أين لبنان من العقوبات الأميركية على حزب الله؟
صحيفة البناء اللبنانية ـ
د. وفيق إبراهيم:
مشروع العقوبات الأميركية الجديدة على حزب الله الذي حظي بإجماع مجلس النواب الأميركي مترقباً موافقة الشيوخ ليصبح قانوناً نافذاً. هذا المشروع يبدو وكأنه عقوبات على لبنان بكل فئاته ومكوّناته.
بأيّ حال فإنّ التسديد على التفاعلات الداخلية لمؤسسات حزب الله من جهة، وعلاقتها بالقطاعين العام والخاص من جهة ثانية، هي إعلان حرب اقتصادية عميقة على كامل لبنان، بما لا يميّز بين سني ومسيحي ودرزي وشيعي… الجميع تحت مرماها. وهذا يجب أن يستدعي تلقائياً صدور موقف رسمي مجابه لها ربما بحدود الإمكانات اللبنانية المتواضعة مع مواقف من القوى السياسية والاقتصادية والدينية المتنوّعة، ترفض تطبيق ما جاء في مضامينها القريبة والبعيدة.
هذه القرارات لمن يُدققُ في بنودها يكتشف على الفور أنها مشروع دفع لبنان نحو إفلاس قاتل، لكنها لا قدرة لها على عرقلة «جهادية حزب الله المفتوحة»، لأنه أصبح شديد الاندماج بالاقتصاد والاجتماع اللبناني وله ما يحميه في الإقليم من سورية الى العراق فإيران على مستوى الدول والشعوب. وهذا ليس مبالغة وإلا لما استهدفته السياسات الأميركية والإسرائيلية والسعودية والإماراتية بمثل هذه الشراسة والحدّة.
بداية ما هي هذه العقوبات وماذا تحتوي؟
اتسعت مراوحها بحيث تشمل مسؤولين حزبيين. وهذا أمر اعتاد الحزب عليه وكياناته السياسية والاقتصادية وشملت داعميه المتعاونين معه وإعلامه والمعلنين فيه والعاملين والمصارف والمؤسسات الرسمية اللبنانية وشركات البناء ومنع إعطاء التأشيرات الأميركية لكلّ من تشتبه أجهزة الأمن الأميركية به، وقسمي العلاقات الخارجية والامن الخارجي وتلفزيون المنار وراديو النور والمجموعة الإعلامية التي ترعى عشرات المحطات الإقليمية وأموال الزكاة والمؤسسات الاقتصادية الرسمية الخاصة التي يعتبرها الأمن الأميركي متعاملة مع حزب الله ومؤيديه بشكل أو بآخر.
وهنا يُدرك الخبراء فوراً أنّ هذه العقوبات تستهدف لبنان الاقتصادي الاجتماعي بخلفية شديدة السياسة باعتبار أنّ أيّ مسؤول حزبي يتعامل بالضرورة مع واحدة من هذه المؤسسات ما يجعله مستبعَداً آلياً من مجلسي الوزراء والنواب، وإلا فالعقوبات الأميركية تسري على كلّ هذه المؤسسات الدستورية.
فكيف يواصل لبنان إدارة نفسه وعلاقاته بالخارج؟
وعندما تصدر الهيئة الأميركية الراعية للعقوبات حظراً مصرفياً على أسماء معينة بالتعامل والتحويل فيتحوّل مصرف لبنان المركزي الى مؤسسة تُنفذ عقوبات مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين وليس اللبنانيين.
ويبدو أنّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة تبرّع قبل البدء بتنفيذ العقوبات بالإعلان أنّ لبنان مضطر لتنفيذ قوانين تصدرها دولة يتعامل العالم بأسره بعملتها «الدولار» وتتحكّم مصارفها بالعلاقات المصرفية والاقتصادية وحركة تبادل السلع.
لعلّ «الحاكم» هنا أراد استباق البدء بتطبيق العقوبات معلناً عجز مصرف لبنان عن مقاومتها فيرفع عن كاهله مسؤولية ما قد يرشُقُه بها أحد، خصوصاً حين يبدأ مصرف لبنان المركزي بالانبطاح أمام هيمنة الدولار الأميركي وأصحابه.
وينبثق سؤال ثانٍ: لماذا العقوبات الأميركية الآن؟ يجب فوراً ربطها بنتائج حروب الإقليم والحرب الأميركية الجديدة على سورية والتلاعب بالعراق وتسعير القتال في اليمن ومحاولات إنتاج ناتو عربي إسرائيلي بإشراف أميركي؟
لجهة الاقليم تتسارع التراجعات الأميركية في سورية حيث تحاول واشنطن من خلال آخر بؤر الإرهاب ومشروع الكرد في شرق وشمال غرب سورية تعطيل الحلّ السياسي الذي يجب أن يعكس النصر السياسي للدولة المنتصرة عسكرياً مع حلفائها. وهذا ما تحاول واشنطن إجهاضه، وتعمل على ضرب وحدة الدولة العراقية لامتصاص نجاحها في القضاء على الإرهاب وتشجيع السعودية وتحالفاتها على دكّ اليمن.
