إختلال توازن الردع تثبت معادلة أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
لم يكن عبثياً أو بشكل ارتجالي أن يطل الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه في خطاب شهير له في بنت جبيل على إثر الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في أيار عام 2000، نتيجة ضغط العمل المقاوم، معلناً عن عبارته الشهيرة أن «إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت»، إذ إنه منذ تلك الحقبة الزمنية، أي قبل عقدين ونيف، وربما قبلها بقليل، استطاع حزب اللـه وضع إستراتيجية تتضمن العمل على تغيير قواعد الاشتباك في إطار الصراع مع الكيان الإسرائيلي الذي كانت عقيدته العسكرية تقوم على تحقيق ثلاثة مرتكزات أساسية في تأمين ما يسمى «تفوقه الردعي الأمني» وكانت تدور حول القيام بحروب قصيرة وحاسمة، ونقل المعارك إلى أراضي الدول المحيطة بالأراضي المحتلة، والحفاظ على عنصر التفوق العسكري.
غير أن تطوير قدرات العمل المقاوم بالنسبة لحزب اللـه ولباقي فصائل وقوى المقاومة وبخاصة بعد عدوان تموز 2006، ساهمت بشكل فعلي في إحداث التغيير المطلوب بقدراتها الردعية حتى باتت الحرب النفسية والمصداقية في تنفيذ الوعود واتساع القدرات العسكرية ونقل المعارك إلى الأراضي المحتلة وغزارة بنك الأهداف، جزءاً من تغيير هذه القواعد التي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على حكومات الاحتلال، وتحد من تهوره في تصدير أزماته الداخلية للخارج على شكل حروب أو اعتداءات وتوظيفها في الإطار الانتخابي كما كان يحصل سابقاً.
تآكل القدرات الردعية بالنسبة لهذا الكيان على مدى السنوات السابقة حتى في إطار اعتداءاته المتكررة على قطاع غزة المحاصر، واستمرار عبثه في الجغرافية السورية طوال حرب الاستنزاف التي خاضتها سورية في معركتها ضد الإرهاب، جعلت من حكومات الاحتلال مقيدة اليدين وأسيرة ضيق الخيارات أمام أي قرار في التوجه نحو اتخاذ قرار الحرب أو شن أي عدوان، حتى بات هذا الكيان وحكوماته التي كانت تختلق أي ذريعة لشن مثل هذه السلوكيات العدوانية منذ فرضه بالمنطقة عام 1948، تلجأ إلى المناشدة الأممية والإعلامية وممارسة الضغوط على الدول الحليفة له بشكل علني أو من خلف الكواليس لعدم تصعيد المواقف وإيجاد حلول ومبادرات سياسية ودبلوماسية للحد من المواجهات العسكرية، وباتت حكومات هذا الكيان تلجأ لوسائل الإعلام والأمم المتحدة للتعبير عن مخاوفها من قدرات فصائل المقاومة ولاسيما حزب اللـه اللبناني، في حفر الخنادق باتجاه الأراضي المحتلة، لإحداث نوع من الضغط الدولي، بما في ذلك فرض العقوبات وخنق الحزب اقتصادياً للحد من قدراته، وتأليب البيئة الشعبية ضده من جانب ومن جانب آخر ليحصل هذا الكيان على المزيد من الدعم الخارجي تحت ذريعة تزايد المخاطر التي يتعرض له أمنه القومي.
أكثر ما كان الكيان الإسرائيلي يخشاه على مدى العقود السابقة، هو حصول تنسيق وتعاون سياسي وعسكري ما بين دول المقاومة، بعد نجاحه في تفكيك مواقف دول الطوق بعد حرب تشرين التحريرية لعام 1973، وزرع الفرقة بينها من خلال المفاوضات المنفردة، والتوصل لعمليات استسلام أقرب منها للسلام لتعزيز التفرقة بين هذه الدول وخلق الصراعات في علاقاتها البينية، إلا أن تنامي قدرات فواعل المقاومة من دول وفصائل، وتنسيق العمل المشترك بينها على صعيد محاربة الإرهاب في المنطقة ومن ثم التعاون للتصدي للمشاريع الأميركية والإسرائيلية على حد سواء زاد من تخوفات هذا الكيان.
