«إسرائيل» تمارس عصياناً على القانون الدولي برعاية غربية
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
مازالت قضية اتهام حكومة الاحتلال الإسرائيلية لبعض موظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» بمساعدة فصائل المقاومة ومشاركتهم في تنفيذ عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول من العام الماضي، تتفاعل على المستوى الدولي، ولاسيما من حيث التوقيت السياسي الذي وجهت به تل أبيب اتهامها للعاملين بالوكالة والتداعيات السريعة التي بدأت تترجم من خلال مواقف الدول تجاه الوكالة من حيث التعامل والتمويل، وهو ما سيترك تأثيراً سلبياً في نهاية المطاف على الوضع المعيشي للفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وقطاع غزة وفي مخيمات الشتات.
فعلى الرغم من مسارعة «أونروا» بطرد الموظفين المتهمين البالغ عددهم ثلاثة عشر، وتقديمها وعوداً وضمانات بإجراء تحقيق شامل واتخاذ إجراءات قانونية إذا ثبتت مشاركتهم بأي دور فيما تزعمه حكومة نتنياهو، بالتزامن مع ناقوس الحذر الذي قدمته الوكالة من توقف خدماتها نهاية الشهر القادم في حال عدم استئناف التمويل المطلوب، إلا أن دائرة المواقف «الملتبسة والمشكوك بها» مازالت تتسع مع ارتفاع عدد الدول التي أعلنت وقف تمويلها لوكالة الغوث بعد انضمام كل من السويد ورومانيا والنمسا واليابان، إلى الدول التي تبنت الموقف الإسرائيلي قبل أن تعلن المفوضية الأوروبية مراجعة التمويل المقدم للوكالة حتى نهاية شهر شباط المقبل، في ظل عدم تقديم إسرائيل ملفها حول هذه الادعاءات بشكل مباشر للأمم المتحدة وأجهزتها وفق ما أعلنه المتحدث الرسمي باسم المنظمة، ستيفان دوجاريك.
دعوة وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، مفوض وكالة «أونروا»، فيليب لازاريني، إلى الاستقالة، لم تكن سوى اتهام سياسي يؤكد أن هذه القضية لم تطفُ إلى السطح إلا لتحقيق مآرب إسرائيلية عجزت عن تحقيقها بالقوة العسكرية من خلال عدوانها المستمر على قطاع غزة منذ ما يقرب أربعة أشهر، وبصورة خاصة السعي لتهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، ومما يؤكد أن قضية اتهام موظفي «أونروا» هي قضية مفتعلة حتى قبل انتهاء أي تحقيق قد يتم، أو قد يتم الضغط من أجل تحريف نتائجه بصورة تتواءم مع ما تتبناه حكومة نتنياهو المتطرفة، وذلك تبعاً لعدة حقائق، أهمها:
1- رغم مرور قرابة الأسبوع على الاتهامات التي وجهتها إسرائيل لموظفي الوكالة بالمشاركة بعملية «طوفان الأقصى» إلا أنها حتى إعداد هذا المقال لم تقدم أي شكوى رسمية تتضمن حقائق من صور أو تسجيلات أو وثائق تؤكد حقيقة هذه المزاعم التي هي سياسية حتى اللحظة.
2- هذه الاتهامات صدرت بعد ساعات قليلة من إصدار محكمة العدل الدولية حكمها بإدانة إسرائيل ورفضها رد الدعوى المقامة ضدها والتي قدمتها جمهورية جنوب إفريقيا حول ارتكاب قوات الاحتلال مجازر إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً في قطاع غزة، وإلزامها بتنفيذ مجموعة من التدابير الوقائية لمنع أي تدمير للأدلة والالتزام بالمادة 2 و3 من اتفاقية منع الإبادة وتقديم حكومة الاحتلال تقريراً للمحكمة بشأن تنفيذ هذه التدابير خلال فترة شهر من صدور الحكم، وهو ما يؤكد أن الهدف من توجيه الاتهام لموظفي «أونروا» وافتعال هذه القضية هدفه تحويل الرأي العام عن مخرجات المحكمة التي هزت من مكانة وصورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي، وفق توصيف الإعلام الإسرائيلي، وإن لم يرتق هذا الحكم لمستوى المأمول منها في وجوب إلزام حكومة نتنياهو بوقف إطلاق نار فوري، الأمر الذي اعتبر وفق صحيفة «هآرتس» بأن قرار المحكمة هو «بمنزلة بطاقة صفراء وليست حمراء وجهه المجتمع الدولي لإسرائيل».
