“إسرائيل”.. أزمة حادة أعمق من تعديلات قضائية؟!
موقع قناة الميادين-
شرحبيل الغريب:
أساس المشكلة مع المجتمع الإسرائيلي الذي نزل إلى الشارع يكمن في هوية الحكومة اليمينية بزعامة نتنياهو. اتضح ذلك من خلال استمرار عدد من التظاهرات في مناطق مختلفة، للمطالبة بإسقاط الحكومة ورحيلها على الفور.
ستعاني “إسرائيل” لأن “الشعب” المنقسم لن يصمد طويلاً، فهي مضطربة بسبب الانقسامات الداخلية التي تمزق مجتمعها واقتصادها وتقوض ديمقراطيتها وتهدد أمنها القومي. “إسرائيل” على وشك أن تنهار، بعدما كان الاقتصاد الإسرائيلي مزدهرًا قبل 3 أشهر، ولا تزال تواجه تهديدات خطرة من إيران وحزب الله. وقد كانت علاقاتها مع الدول في جميع أنحاء العالم تتوسع، وكانت آمالها تزداد في التطبيع على المدى القريب مع السعوديين وغيرهم.
بهذا الإيجاز، علق تشاك فريليتش، نائب مستشار الأمن القومي في “إسرائيل”، لصحيفة “جيروزاليم بوست” على الأزمة التي تمر بها “إسرائيل”، وفريليتش هو زميل أول في معهد ميريام وباحث أول في معهد الأمن القومي ومؤلف كتاب “معضلات صهيون: كيف تصنع إسرائيل سياسة الأمن القومي؟”.
بعد أسابيع من التظاهرات والاحتجاجات والإضرابات المتواصلة وإقالة وزير “جيش” الاحتلال يوآف غالانت ووصول المشهد في “إسرائيل” إلى حد الشلل الكامل الذي ضرب معظم القطاعات، اضطر بنيامين نتنياهو إلى تعليق التعديلات القضائية حتى الشهر المقبل، وهو ما يطرح سؤالاً مهماً إزاء السيناريوهات المتوقعة بعد حال تأجيل أزمة التعديلات القضائية، فهل الأزمة مقتصرة على التعديلات القضائية فعلاً أم أنها أعمق من ذلك بكثير؟
نتنياهو قام بتأجيل المشكلة، وليس حلها. تأجيل حلّ المشكلة لا يؤدي دائماً إلى إيجاد حلول لها، وربما يؤدي إلى تفاقمها، والاحتقان الداخلي لدى المجتمع الإسرائيلي ليس سببه في الأساس التعديلات القضائية، فقد شكلت قضية التعديلات القضائية أحد عوامل تفجير الأزمة وجعلها تطفو على السطح وفق المشهد الذي رأيناه على شاشات التلفزة، وبالتالي حتى تنتهي مهلة الشهر، لن يكون الشارع الإسرائيلي بمأمن من التراشق، وربما تتجدد المظاهرات في أي لحظة. كل ذلك يعتمد على مدى جدية الحوار بين المعارضة الإسرائيلية والائتلاف بزعامة نتنياهو.
داخلياً، إنّ أساس المشكلة مع المجتمع الإسرائيلي الذي نزل إلى الشارع يكمن في هوية الحكومة اليمينية بزعامة نتنياهو. اتضح ذلك من خلال استمرار عدد من التظاهرات في مناطق مختلفة، للمطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو ورحيلها على الفور.
أما خارجياً، فاتضح ذلك من خلال الدعم والتأييد الخارجي للجماعات اليهودية في أميركا وأوروبا لاستمرار مثل هذه التظاهرات، فيما تكمن مشكلة الإدارة الأميركية مع اليمين المتطرف في عدم سيطرة نتنياهو على الحكومة وسياساتها وسلوكها في المنطقة، وهو ما لا ترغب الإدارة الأميركية فيه في الوقت الحالي.
هذا الأمر انعكس في تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن، التي قال فيها صراحةً إنه لا يرغب في توجيه دعوة إلى نتنياهو من أجل زيارة البيت الأبيض في المستقبل القريب. وقد كشف موقع “أكسيوس” الأميركي سابقاً أن العلاقات الأميركية الإسرائيلية تمر بأزمة متكاملة بعد أقل من 3 أشهر من عودة نتنياهو إلى سدّة الحكم في “إسرائيل”.
