إرادة التصدي للعدوان على القرآن: ماذا عن المواقف الرسمية العربية؟
موقع العهد الإخباري-
أحمد فؤاد:
إذا كانت حادثة قيام مختل تحت مظلة رعاية وحماية من السويد بإحراق نسخ من كتاب الله الكريم، وهي –دون شك- واحدة من الذرى العالية لصراعنا الكبير مع الغرب، ورد الفعل العربي الرسمي عليها، قد يعلمانا شيئًا، فهو أن الوضع العربي برمته لا يشبه أكثر من جثة، وأن النظام الإقليمي الذي قام وتأسس ليمثل أمنها الجماعي ويضمن مصالحها ويدافع عن قضاياها، وهو الجامعة العربية قد سقط هذه المرة الجديدة، ولكن إلى غير رجعة.
سماحة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خرج في خطاباته بمناسبة ذكرى عاشوراء ليدعو إلى وحدة صف من العالمين العربي والإسلامي، لوقف هذه الجريمة السويدية المتكررة، والدفاع عن أقدس مقدسات كل مسلم، القرآن الكريم، والأخذ في الحسابات أن الجريمة تكررت لأنها لم تُردع ولم تجد على فعلها الدنيء الرد الذي يناسبها ويمنعها ويضع خطوطًا حمراء لما يمكن أن لا نقبل به.
مرة أخرى يضعنا الأمين العام أمام حقيقة مرة، وهي أن الغضب إن لم يكن واصلًا إلى مداه ومؤثرا وفعلًا كاملًا على الأرض، فإنه مجرد حركة خالية من القوة ومن القدرة، وأن الدول العربية – مهما بلغت من ضعف ومن عجز – مطالبة اليوم بأن ترد، أن ترد اليوم، وأن ترد بقوة على استهداف غربي كامل يقوم على احتقارنا وهتك مقدساتنا ومحاولة تأطير صورة جديدة للعربي والمسلم بأنه لا شيء في عالمهم الجديد هذا، عالم الشذوذ وانحلال القيم والطلاق مع الأديان.
سماحة السيد جدد التأكيد على “ضرورة أن يتطور الموقف إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع دولة السويد المعتدية”، وهذا هو أضعف الإيمان في ما يمكن الذهاب إليه، دفاعًا أولًا عن كل ما هو مقدس، ودفاعًا أكثر عن أنفسنا في مواجهة عالم غربي يريد أن يمارس فاحشته في وجوهنا، ثم يرغب في أن نصفق.
رد العالم العربي على العدوان المتجدد على الدين لم يرتفع على الإطلاق لمدار المواجهة، وعدا العراق الذي اتخذ موقفًا دبلوماسيًا فوريًا، فإن ردود الدول العربية الأخرى لم تخرج عن بيانات من وزارات خارجيتها، لا تساوي حتى ثمن الحبر الذي كتبت به، وهي فوق ذلك بيانات تهادن وتخضع وتزيد من الطمع في موقفها أكثر، وتفضح أزمة الدول العربية كلها، وعلى اختلاف ظروفها وبنيتها.
لا يمكن التعامل مع النظم العربية ككتلة واحدة، هناك النظم التقليدية/ الملكية في الخليج العربي، وهذه النظم تشعر منذ لطمة الغزو العراقي للكويت أن حدودها ليست آمنة، وأنها بكونها نظمًا حديثة النشأة والتكوين -تكاد أن تكون طارئة- معرضة دائمًا للانكشاف والتعري، سواء مواردها أو أراضيها وحتى عروشها، فالشيخ/ الأمير كان تاريخيًا يتمتع بسلطة مطلقة، هذه السلطة مع التبعية الكاملة للأميركي تعرضت لشروخ عنيفة وعميقة، وأصبح الحكام أنفسهم رهائن للرضا الأميركي، ومع ما هو مفروض عليهم من الانخراط الفاعل في خطط ومؤامرات السيطرة الأميركية على المنطقة، ومع عجزهم عن تقديم مشروع بديل يحفظ أمن الدول ويحقق مصالح المجتمعات، فإنهم في حالة من الابتزاز الدائم، وشرعيتهم مستنزفة أمام شعوبهم وأمام أنفسهم.
أما الأنظمة العربية التقدمية، أو التي كانت في يوم كذلك، فقد خسرت بخروج مصر من المعادلة ثم غزو وتدمير العراق، الكثير جدًا مما ظلت تبشر به على مدى نصف القرن الأخير، وهو النظام العربي المشترك ممثلًا في الجامعة العربية، وقبلت كلها مجبرة أن تشارك في “النظام العالمي الجديد”، الذي افتتح عهده بحرب الخليج الثانية، مقابل ما ظنت أنه ترتيب جديد يمنحها جزءًا من كعكة العصر الجديد، ويعترف بحقوقها في توزيع المصالح وترتيبات الأمن، فإذا بها عقب نهاية الحرب تجد الأميركي والصهيوني قد اقتسما كل الغنائم ولم يتركا لهم حتى الفتات.
هذا العالم العربي القديم قد سقط بجدارة في اختبار الإرادة أمام السويد، وهي مجرد فاتحة أبواب الشر لما يمكن أن يحمله الغرب بقيمه الجديدة إلينا، سقط الجميع ولم ينجح في الاختبار أحد، لأنه لم تقرر دولة عربية واحدة أن تواجه من الأصل، انسحب الكل بلا قتال ولا يحزنون.
ولمعرفة مدى السقوط وبشاعته، فإنه إذا كانت دولة عربية واحدة تملك الإرادة لأجبرت أوروبا كلها –وليس السويد فقط- على وقف هذه المهزلة، على سبيل المثال، لا الحصر، لإجراءات عربية فاعلة، كان يمكن لمصر وتونس أن تناوشا بورقة المهاجرين عبر شواطئ البحر المتوسط لتصدير الرعب إلى العواصم والحكومات الأوروبية كلها، وكان يمكن للسعودية –أكبر مصدر للنفط الخام- أن تهدد بتقليل الضخ إلى الأسواق الأوروبية، المرتبكة أصلًا، لكي تجعل الكل يفكر مرتين في عواقب فعله.
هذه الإجراءات القوية لا ترتب على الدول العربية أية أثمان على الإطلاق، مجرد مناورات وتهديدات، كانت سترعب السويد وأوروبا من ردود فعل أقوى وأشمل وأخطر، وهي بالتأكيد كانت ستحمل رسالتنا مختصرة، نحن نستطيع الذهاب إلى أبعد مدى في الدفاع عن مقدساتنا وجادون في معاقبة من يسيء لنا، والأهم: نملك من الإرادة ما يؤلمكم.