أي سياق وأية رهانات يستند إليها العدو الصهيوني؟
أي رؤية وتقدير قد يتبناهما العدو ازاء هامش حزب الله في المبادرة والرد على اعتداءاته؟ وإلامَ قد يستند قادة العدو، في تقديراتهم، لتبني قرار بعدوان مفترض ضد حزب الله ولبنان؟.
لا تخفِ “اسرائيل” حرصها على أولوية محاولة الحد من تنامي قدرات حزب الله النوعية والاستراتيجية. ومن أجل ذلك، تعتمد استراتيجية الاستهداف الموضعي والمدروس في الساحة السورية، بهدف قطع خط إمداد حزب الله بهذه الاسلحة الاستراتيجية.
مع ذلك، تدرك “اسرائيل” أن أية حرب تشنها ضد حزب الله في لبنان، ستكون مكلفة جداً لها، على كافة المستويات العسكرية والبشرية والاستراتيجية. ومن هنا يدرك قادة العدو أن شروط تحقيق الاهداف المؤملة من وراء حرب كهذه ليست متوفرة، بل باتت أبعد ما تكون بالقياس الى المراحل السابقة، لجهة تطور وتنامي قدرات حزب الله.
على هذه الخلفية، تحرص “اسرائيل” على ألا تبادر الى شن مثل هذه الحرب التي ستكون كلفتها عالية، وجدواها محدودة. وفي هذا السياق، يفترض أن يساهم هذا العامل في ردع كيان العدو عن المبادرة الى أي اعتداء تقدِّر أو ترجح بأنه قد يدفع نحو مواجهة واسعة وصولًا الى الحرب.
في المقابل، ترى اسرائيل أن حزب الله غير معني بخوض حرب معها ولا حتى أي مواجهة واسعة أو ضيقة. وبحسب الادبيات الاسرائيلية فإنهم يربطون إعراض وحرص الحزب عن هذه المواجهة بالمعركة التي يخوضها على الساحة السورية. وبالتالي ليس من مصلحة حزب الله فتح جبهتين في آن، واحدة ضد التكفيريين واخرى ضد الصهاينة.
الى ذلك، يقدِّر العدو أن حزب الله سوف يكون حريصا على عدم التسبب بمواجهة واسعة تؤدي الى استهداف المناطق الشيعية، بما يشكل قيداً اضافيا على صانع القرار في حزب الله من أن يبادر أو يرد على اعتداءات اسرائيلية محدودة.
في الاطار نفسه، يرى العدو أن حسابات الكلفة والجدوى حاضرة لدى حزب الله، كما هي حاضرة بقوة في حساباته في تل ابيب. وعلى هذه الخلفية، ترجح اسرائيل أن يكون خيار حزب الله العملاني مسقوفا بهذه المعادلة.
استنادا الى كل ما تقدم، يمكن القول من حيث المبدأ أن التفاعل بين كل هذه العناصر هو الذي يوسِّع أو يُضيِّق هامش المبادرة أو الرد لدى صانع القرار في حزب الله أو العدو.
ويبدو من خلال المواقف التي أطلقها سماحة الامين العام، أن حزب الله أدرك بأن العدو خلص، استنادًا الى هذه الحسابات، الى ضرورة نقل المعادلة التي ينفذها في الساحة السورية، (تطبيقا للمعركة بين الحروب)، ضد عمليات نقل الاسلحة النوعية والاستراتيجية التي في طريقها الى حزب الله في لبنان، نقلها الى الساحة اللبنانية.
الى ذلك، يرى العدو أن هذا هو الخيار العملاني المتاح الذي قد يساهم في الحد من تنامي قدرات حزب الله النوعية. وفي الوقت نفسه يراعي – بحسب تقديره – استنادا الى الضوابط اعلاه، بأن ذلك لن يتسبب بالتدحرج نحو مواجهة واسعة.
لكن المواقف التي أطلقها السيد نصر الله، انطوت على ما يلي:
· لا امتناع عن الردود على أي اعتداء عسكري اسرائيلي مباشر. بل لا اعتداءات رمزية أو شكلية في هذا المجال.
· رد سماحة الامين العام على تلويح العدو بسياسة التدمير الشاملة ازاء لبنان وبناه التحتية، وازاء جمهور المقاومة، بتلويح مضاد لم يخطر على بال أحد من المسؤولين في تل ابيب، وصولا الى استهداف المنشآت النووية، والمعاهد والابحاث البيولوجية.
· اوضح حزب الله، من خلال امينه العام، على أنه لا يريد الحرب، ولكنه مستعد لخوضها الى اخر المطاف في حال فرضها العدو. وفي هذا السياق لن يقبل بأن يفرض العدو، سياسة الاستهداف لقدرات حزب الله، تحت ذريعة أن رده سيؤدي الى ردٍّ مضاد وبالتالي التدحرج نحو مواجهة واسعة.
وهكذا يكون حزب الله، قد قلب المعادلة تماما، وبات على “اسرائيل” أن تختار:
إما الامتناع عن أية اعتداءات عسكرية مباشرة ضد قدرات حزب الله.
أو تلقي ردودا قاسية من قبل حزب الله تتجاوز السقف الذي كانت تتمناه وتقدره. ثم التراجع والكف عن مواصلة هذه السياسة.
أو الذهاب نحو رد مضاد يؤدي الى نشوب مواجهة واسعة بغض النظر عن موقعها في سلم المواجهات التي تقع دون الحرب.
أو الذهاب نحو حرب حقيقية وشاملة بين حزب الله واسرائيل.
بعبارة أخرى، ليس مقبولا من حزب الله، أن تشن اسرائيل حربا بالتقسيط ضد قدراته وضد لبنان، وفي الوقت نفسه أن لا يدفع جيشها الثمن المؤلم. وأن يتعرض جمهور المقاومة للضغط والتهويل وصولا الى الاستهداف دون ضغوط وتهويل واستهدافات مضادة تتلاءم هذه المرة مع حجم الاعتداءات الاسرائيلية.