“إسرائيل” مأزومة داخلياً وخارجياً؛ داخلياً وصلت إلى مرحلة الصراع الصفري بين المعسكرين الإسرائيليين (المعارضة والائتلاف الحاكم)، والأزمة التي تمر بها هي نتيجة تراكمات حالة اللااستقرار السياسي التي عاشتها منذ سنوات وعدم قدرتها على تشكيل بنية سياسية متماسكة لحكومة جعلتها تخوض 4 انتخابات للكنيست الإسرائيلي في غضون 3 سنوات مضت، حتى جاء الائتلاف الإسرائيلي بزعامة نتنياهو ليعمق الأزمة أكثر. أما خارجياً، فهي تعيش انتكاسة على صعيد علاقاتها الدولية وإخفاقها في ما كانت تخطط له من توسيع دائرة التطبيع مع دول عربية في المنطقة.
هناك جوانب أخرى لحقيقة الأزمة تكمن في أوجه متعددة شكَّلت حصيلة للأزمة القائمة حالياً، ابتداءً من أزمة الخلافات الطبقية والاجتماعية، وصولاً إلى أزمة اقتصادية وعرقية ضربت تركيبة المجتمع الإسرائيلي حتى أوصلته إلى حالة من التشرذم والتأكّل غير المسبوقة.
تعليق التعديلات القضائية يفتح المشهد أمام قراءة معمقة للسيناريوهات المتوقعة للمشهد الإسرائيلي ومآلاته خلال الفترة المقبلة، بعد حالة الاحتراب السياسي غير المعهودة التي وصل إليها، إذ إنَّ كل المؤشرات تعزز مزيداً من الانشقاقات الداخلية والتمزق والتشرذم الذي لن يتوقف عند قضية تعديلات قضائية أصر نتنياهو على المضي بها لتحصين نفسه أكثر، ثم علقها تحت ضغط الشارع المنتفض في وجهه من جهة، وتحت ظرف الضغوطات الخارجية من جهة أخرى.
الحال في “إسرائيل” لن تعود إلى سابق عهدها أو إلى صورتها الطبيعية، والاحتدام القائم لن يلتئم بصورة كبيرة، بل إن الاتفاق الذي تم بين نتنياهو وبن غفير على تشكيل ميليشيات مسلحة تحت مسمى “الحرس الوطني” سيشكل عقبة أكبر أمام المتظاهرين الذين يمثّلون اليسار، والذين انتقدوا هذه الاتفاقية وعبّروا عن رفضهم لها، باعتبارها أداة تهدف إلى فرض حكم وسيادة اليمين الإسرائيلي المتطرف الحاكم داخل “إسرائيل” على كل ما يريده ويرغب فيه الائتلاف الحاكم.
ما تبقى في جعبة اليمين الإسرائيلي المتطرّف بزعامة نتنياهو بعد الأزمة الأخيرة وفي إثر قدرة اليسار الإسرائيلي على الضغط وشلّ قطاعات كبيرة ومهمة في “إسرائيل”، هو عدم المغامرة أو الخوض في أي مسار يمكن أن يؤدي إلى تفكيك هذه الحكومة، والائتلاف الإسرائيلي اليوم أيضاً يمر بمرحلة صراع بقاء بالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية لضمان عدم سقوطها بعدما أخذ الكثير من الوقت لتشكيلها.
أما حركة الشارع الإسرائيلي التي أخذت زخماً كبيراً طيلة الأيام الماضية، وشكلت ضغطاً واضحاً في الصراع القائم، فستبقى تعكس حقيقة المشهد المعقّد الذي آلت إليه الأوضاع، فيما ستبقى الحال التي وصل إليها اليمين المتطرف هي حال الضعف التفكك والتشرذم.
هذه الصورة غير مسبوقة، ولم تمر بها “إسرائيل” من قبل أمام تحالف اليسار الذي استطاع تحريك الشارع الإسرائيلي والتأثير بشكل فاعل في مواجهة الائتلاف المتطرف وتعليق التعديلات وإجبار اليمين الحاكم على الجلوس إلى طاولة حوار غير مضمونة النتائج.