من هنا يمكن القول إن إطلاق العشرات من صواريخ كاتيوشا الأسبوع الفائت من الجنوب اللبناني باتجاه الأراضي المحتلة كانت رسالة واضحة تحمل العديد من الأبعاد التالية:
أولاً- قضية القدس، رغم محاولات الكيان أن تكون آخر نقاط الإجماع للعرب، باتت اليوم هي خط أحمر بالنسبة لمحور المقاومة ولن يسمح لهذا الكيان من المساس بقدسية الأماكن المقدسة من دون أي ردع.
ثانياً- إطلاق هذا العدد الكبير من الصواريخ من الجنوب اللبناني لم يكن قراراً فردياً من فصائل المقاومة الفلسطينية مجتمعةً أو منفردة، بل من المؤكد أنه قرار المحور بشكل كامل، بما في ذلك حزب اللـه الذي حذر في السابق من أن تتحول قضية القدس لشرارة نحو حرب إقليمية.
ثالثاً- في حال ثبوت النقطة السابقة وما عززها من إطلاق عدة صواريخ من الأراضي السورية المحررة باتجاه الجولان المحتل، فإن هذا يكرس المخاوف الإسرائيلية من توحد جبهات المقاومة وساحة الاشتباك.
رابعاً- تآكل القدرات الردعية للكيان الإسرائيلي، وهذا ما برز في طبيعة الرد وحجمه، إذ كان الكيان بحكومته الفاشية أمام عدة خيارات أبرزها:
الرد على بعض مقار الفصائل الفلسطينية ولاسيما مقار حركة حماس في لبنان، بعد إرسال رسائل بالطرق غير المباشرة للحزب بأنه غير معني في تصعيد المواجهة معه، أو القيام بعدوان واسع يشكل نواة لحرب إقليمية.
الرد من خلال تصعيد كبير تقوده طائرات الاحتلال على قطاع غزة وهو ما قد يستدعي رداً من الفصائل تجعل الأمور تخرج عن السيطرة بشكل دراماتيكي.
استهداف قواعد فصائل المقاومة في سورية بذريعة استهداف الوجود والدعم الإيراني وهو ما قد يقود الكيان لعدوان جديد على سورية.
هذه الخيارات البارزة التي وضعت على طاولة اجتماع هيئة الأركان الإسرائيلي في مقر وزارة الدفاع لبحث خيارات الرد، عبرت ليس فقط عن حجم حساسية الموقف وصعوبة اتخاذ القرار لحكومات الكيان فتوسيع العدوان أو القيام بالرد بشكل غير منضبط كان سيجعل الوضع بكامل المنطقة على شفا هاوية، وعدم القيام بأي سلوك تصعيد سيزيد من تأزم الائتلاف الحكومي، بل عبرت أيضاً عن تآكل القدرة الردعية لهذا الكيان، لذلك توجهت هذه الحكومة نحو القيام بعمل اعتدائي هزيل دفع عضو الكنيست الإسرائيلي وأحد أطراف المعارضة أفيغدور ليبرمان لوصف هذا الرد الإسرائيلي بأنه «نكتة مضحكة» مضيفاً بأن «الردع في مقابل نصر اللـه تآكل كلياً»، فتأكيد نتنياهو عدم رغبته بتصعيد الموقف وخوض حرب واسعة إقليمية يؤكد هذا التآكل.
أكثر ما يقلق الإسرائيليين من مستوطنين ومسؤولين ومراقبين، بأن حكومتهم هذه ورئيسها الذي يستعرض عضلاته بتهديد استهداف إيران كل يوم، لم يجرؤ على القيام بعمل عسكري من شأنه أن يضع كيانه في مواجهة مع حزب اللـه الذي شكل سكوته طيلة الفترة الماضية رعباً زاد من رعب الصهاينة، وأصبح في وضع ليس بحاجة لتأكيد المسلمات التي تبناها سابقاً بأن أي اعتداء على لبنان أو شخصية لبنانية وغير لبنانية على الأراضي اللبنانية يعتبر عملاً عدائياً يستوجب الرد، فهل أيقنت إسرائيل اليوم وحكومتها المتطرفة ومستوطنوها المنقسمون وداعموها والمطبعون معها بأنها أوهن من بيت العنكبوت.