إستراتيجية التحويل لدول منتهية!
موقع إنباء الإخباري ـ
الشيخ محمد حسن التويمي*:
في الغالب يَصف الخبراء الدول الضعيفة التي لا مستقبل لها بالدول الفاشلة، لكني أعتقد بأن الأدق هو وصفها بالدول المنتهية، ذلك أن الاستراتيجية الاجنبية التي أدّت الى جرّها الى هذا الوضع، هي “استراتيجية التحويل لدول منتهية” والتي تتزعمها الاحتكارات الصناعية – السياسية الدولية.
في التعريف التقليدي لمفردة الدول الفاشلة أنها تلك الدول ذات الحكومات الضعيفة أو غير الفعّالة، ذلك أن مثل هذه الدول لا تملك إلا القليل من وسائل فرض السيطرة على الجزء الأكبر من أراضيها. أما مستوى الرقابة اللازم لتفادي الانجرار الى وصف الدولة على أنها دولة فاشلة فمُختلف عليه. وعلاوة على ذلك، فإن إعلان أن دولة ما قد “فشلت” هو موضوع جدل عموماً، وعندما يتم رسمياً، قد يحمل عواقب سياسية كبيرة.[1]
يَعتقد عدد من المحللين، ان تصبح الدولة فاشلة يَعني أنه قد ظهر عليها عدد من الأعراض، أولها أن تفقد السلطة القائمة قدرتها على السيطرة الفعلية على أراضيها، أو أن تفقد إحتكارها لحق استخدام العنف المَشروع على الأراضي التي تحكمها. وثانيها هو فقدانها لشرعية اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها الذكي والفعّال. وثالثها عجزها عن توفير الحد المعقول من الخدمات العامة. ورابعها عجزها عن التفاعل مع الدول الأخرى كعضو فاعل في الأسرة الدولية.[2]
ويذهب البعض الى ان تراجع الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والثقافية يندرج ضمن قائمة فشل الخدمات الأساسية والتوزيعية في الدول الفاشلة. كما تندرج مستلزمات إقامة وإدامة أسس التوافق على شرعية الدولة كراعية لمصالح جميع سكان البلاد وليس مصالح فئة أو فئات معدودة منهم. وبالمقابل لم تعد مسؤولية الدولة ولا شرعيتها محصورة خارجياً في الحصول على اعتراف الأسرة الدولية الشكلي بها. وتتزايد مستلزمات ذلك الاعتراف الدولي كما تزايدت الالتزامات التي يتطلبها استمرار ذلك الاعتراف في العقديْن الماضييْن.[3]
وفي الواقع، يرتبط مصطلح الدولة الفاشلة بالمجال السياسي بدرجة اولى، وهو يَعكس واقع الدولة العَاجزة والمنتهية والمتوقفة عن القيام بمهامها المنوطة بها قانونياً وواقعياً تجاه شعبها وشعوب العالم.
إن الأحداث العنيفة التي تشهدها أقاليم عديدة في مناطق الكرة الارضية، وتلك التي نعاينها نحن يومياً في وطننا العربي الكبير، والاحتراب والاقتتال والتقسيم الجيوسياسي والمذهبي والطائفي والقومي والطبقي والاجتماعي الى غيره من أشكال التجزئة المشرعة في كل الاتجاهات، وفراغ الميزانيات، والبقاء في بند دول الخدمات غير المكتملة والبدائية، وتسارع دول كُبرى لإعادة استعمارنا بدون مقاومة، يَكشف عن إستراتيجية توسعية ثابتة لإعادتنا القهقرى الى عصور الظلام والحَجر والمَشاعية الاولى، وقرون القنص بجذوع الاشجار و “القوس والنشاب” والعيش في المُغُرِ وعلى الاشجار وداخل الصخور.
الصومال وأفغانستان وإثيوبيا واوكرانيا، وعشرات الدول في شرق اوروبا وآسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، كانت مزدهرة ومتطورة وتحيا برفاهية باستغلالها لمقدراتها الطبيعية وتحالفاتها الدولية ومنها تحالفات مع الصين وروسيا اقتصادياً، فماذا جرى لها يا تُرى؟
بعد تأسيس حركة عدم الانحياز، اشتدت الحملات الاعلامية التي رافقت أعمالها خلال عدة عقود، وقد أحرج ذلك الاستعمار العالمي وأفقده صوابه، فبدأ بحملات عسكرية واقتصادية وتدخلات دبلوماسية وعقوبات تجارية عليها، لعزلها عن التاريخ والجغرافيا والحضارة والمنطق، فكان له ذلك، لتتحول هذه الدول وشعوبها الى كيانات مُهمّشة ومُقسّمة ومُجزّءة، تتقاتل وتقتتل على أتفه الامور وأصغرها، ولتحصيل رواتب ومساعدات هامشية، ولتعتاش على “الشحذة” من دول صناعية غربية كبرى تستمرئ هذا الوضع العالمي، ولا ترى بديلاً عنه، بل ان عواصم غربية لم تعد ترى بديلاً عن محاربة بكين وموسكو لمحاولتهما تعليم شعوب تلك الدول كيف تصطاد السمك!
وجود روسيا والصين وغيرهما من الدول على الساحة السورية، يضمن انقاذ المنطقة من التحول نهائياً الى دول منتهية تعتاش على دراهم إفرنجية، وهذا بالذات هو الذي يؤرّق الدول التوسعية التي لا تحتمل رؤية أية قوة في منطقتنا قادرة على انقاذها من الغرق، لذلك نرى كيف تتدخل تلك الدول المعتدية بين حين وآخر لضرب المكونات الاساسية لسوريا والدول العربية، ومن ذلك التصدي العنيف لقواتها المسلحة ومحاولة تصغيرها وتحجيمها وإضعافها وانهاكها من خلال تواصل الحالات الحربية والصراعات بمواجهة عواصف المرتزقة الاجانب الذين يَعتاش كل منهم على خمسمئة دولار فقط في الشهر!، الى الضغط عليها لفتح أبوابها أمام موجات اللاجئين، وبالتالي تعكير أجوائها وتسميمها بالارهابيين المتسللين على ظهور موجات اللجوء غير المنتهية، ومن خلال “مساعدات” بائسة تشترط المشاركة في الحروب واستيعاب أعداد متزايدة من النازحين الدوليين، فضرب أسس الانسجام الديني والاجتماعي والثقافي، وتصفية التناغم في العادات والتقاليد، وصولاً الى استمرار حالات المواجهة مع القادمين الجدد الى آجال لا تنتهي!
تحالفاتنا الاستراتيجية مع بكين وموسكو، تضمن لنا الخروج من الأسر الدولي القاتل، وتقليص خسائرنا وعدم التحوّل الى دول فاشلة أو منتهية أو مرتهنة، والاتكال على الله وجهود الواعين في الامة سينقذها من نهاية بائسة وتصفية الامة وتحويلها الى مُرتَزِقَةٍ (بكسر حرب الزين)…
*عضو ناشط في الاتحاد الدولي للصحفيين والاعلاميين والكتاب العرب حُلفاء الصين ورَاَبِطَة الَقَلَمِيِّين الاَلِكْتْروُنِيّةِ مُحِبِّيِ بُوُتِيِن وَرُوسيِّهَ فِيِ الأُردُن وًالعَالَم العَرَبِيِ ومسؤول ديوان وملف النشر والإسلام فيهما.
مراجع:
1/ويكيبيديا: دولة فاشلة. 2/ ويكيبيديا: دولة فاشلة.