أي دور للسفيرة الاميركية في القضاء اللبناني؟!
موقع الخنادق:
لا شك ان الإشكال الذي حصل مؤخراً بين المدّعي العام التمييزي في لبنان القاضي غسان عويدات والمحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، أظهر مدى الشرخ الحاصل في بنية القضاء اللبناني، بالاضافة الى مدى التبعية الموجودة لدى شريحة من القضاة مع جهات خارج الجسم القضائي سواء داخل لبنان او خارجه.
فما جرى طرح الكثير من علامات الاستفهام حول مبادئ قانونية بديهية يجب ان تتوفر في أي قاض او سلطة قضائية كي يُركن اليها في حماية الحقوق والحريات، ناهيك عن الوصول الى الحقائق الدقيقة في ملفات وقضايا بحجم ملف كانفجار مرفأ بيروت، فأين هي استقلالية القضاء اللبناني؟ وماذا عن مبدأ الحيادية؟ وهل يطبق بشكل عام وبالتحديد في ملف انفجار المرفأ؟ هل المحقق العدلي يعمل لاستهداف جهات محددة ولاسترضاء اخرى أم انه فعلاّ يسعى للوصول لكشف حقيقة ما جرى في 4 آب/اغسطس 2020؟ وهل ما قام به القاضي عويدات كردة فعل على ممارسات البيطار هو عين الصواب القانوني والقضائي ام انه ابتغى أموراّ اخرى من وراء ذلك؟ وأي دور قامت به السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا للوصول الى ما وصلنا إليه؟
السفيرة الأميركية تهدد قضاة لبنانيين
قالت مصادر متابعة ان “ما جرى كان سببه ومحركه الاساس هو الادارة الاميركية وبالتحديد سفيرتها في لبنان التي بادرت قبل فترة للاتصال بمسؤول أمني كبير وطلبت منه بشكل واضح ضرورة إخلاء سبيل من يحمل الجنسية الاميركية من الموقوفين في قضية انفجار المرفأ”، وتابعت ان “دوروثي شيا أكدت بوضوح ان ما يهمها هو إخلاء سبيل من اعتبرتهم معتقلين تعسفياً، وليس موقوفين على ذمة تحقيق في قضية دمرت جزءّ من العاصمة اللبنانية”، ولفتت الى ان “واشنطن هددت عبر سفيرتها بفرض عقوبات مباشرة على القضاء اللبناني وبالتحديد على بعض القضاة المعنيين مباشرة او بشكل غير مباشر بقضية انفجار المرفأ”.
واكدت المصادر ان “المسؤول الامني اللبناني أبلغ المطالب الاميركية للقضاة المعنيين”، وتابعت “ان ذلك تزامن مع حضور الوفد الاوروبي الفرنسي القضائي الى لبنان الذي اجتمع بالقاضي البيطار”، واضافت “الاخير اعتبر ان الفرصة سانحة لاسترضاء السفيرة الاميركية وإصدار قرار إخلاء سبيل لبعض الموقوفين على ان يليه إخلاء سبيل من تطالبه به اميركا بشكل ضمني وهو الموقوف محمد زياد العوف”، ولفتت الى انه “بالتزامن، بادرت السفيرة الاميركية أيضا للتواصل مباشرة مع مدّعي عام التمييز غسان عويدات وكررت مطالبها بخصوص إطلاق سراح من يحمل الجنسية الاميركية”، وتابعت ان “عويدات استغل قرار البيطار بالادعاء عليه وعلى بعض القادة الامنيين للمبادرة واعتبار نفسه سيد قصر العدل والسعي لاسترضاء الاميركيين بإخلاء سبيل كل الموقوفين وعلى رأسهم الاميركي العوف”.
وما جرى خاصة بسرعة “إخراج” العوف من لبنان (على الرغم من ان قرار إخلاء سبيله يمنعه من السفر)، يؤكد التورط الاميركي المباشر في التلاعب بقضاة وقضاء لبنان، وبالحقيقة التي يجب ان يعرفها كل الشعب اللبناني وعلى رأسهم أهالي الضحايا في انفجار المرفأ، إلا ان ما حصل قد يؤدي- الى حد ما- بالإضرار بإمكانية الوصول الى الحقيقة إن لم نقل انه قد يضيعها او يغير مسارها، لان هناك من أُطلق سراحه وقد لا يتمكن القضاء اللبناني لاحقاّ من الاستماع إليه او توجيه التهم له او لغيره ممن قد يكون محمياّ أميركيا.
ان ما حصل يدفع باتجاه وجوب التحرك لعلاج أزمة القضاء في لبنان، وبداياتها تكون بتأمين استقلالية هذا القضاء والبدء بالتعيين فيه بناء للنزاهة والحيادية والشفافية والكفاءة لا بناء للمحسوبيات الداخلية او الخارجية، لانه بدون سلطة قضائية لن يستطيع لبنان محاربة الفساد الذي يشكل مدخلاً لبناء دولة المؤسسات والقانون، فالملفات التي قُدمت للقضاء بخصوص قضايا فساد كثيرة جداً، ولكن لم نصل الى أي نتيجة فيها لسبب واحد وبسيط ان القضاء تابع وعاجز، فلا يمكن محاربة الفساد بأدواته.