إستنساخ معادلة نتنياهو الفاشلة
موقع العهد الإخباري ـ
محمود ريا:
في العام 1999 خرج رئيس وزراء العدو آنذاك بنيامين نتنياهو بمعادلة عسكرية سياسية بدأ تطبيقها على الفور: ضرب مقوّمات الصمود لدى الشعب اللبناني من أجل دفعه إلى الانقلاب على حزب الله، الذي كان على وشك فرض الانسحاب الذليل على جيشه من جنوب لبنان.
المعادلة التي “اكتشفها” نتنياهو تقوم على التالي: ضرب المحطات الكهربائية في مناطق لبنانية مختلفة والتعتيم على اللبنانيين، عسى أن يؤدي ذلك إلى إثارة النقمة على حزب الله بصفته المتسبّب بهذا “العقاب” الصهيوني.
وأطلق نتنياهو حينها مقولة مثيرة مفادها: إن ضرب المحطات الكهربائية سيدفع أبناء الضاحية إلى سبّ “إسرائيل” خلال صعودهم السلالم ـ بدل المصاعد الكهربائية ـ في الطوابق الثلاثة الأولى، و”خلال صعودهم الأدراج في الطوابق التالية سيسبّون حسن نصر الله”.
هذه “النكتة” التي أعاد روايتها سماحة السيد نصر الله في إحدى خطبه، ساخراً من اللامنطق الوارد فيها، كانت استراتيجية حقيقية لدى كيان العدو، استراتيجية طبّقها أكثر من مرّة، عبر استخدام المحطات الكهربائية في أكثر من منطقة. والدليل على “استراتيجية” الفكرة هو استمراريتها، فكما طبّقها نتنياهو في حزيران/ يونيو عام 1999، عاد إيهود باراك، الذي تسلّم رئاسة الوزراء إلى اعتمادها في شباط/ فبراير عام 2000، أي في مثل هذه الأيام بالضبط.
تضرّرت محطات الكهرباء، وأُعيد بناؤها، ولكن الاستراتيجية الصهيونية باءت بالفشل الذريع، وقبلًها وبعدَها استراتيجية قتل المدنيين في قرانا ومدننا المنتشرة على مدى تراب الوطن، والتنكيل بهم وقصفهم بالليل والنهار. لم يمنع كل هذا الإرهاب العدو من السير إلى الهاوية، فانسحب جيشه ذليلاً صاغراً في أيار/ مايو عام 2000، وبقي أهل الضاحية يهتفون بحياة السيد نصر الله، دون أن يهز “العقاب” الصهيوني إيمانهم بالنهج الذي اختاروه، والذي جعلهم يحققون ما عجز العرب عن تحقيقه على مدى عقود.
اليوم، هناك من يُعيد “نبش” المعادلة الصهيونية ذاتها، المعادلة القائمة على “معاقبة” أهل الضاحية، عسى أن ينقموا على حزب الله، فتتحقق أهدافهم المتمثلة في تكبيل أيدي قيادته ودفعها إلى التراجع عن مهمة حماية المقاومة وأهلها في لبنان والمنطقة.
منفذو المعادلة القديمة ـ الجديدة لم يعودوا أنفسهم، وطريقة التنفيذ اختلفت أيضاً، فبدل أن تنقضّ طائرات حربية صهيونية من السماء على المحطات الكهربائية لتدميرها، وعلى البيوت لقتل أهلها، وعلى السيارات لاغتيال مَن فيها، ينفلت إرهابيون انتحاريون في الشوارع، مستخدمين السيارات المفخخة، وحتى وسائط النقل العام، لتفجيرها في المدنيين، وإيقاع خسائر بينهم.
المنفذون اختلفوا، دون أن يعني ذلك أن المخططين ليسوا أنفسهم، والعقل الذي أنتج معادلة ضرب الكهرباء لمنع الانسحاب الصهيوني، هو الذي أنتج المعادلة الجديدة، أي معادلة استهداف المدنيين بالتفجيرات من أجل فرض خيارات سياسية وعسكرية على حزب الله.
في ظروف صعبة، وفي مواجهة قوة قاهرة ومتجبّرة، هي القوة الصهيونية المدعومة من الإدارة الأميركية، لم يزِد “العقاب” الناس إلا صموداً وثباتاً، ولم ينفع الإجرام في تجنيب المجرمين شرب الكأس المرّة والانسحاب ذليلين “وأذنابهم بين أرجلهم” كما عبّر الكثير من المعلّقين الصهاينة عن طريقة هروب جنود العدو من أرضنا.
القوة التي يستعملها الصهاينة والأميركيون اليوم لتحقيق الهدف نفسه، هي قوة فاجرة وشرسة ومتفلّتة من أي عقال، ولكنها قوّة عاجزة وواهنة ولا تملك قدرة على مواجهة ثبات أهلنا وصمودهم، ولا تستطيع الفتّ من عضدهم، ومصيرها ـ كما مصير الأسياد الصهيانة ـ هو الوهن والانحلال، لكي يثبت التاريخ مرة أخرى أن أهل الضاحية وشعب الضاحية، أبناء لبنان الصامدين المحتسبين، هم أكثر قوة وأقدر على تحدي الإرهاب الذي يتلوّن كلّ يوم بلون، ويتلبّس بلبوس مختلف.
الضاحية صامدة، ومعها الهرمل، وكل مدينة وبلدة ودسكرة، ومن لم ترهبهم طائرات نتانياهو وباراك، لن ترهبهم سيارات “داعش” و”العهرة” المفخخة.