلك لأكثر من سبب وسبب.
المشكلة ليست في 3 مليارات أو 4 أو أكثر، المشكلة بالنسبة لـ«إسرائيل»، حيث تتقاطع مع نفس الأهداف السعودية، أنّ هناك ضرورة لتقديم حزب الله على أنّه الطرف الذي لا يقدّم للبنان إلّا الأذى. تريد «اسرائيل» ضرب هذه الصورة الأسطورية التي رسمها تحرير العام 2000 وانتصار العام 2006 على أيدي مقاتلي المقاومة، والذي كان بمثابة ضربة قاسية لها، لا تزال تدفع ثمنها عند طلوع كلّ صباح.
تقاطع مريب بين تشابه المصلحة والسّعي الحاصل بين الرياض تل أبيب لتشويه صورة المقاومة بكافة الطرق، ومسح كلّ إنجازاتها التي كانت تصبّ في مصلحة لبنان وحمايته، والهدف إظهاره حزب الله للرأي العام على أنّه حزب إيراني ويعمل بأجندة إيرانية خارجية، إضافة إلى مشروع التشييع وبناء دولته الإسلامية الخاصة على غرار تلك الإيرانية.
ملف أساسي لا يوضع في إطار المصادفة، يحسب لوضع اسم الحزب وأعضاء من قادته على لائحة الإرهاب بعد أحداث سورية وما قبلها، منذ اغتيال الحريري و«بزوغ» فجر المحكمة الدولية المدعومة سعودياً، بالإضافة إلى كلّ المحاولات والرّهانات على الجماعات الإرهابية بهزيمة الرئيس السوري بشار الأسد وكسر ظهر المقاومة.
قرّرت السعودية ومن ورائها «إسرائيل» اتّخاذ قرار إلغاء الهِبة وقطع العلاقات بلبنان، سعياً منها لإثارة الفتنة بين اللبنانيين وتحميل حزب الله المسؤولية الكاملة وإظهاره أول المستجلبين والمستحضرين للأضرار، وكأنّ حزب الله لا يريد للجيش اللبناني أن يتسلّح أو يصبح قادراً على إدارة معارك البلاد، وهذا يحمل الكثير من المدّ والجزر.
كلّها خطوات السعودية، إذ يبدو أنّه كان يؤمل أن تُفجّر البلاد عند التفجير عبر مجموعاتها أو بعض التكفيريين الذين أيقنوا أن لا مجال لاعتبار لبنان بيئة خصبة لامتدادهم، وإذا كانت السعودية حريصة على أمن لبنان وعيشه المشترك، كان حريّاً بها عدم اتّخاذ قرارات بهذا الحجم في وقت يعاني الشرق الأوسط من الإرهاب الذي قد لا يوفّرها إذا استهانت بكلّ ما من شأنه أن يؤثّر إيجاباً على المعارك.
تصطدم اليوم المملكة العربية السعودية أمام تاريخ ناصع البياض لحزب المقاومة، ولن تفيد افتراءات وأضاليل في تغيير الحقائق، كما أنّ التهويل بزعزعة الوضع الأمني هي مجرّد فقاعات من الصابون غير قادرة على حسم هُويَّة الميدان الذي غرس حزب الله أقدامه فيه وتجذّر.