إنّ مجمل هذه التحركات الأميركية تبقى متواضعة على شراستها أمام مشروع الحرب الاقتصادية الكبرى على إيران ومشروع العقوبات على لبنان، وذلك لأنّ الدولتين السورية والعراقية المستهدفتين لديهما من الإمكانات العسكرية والاقتصادية ما يكفيهما للصمود، كما أنّ اليمن يصمد منذ سنين ثلاث أمام الهمجية السعودية وهذه تراوح مكانها وتتجه للتراجع والانكسار.
لذلك يضع الأميركيون كامل ثقلهم ابتداء من تشرين الثاني المقبل لشنّ أكبر حرب اقتصادية لم يسبق لبلد قبل إيران أن تعرّض لمثلها وبقي صامداً.
والهدف واضح وهو إعادة الإمساك بمحور لبنان سورية العراق وإيران واليمن الذي خسرته السياسات الأميركية المعتمدة على الإرهاب وتركيا وقطر والسعودية و»إسرائيل» لإعادة تحسين مواقعها.
فكيف يمكن لواشنطن أن تربح سياسياً ما خسرته عسكرياً؟ هذه هي الإجابة الكاشفة لأسباب الحروب الاقتصادية الأميركية على إيران وقريباً على لبنان، ودواعي عرقلتها للحلول السياسية في سورية والعراق واليمن. فهي تعتبر أنّ تفتيت إيران الذي قد ينتج من خنقها اقتصادياً وتدمير قوة حزب الله في لبنان كفيلان باسترجاعها كلّ ما خسرته في الميادين.
هذا في إطار نيات المخططين فماذا عن قدرات المستهدفين؟
لجهة حزب الله فأصبح يمتلك بنى اقتصادية مستقلة مدنية الطابع تعمل على خطوط تحالفاته السياسية والعسكرية. هذا بالإضافة الى تحقيقه اندماجاً لبنانياً بشكل أصبح يستحيل معه فك عرى الارتباط. بمعنى أنه لا تتجرأ قوة لبنانية سياسية على مجابهته علناً مع المشروع الأميركي الإسرائيلي السعودي. كما أصبح متعذراً دفع مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية للاندماج في حركة الذين يستهدفونه، فكيف يمكن لمصرف لبنان المركزي مهما بلغت قوة حاكمه سلامة وارتباطات هذا الأخير بخط حزب المستقبل السعودي وبالأميركيين مباشرة، فلن يكون بوسعه تطبيق عقوبات أميركية بمعزل عن موافقة ايّ مجلس وزراء لا بدّ أن يُشكل حزب الله ضامناً أساسياً لاستمراره وبالتالي لاستقرار البلد. وهذا ليس بالفرض والإكراه إنما لما يمثله حزب الله على مستوى الاجتماع اللبناني. ويكفيه ما قاله عنه رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أكد على دوره في التصدي للاحتلال الإسرائيلي والإرهاب.
هناك نقطة إضافية تؤكد انّ حزب الله يقاتل من أجل الدفاع عن إيران لأنها دعمته في حروبه ضدّ «إسرائيل» والإرهاب في سورية مع الإقرار بوجود تقاطعات ايديولوجية عميقة ولن يدّخر جهداً في سبيل الذوْد عنها في وجه الحرب الاقتصادية الأميركية، لكنه لن يتأذى من محاصرتها وتخطي أجهزة المخابرات الأميركية والخليجية عندما تعتقد أنّ التضييق الاقتصادي على إيران يؤدّي تلقائياً الى إفلاس حزب الله وانحساره اجتماعياً. فهذا تبسيط لا تقبله حتى «إسرائيل». فرئيس وزرائها نتنياهو أعلن ما يشبه الحرب العسكرية على لبنان والعراق، مشدّداً على نيات كيانه باستهداف حزب الله والحشد الشعبي معتبراً انهما منظمات إيرانية.
ومن الممكن اعتبار هذا التصريح الإسرائيلي نقلاً لحرب أميركية اقتصادية على إيران فاشلة سلفاً الى حروب عسكرية واقتصادية على إيران والعراق ولبنان.
لذلك تدعو هذه الاحتمالات الخطرة الدولة اللبنانية والقوى السياسية للطوائف والمذاهب والمراكز الدينية إلى أخذ عملية استهداف حزب الله على أنه تصويب على الكيان السياسي اللبناني لتوزيعه جوائز ترضية في نزاعات الإقليم فيصبح الندم عديم الجدوى، أما المراهنات على نجاحات أميركية سعودية جديدة لتشكيل حكومة لبنانية بهيمنة من محمد بن سلمان فلا ترقى إلا الى مستوى طفولية سياسية تمارس سياسات تستند الى الأحلام وتستبعد أثر موازنات القوى على بناء المؤسسات الدستورية والسياسية.
أليست هذه الأوهام من أوصل لبنان الى تضخم هائل في الديون والإخفاقات والعجز؟
يجب اذاً استيلاد تضامن لبناني كامل يحمي البلاد من أكثر الاستهدافات التي تتعرّض لها منذ الاستقلال وحتى تاريخه.