3- تبني ثلاث عشرة دولة مقربة من إسرائيل في مقدمهم الولايات المتحدة الأميركية وكندا وأستراليا وإيطاليا وبريطانيا وفنلندا وألمانيا وهولندا وفرنسا إضافة إلى المفوضية الأوروبية وغيرهم حتى إعداد هذا المقال، الرواية الإسرائيلية وتبني موقفها رغم عدم حصول أي تحقيق دولي أو تقديم أدلة دامغة تؤكد هذه المزاعم.
4- هذا الاتهام الذي وجهته حكومة الاحتلال هو استكمال لمشروع تصفية القضية وتهجير الفلسطينيين، ولاسيما أن وكالة «أونروا» تقوم بتقديم مساعداتها المادية وغير المالية لما يزيد على خمسة ملايين فلسطيني في داخل وخارج فلسطين المحتلة، فهذا الاتهام الإسرائيلي وما تلاه من مواقف العديد من الدول المانحة للوكالة، من شأنه أن يضيق الخيارات أمام الفلسطينيين ودفعهم نحو الهجرة بعد إفقادهم مقومات حياتهم الضرورية وتجفيفها وهو ما هدف إليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعد إعلان إدارته وقف تمويل وكالة اللاجئين في أيلول من العام 2018، بعد إطلاق مسار التطبيع الذي عرف باتفاقات «أبراهام»، وتلبية أميركية لطلب رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينها لإيقاف عمل الوكالة.
5- زيادة معاناة أهالي قطاع غزة بالتحديد لجعل مستقبل هذا القطاع وفق التصور الإسرائيلي لمستقبل القطاع الذي بات يشهد تدمير أكثر من 85 بالمئة من البنى التحتية والأماكن السكنية وسط دعوات من أركان اليمين المتطرف أمثال وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، وغيرهم لاستمرار العدوان وإعادة احتلاله وتقسيمه عبر زرع المستوطنات داخله، وهو ما قد يخلق واقعاً صعباً للفلسطينيين كان المفوض العام «أونروا» فيليب لازاريني أشار إليه بقوله «إن اتخاذ قرارات تعليق التمويل، في ظل الأزمة الإنسانية الراهنة التي يعانيها الفلسطينيون في غزة، ستكون لها تداعيات سيئة»، كما أن تبني الموقف الإسرائيلي من الدول التي ذكرت سابقاً، يجعلها مساعدة وداعمة في معارضة قرار المحكمة الدولية التي طالبت إسرائيل «السماح بإدخال مساعدات إنسانية فعالة» لسكان قطاع غزة، ما يعني «معاقبة جماعية لملايين الفلسطينيين في لحظة حرجة، وانتهاكاً محتملاً لالتزامات هذه الدول بموجب الاتفاقية بشأن الإبادة الجماعية»، وفق توصيف المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان بالأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، ولاسيما أن الأمم المتحدة تعتمد في جميع مناطق الصراعات والأزمات المنتشرة في العالم على وكالات متعددة تنشط على الأرض، باستثناء غزة، حيث إن الوضع هناك مختلف تماماً، فـ«أونروا» هي الوكالة الوحيدة العاملة هناك وسيكون من الصعب على جهة أخرى أممية تعويض تغيب دورها في هذه الرقعة التي تشهد محاولات إسرائيلية لتصفية قضيتها بالكامل.