إبراهيم رئيسي… تحديات داخلية واستحقاقات خارجية
جريدة البناء اللبنانية-
د. حسن مرهج:
واضح وجليّ طريق الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي المحفوف بالتحديات والاستحقاقات، وبكل تأكيد فإنّ طريق الرئاسة، لن تكون مفروشة بالورود، إذ تنتظر رئيسي تحديات واستحقاقات جمّة، بدءاً من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الداخلي، مروراً بالأزمة الصحية التي ضربت البلاد بسبب انتشار وباء كورونا، وصولاً إلى العلاقات مع دول الجوار، والملف النووي وطاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة.
يبدأ رئيسي ولاية دستورية من أربعة أعوام، يواجه منذ مطلعها تحديات معالجة الأزمة الاقتصادية والعقوبات الأميركية والمباحثات بشأن الاتفاق النووي، إذ ستكون معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العائدة بشكل أساسي للعقوبات الأميركية، وزادت من تبعاتها جائحة كوفيد-19، المهمة الأولى لرئيسي الذي رفع خلال انتخابات 2021، كما في 2017 حين خسر أمام روحاني، شعارَي الدفاع عن الطبقات المهمّشة ومكافحة الفساد.
من الواضح، أنّ هدف رئيسي الأساس، سيكون تحسين الوضع الاقتصادي من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والدول المجاورة، وذلك عبر تأسيس نظام اقتصادي يحمي النمو الاقتصادي لإيران، من الخيارات السياسية الأميركية، ومن خلال هذه المقاربة يصبح رفع العقوبات الأميركية هدفاً ذا أولوية لكن من أجل تحسين نوعي ونمو في حجم التبادلات التجارية بين إيران والدول غير الغربية على الساحة الدولية مثل روسيا والصين والجوار.
في الإطار ذاته، من المهمّ التذكير بأنّ إيران شهدت خلال الأعوام الماضية، لا سيما شتاء 2017-2018 وتشرين الثاني/ نوفمبر 2019، احتجاجات على خلفية اقتصادية، كما شهدت محافظة خوزستان (جنوب غرب) احتجاجات خلال تموز/ يوليو، على خلفية شح المياه، وترافق ذلك مع انقطاعات للكهرباء في طهران ومدن كبرى، تعزوها السلطات لأسباب منها زيادة الطلب ونقص الموارد المائية لتوليد الطاقة، وعليه فإنّ التحديات الداخلية التي ستواجه إبراهيم رئيسي في بداية ولايته، ستكون مؤطرة بمعادلات اقتصادية جديدة، هدفها تحسين الوضع المعيشي للشعب الإيراني، فضلاً عن العمل على تأمين الكهرباء والمياه، بما يؤسّس لحالة من الاستقرار الداخلي يحتاجها رئيسي، بغية التوجه خارجياً.
في جانب آخر، غالباً ما وجّه المحافظون المتشددون الذين ينظرون بعين الريبة الى الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً، انتقادات لروحاني على خلفية إفراطه في التعويل على نتائج الاتفاق النووي، وطالبوا مراراً بالتركيز على الجهود المحلية للحدّ من آثار العقوبات، الأمر الذي يضعه مراقبون في خانة تساهل روحاني ومثاليته بشأن علاقته مع الغرب، إذ كان يعتقد أنه سيكون قادراً من خلاله مثاليته، على حلّ كلّ مشاكل البلاد سريعاً، لكن لا يبدو أنّ الأمر هو ذاته لدى رئيسي، الذي أكد بعد انتخابه أنّ أولوية سياسته الخارجية هي العلاقات مع دول الجوار.
رئيسي الذي تولّى منصبه، بينما تخوض إيران مع القوى الكبرى، وبمشاركة أميركية غير مباشرة، مباحثات لإحياء الاتفاق النووي من خلال تسوية ترفع العقوبات الأميركية وتعيد واشنطن إليه، في مقابل عودة إيران لالتزام تعهداتها النووية التي تراجعت تدريجياً عن تنفيذها بعد عام من انسحاب واشنطن، في هذا الإطار، وأكد مسؤولون إيرانيون أنّ التفاوض لن يُستكمل قبل تولي رئيسي منصبه، الأمر الذي يمكن وضعه ضمن استراتيجية إيرانية، هدفها الإظهار للجانب الأميركي عدم وجود استعجال لدى طهران من أجل التوصل الى تسوية سريعة.
حقيقة الأمر، أنّ هناك ملفات صعبة ومعقدة ليس على الصعيد الداخلي وحسب، بل أيضاً على الصعيد الخارجي؛ هذه الملفات تشكل لرئيسي تحديات في غاية الدقة والأهمية، وتؤثر بشكل أو بآخر على الوضع الإيراني، خاصة على القطاع الاقتصادي وبالتالي على الحياة المعيشية للمواطنين الذين يواجهون ظروفاً صعبة للغاية، بسبب البطالة والغلاء والفقر.
ختاماً، سلّطت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية «إرنا»، الضوء على التحديات التي تواجه حكومة إبراهيم رئيسي وذلك من وجهة نظر المراقبين الإيرانيين، وتوقّفت الوكالة الإيرانية عند خمسة تحديات، اعتبرتها الأهمّ بين سائر التحديات التي تنتظر رئيسي على صعيد السياسة الخارجية، وهي «تأثير التنسيق بين ضفتي الأطلسي على إيران»، و»رأب الصدع مع دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية»، و»القلق من الفراغ الأمني في أفغانستان»، و»التصديق على اللوائح المتعلقة بمجموعة العمل المالي (FATF)»، و»إنجاح المفاوضات النووية في فيينا في حال استمرارها».
كلّ ما سبق، يدخل ضمن إطار التحديات الداخلية والاستحقاقات الخارجية التي ستواجه إبراهيم رئيسي، لكن رغم ذلك، تبقى جزئيات وعناوين ما سبق، مبهمة وغامضة، خاصة أنّ الرئيس إبراهيم رئيسي ستكون له استراتيجية جديدة تفرضها أولويات داخلية، وهواجس خارجية، الأمر الذي لا يمكن قراءته بعجالة، وينبغي التأني والتعمّق لرسم مشهد إيراني مكتمل الأركان، مع التأكيد على أنّ القدرة الإيرانية وخلال سنوات سابقة، تمكنت من الالتفاف على العقوبات الأميركية، والنهوض بإيران لتصبح الدولة الإقليمية الأقوى.