إخماد جمرات الشرّ، من كاراكاس الى بيروت
موقع قناة المنار-
أمين أبوراشد:
إنطلقت عبر بعض وسائل الإعلام وأفواه بعض السياسيين – وآخرها منذ ساعات – مسألة الترويج للتجربة الفنزويلية في المعاناة مع الحصار الأميركي وترويع اللبنانيين منها، ضمن محاولة فريق الرهانات على الغرب، نَعِي قيام الدولة اللبنانية وبداية انتشار الفوضى وانتقالها من منطقة الى أخرى، وهذا سياق لا ننكره ضمن حرب الجيل الرابع الإقتصادية/الإجتماعية التي أشعلها دونالد ترامب على لبنان والشبيهة بالوضع في فنزويلا، مع اعتراف الدائرين في الفلك الأميركي، أن الحرب العسكرية على لبنان غير المُجدية، هي التي عزّزت فكرة الحصار والتجويع بديلاً عنها، لكن غاب عن بال هؤلاء أن أوجه الشبه بين لبنان وفنزويلا، وإن كانت كثيرة على مستوى الوضع الإقتصادي، فإن هناك محظورات ومحاذير في لبنان تمنع انتقال التجربة الفنزويلية إليه.
نعم، في فنزويلا تُسيطر شركات النفط العملاقة ومعها نخبة رجال الأعمال على الإقتصاد، والحصار والعقوبات الاميركية ادت الى ازمة اقتصادية كبيرة وغاب الامن الاجتماعي ولكن، ليس كل ما يسري على المجتمع الفنزويلي المُعادي بكُلِّيته لأميركا إنطلاقاً من إيمانه بمكتسبات الثورة البولشفية يسري على لبنان، الذي يواجه أميركا ومعها الكيان الصهيوني، وجماعات الرهان على أميركا في الداخل، بأنها خشبة الخلاص، وأنها الترياق الذي سوف ينهمر عليهم يوماً رغم أنهم يلمسون عبر السنوات خيبة رهاناتهم.
وفنزويلا، قد يكون الجوار الإقليمي ساهم في خنقها، وهي – كما لبنان على المتوسط – مُشرَّعة مائياً على البحر الكاريبي، وكما لبنان محكوم بجغرافيته شرقاً وشمالاً مع سوريا، وجنوباً مع فلسطين المحتلة، هي محكومة بالجوار البرازيلي والكولومبي من الجنوب والجنوب غرب، وكما حال فنزويلا في عدم تعاطف “الجارتين” مع ثورتها ومُعاناتها من الحصار الأميركي، فإن لبنان لا يتوسَّل من جنوبه تعاطف عدوٍّ له تجارب سحقته في لبنان، وهو للأسف يمنع نفسه عن استيراد التعاطف من الشمال والشرق لأن المُراهنين على أميركا يريدون تسريع اختناقه!
وكي لا نبقى في العموميات الإستراتيجية، ننزل الى أرض الوقع ونعترف، أن هامش العوز الذي تُعاني منه الطبقات المتوسطة والفقيرة في فنزويلا تُعاني منه الشريحة الأوسع من الشعب اللبناني، نتيجة سياسات الفساد والحصار، لكن ما حصل في الشارع الشعبي الفنزويلي من اهتزاز إجتماعي نتيجة الجوع، لم ولن نبلغه في لبنان، لسببٍ واضح، أن حرب التطويع الأميركية سياسية إقتصادية لتركيع فنزويلا من أعلى الهرم الى القاعدة، بينما الحرب الأميركية على لبنان وجودية، ولبنان أمام خيارين في صراع البقاء: النصر أو النصر، ونحن لا نكتب إنشائيات ولا ننسج قصائد وطنية، لأن فنزويلا ليس على حدودها عدو صدَّق نفسه قبل العام 2000 أن لبنان لقمة سائغة، فيما لبنان أثبت لهذا العدو أنه العلقم في بلعومه.
بناء عليه، نؤكد للمتأمركين في لبنان، الذين يريدون ان يهوّلوا بالتجربة الفنزويلية لكي يقولوا للمواطن ان لبنان لا يمكن ان يواجه ارادة اميركا والا فسيكون مثل فنزويلا التي واجهت الاطماع والعقوبات الاميركية ما ادى الى انهيار اقتصادي وامني، فإن التشابه بين لبنان وفنزويلا ان ضريبة درء الاطماع والعدوان تكون صعبة دائما، وآخرها النصر والعزة كما حصل في اكثر من مرحلة، كما اننا لا نستطيع عيش تجربة الآخرين بتفاصيلها فكل بلد له خصوصياته، رغم المعاناة الإقتصادية والمعيشية الواحدة، لأن أهل الحكمة والرأي من أعلى الهرم الى القاعدة يُدركون، أن المعاناة الوجودية واحدة رغم كل الطوابير الخامسة، وليعذرنا المُروِّجون للتجربة الفنزويلية لو بشَّرناهم بهزيمتهم، لأننا لا نكتب قصائد شِعر في بلدٍ كُتِب تاريخه الحديث بملاحِم الشهادة، ولأننا قادرون على إخماد جمرات الشرّ الأميركي..