إجراءات سعيّد… هل تنهي حكم الاخوان وتدخل تونس مرحلة الربيع الحقيقي؟
جريدة البناء اللبنانية-
حسن حردان:
الإجراءات الثورية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيّد، الآتي إلى السلطة بإرادة شعبية لا نقاش فيها، إنما عكست تصحيحاً وتصويباً للمسار الذي سلكته تونس في سياساتها الداخلية والخارجية بعد سقوط النسخة القديمة من النظام برئاسة زين العابدين بن علي، وسعي تنظيم حركة النهضة الإخواني، الذي حاز في البداية على أغلبية في البرلمان إلى تجديد شباب هذا النظام بثوب اخواني، من خلال تكريس سياسات التبعية الاقتصادية والسياسية للغرب من ناحية، ومن ناحية ثانية تقديم فروض الطاعة له وللوبي الصهيوني الأميركي، ممثلاً بمنظمة «ايباك» في الولايات المتحدة، عبر خطاب شهير ألقاه أمام مؤتمرها، رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في أعقاب تسلم السلطة من قبل الحركة.
في حين عمدت سلطة النهضة إلى تعزيز ودعم الجماعات الإرهابية لإرسال الشباب المغرّر بهم للقتال في سورية في سياق الحرب الإرهابية التي تشنّها أميركا والأنظمة التابعة لها لإسقاط الدولة الوطنية السورية المقاومة لمصلحة إقامة نظام عميل وتابع للدول الغربية الاستعمارية وصديق لكيان العدو الصهيوني… تماماً على غرار ما فعل حكم الإخوان في مصر برئاسة محمد مرسي فور وصوله للسلطة.
كما عمدت سلطة النهضة إلى اغتيال القادة الوطنيين الراديكاليين في تونس مثل شكري بلعيد ومحمد البراهمي… غير أنّ هذه السياسة سرعان ما أدّت إلى إحداث نقمة شعبية ضدّ حركة النهضة انعكست في الانتخابات بأضعاف حجم تمثيلها وقدرتها على التفرّد بالسلطة، لكنها في المقابل أنتجت برلماناً تعدّدياً دخلت معه تونس في حالة صراع وشلل دائم، ولد حكومات تعدّدية لا تستطيع الاستمرار لأشهر في ظلّ إصرار النهضة على مواصلة السياسات النيوليبرالية الاقتصادية والمالية والاجتماعية، التي أدّت إلى تراجع الاقتصاد الإنتاجي عام 2020 بنسبة 9 بالمئة، وزيادة البطالة الى نحو 18 بالمئة، وبلغت 30 بالمئة في أوساط الشباب، فيما ازداد منسوب الفقر والحرمان، وتفاقمت حدة التفاوت الاجتماعي من جهة، وازدادت الهوة بين المدينة والريف، عما كانت عليه عشية اندلاع ثورة الياسمين من جهة ثانية، ثم جاء انتشار وباء كورونا وعجز حكومة المشيشي عن مواجهته، لتضاعف من حدة وشدة الأزمة، وتلهب الشارع باحتجاجات متتالية مصحوبة بنقمة ضدّ حركة النهضة وسياساتها التي كانت السبب في تفاقم هذه الأزمات وإجهاض آمال وتطلعات الشعب التونسي بالتنمية والعدالة الاجتماعية…
وفي هذا الإطار تقول الكاتبة الأميركية مونيكا ماركس المحاضرة في جامعة نيويورك في أبو ظبي لـ «فايننشال تايمز»، «بعد ثماني سنوات من الثورة سئم العديد من التونسيّين الحكومات الائتلافية الضعيفة، وأن الجمهور فقد الثقة بسياسيّي ما بعد الثورة، بمن فيهم الإسلاميون العائدون من المنفى والذين يتهمون على نطاق واسع بمشاركة الغنائم مع نخب النظام القديم».
لهذا فقد حظيت الإجراءات التي باشر بها الرئيس سعيّد، بتجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب وتسلّم السلطة التنفيذية بعد إقالة رئيس الحكومة وبعض الوزراء وتعيين بديل منهم، وتحريك ملفات محاسبة الفاسدين واسترداد أموال الشعب المنهوبة، حظيت هذه الإجراءات بتأييد شعبي واسع باعتراف الصحافة الغربية، المدعومة باستطلاع للرأي أجرته شركة «امرهود» الاستشارية المحلية أظهر «انّ 87 بالمئة من التونسيين أيّدوا إجراءات الرئيس».
هذا المناخ في تونس أثار فزع واشنطن التي عبّر وزير خارجيتها أنتوني بلينكن عن قلقه على الديمقراطية في تونس، في حين نجد إدارته تلتفّ على الديمقراطية في العراق برفض الانسحاب منه تنفيذاً لقرار البرلمان العراقي المنتخب من قبل الشعب.. وعكست مزاعم واشنطن بالقلق على الديمقراطية في تونس، قلقاً من أن تؤدّي إجراءات سعيّد إلى حصول تغيير في النظام السياسي والاقتصادي بعيداً عن التبعية للولايات المتحدة، يقضي على أهداف واشنطن، من استغلال ما سمّي بالربيع التونسي، الذي حوّلته إلى خريف لإعادة تجديد النظام التونسي بوساطة حزب النهضة الإخواني وبعض القوى الليبرالية الأخرى.. وما زاد من منسوب قلق واشنطن ودفعها الى توجيه الإنذارات للرئيس سعيّد من إطالة مدة المرحلة الانتقالية، ومطالبته بعودة عمل البرلمان، التقارير الغربية التي نشرتها الصحافة البريطانية عن أنّ الرأي العام التونسي يدعم الرئيس سعيّد بالإجراءات التي اتخذها… وهذا ما يشجعه على مواصلة تنفيذ خطته لإصلاح النظام وتغيير سياساته بما يعزز سلطته، ويضع نهاية لمرحلة حكم النهضة، مستنداً إلى الدعم الشعبي الكبير وبعض القوى السياسية والنقابية التي تؤيد أيّ إجراءات تحقق تطلعات الشعب في محاسبة ناهبي المال العام عبر إلزامهم تنفيذ مشاريع تنموية في المناطق النائية والفقيرة مقابل العفو عنهم، في سياق العمل على تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، والحفاظ في نفس الوقت على الحريات العامة والديمقراطية…
انطلاقاً مما تقدّم، ومما يُعرف عن الرئيس قيس سعيّد من مواقف وطنية وقومية تساند قضية فلسطين وترفض التطبيع مع كيان العدو الصهيوني، يطرح السؤال التالي:
هل بتنا أمام ربيع تونسي حقيقي يعبّر عن تطلعات الشعب في التغيير الذي يضع حداً للسياسات النيوليبرالية المتوحّشة التي ربطت تونس بعجلة التبعية للغرب، وأفقرت التونسيين، ويدشن بناء نظام وطني مستقل يحقق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، ويحرّر تونس من كلّ أشكال التبعية للدول الرأسمالية الاستعمارية الغربية؟
هذا ما ستجيب عليه الأيام المقبلة على ضوء مواصلة الإجراءات التي قرّر القيام بها الرئيس سعيّد وفي مقدّمها إلزام الضالعين في نهب المال العام بتنفيذ مشاريع تنموية في المناطق النائية مقابل عدم محاكمتهم أمام القضاء ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم.. وهي خطوة اذا ما ترجمت عملياً سوف ترفع من نسبة الدعم الشعبي للرئيس سعيّد، وتعزل حزب النهضة ومن يدعمه في محاولاته للنيل من شرعية القرارات الثورية التي اتخذها سعيّد…