أين الأفكار المفيدة
وكالة أخبار الشرق الجديد-
غالب قنديل:
يواصل اللبنانيون دورانهم في متاهة سقيمة من المعاناة. والمؤلم أن الجدال السياسي والإعلامي، بسائر تعبيراته، قلّ ما يشعرنا بجهد مسؤول، أو مبادرة رصينة للتقدّم بفكرة، أو محاولة ابتكار مخرج أو مسعى إلى حل، أو مشروع تحرّك لاستكشاف الفرص المتاحة وتلمسها. والأشدّ مأساوية أن الذين يدمنون البلاهة والانشداه والندب في زمن شديد الصعوبة، لا يقدّمون سوى محاولاتهم البائسة والمشبوهة لتبخيس المبادرات الخلّاقة، وإثارة الشكوك في وجه كل فكرة، أو اقتراح من خارج نفق الانقياد للهيمنة الغربية اللصوصية، وعته الوصفات المجرّبة، التي مازال لبنان يدفع ثمنها التراكمي خلال عقود.
أولا: معظم المتداول يدور في حلقة الاقتراض والخضوع لشروط البنك الدولي وحكومات الغرب التوّاقة لاستغلال الانهيار في تمرير املاءات سياسية، وفرض تراجعات سياسية وسيادية، مقابل حقن مالية من سلّة قروض وديون قابلة للتحول إلى أداة ضغط سياسي وترويض سافر، يمكن توظيفهما في تطويع الموقف السيادي اللبناني، عبر تجنيد بعض الجهات المحلية المنخلعة المرتبطة بالغرب، والتي تضع نصب عينها السعي لمحاصرة المقاومة، وتعتبرها عبئا، ينبغي التخفّف منه، وهي بالأصل الأطراف المحلية، التي رضخت، مكرهة لا مختارة، لتبلور معادلة ملزمة وحاكمة خلال العقود الأخيرة، ترسّخت بعد التحرير عام 2000 بقوة الاحتضان الشعبي الواسع، وتصدّع التشكيلات العميلة، وفي ظلّ حكمة قائد المقاومة أمين عام حزب الله وسائر أطراف الحلف الوطني العريض في التعامل مع القوى المحلية، التي تورّطت، منذ الاحتلال، بعلاقات سافرة مع العدو الصهيوني. وقد أفشل لبنان بذلك رهانا صهيونيا ورجعيا إقليميا، على تبديد وهج الانتصار والتحرير في أتون الاحتراب الداخلي وابتلاعه، ليُطمس ويَختفي في سحب دخان وألسنة لهب.
ينبغي أن يعترف الجميع بحكمة المقاومة وقيادتها الشجاعة والحازمة، التي قطعت، حتى الساعة، كل الطرق على محاولات تبديد الإنجاز التاريخي وتدميره في حلقة دامية من الاحتراب والتفكّك.
ثانيا: بكلّ وضوح، يجب أن نعي ما ألحقته إنجازات المقاومة وحلفها الوطني من خسائر استراتيجية وأضرار معنوية وعملية خطيرة ومؤثرة بضواري الهيمنة الاستعمارية في المنطقة ولبنان، وهو ما تعزّز وتوسّع مع تتويج الانتصارات التراكمية في الإقليم، وتعاظم رصيد المعسكر التحرّري، بتحوّله إلى منظومة شبكية مترامية الأطراف، تضم حكومات حرة، وحركات شعبية مقاتلة، وهي تنهض وتتعاظم مع التعافي السوري والإنجاز اليمني العظيم، وفي ظلّ رسوخ التحوّل العراقي الواعد، إضافة إلى التغييرات الكبرى الجارية والمتراكمة في مسيرة المقاومة الفلسطينية.
إن هذه التحولات التي تحققت في البيئة الإقليمية تعم بنتائجها، وتفيض بمردودها على سائر القوى والفصائل والساحات، وهي رصيد نوعي حاسم في التوازن الاستراتيجي العام، يرجّح كفّة محور المقاومة والاستقلال والتحرر في الشرق، مما يفيض بنتائجه على سائر ساحات الكفاح التحرّري، ويتيح مزيدا من التطور في التوازنات المرجّحة لانتصار محور المقاومة، وحسم الأمور تباعا لصالح مكوناته في سائر ميادين الإقليم. ويمكن لنا الجزم بأن هذا الحاصل التاريخي، وما يؤذّن به من نتائج وتفاعلات، سيمثّل المفتاح الحقيقي لمرحلة تبدّد الكثير من مظاهر الاختناق والتأزم، ويفترض بنا، على سبيل المثال، أن نفكّر في مستقبل القدرة الإيرانية على المساعدة الاقتصادية والمالية عندما تنتصر على العقوبات. وهو استحقاق ليس بعيدا، وسيكون موعد انفراج وبشارة خير لجميع بلداننا، وبالذات للبنان حصن المقاومة وحزب الله والقائد نصر الله، وكفى بذلك بيانا.
ثالثا إن مبادرة العراق الشقيق الأخيرة، وما تتيحه من نجدة حيوية، هي من فيض المحور وعرفانه بفضل لبنان والمقاومة في بناء المعادلات الجديدة، وإطلاق التحوّلات. ويعترف سائر الأشقاء اليوم، وبكل نبل بمساهمات جليلة قدّمها حزب الله لنجدة الأشقاء في اليمن والعراق وسورية، وهذا ما يتحوّل استعدادات مفتوحة لدى هؤلاء الأخوة، وبكل النبل والعرفان، لتقديم كل ما هو متاح في مساعدة بلد حزب الله وشعبه، لتخطي الكارثة والنهوض من جديد، مع التطلع المستقبلي لتحويل المحور التحرّري من جبهة للكفاح التحرري إلى منظومة إقليمية للتعاون والشراكة في مجابهة تحديات التنمية، وبناء شراكات اقتصادية واعدة.
رابعا: لسنا في وارد بثّ تفاؤل معنوي وأحلام وردية، بل نستند إلى الوقائع الصلبة، التي تؤكدها حقيقة ما تمتلك بلداننا من إمكانات وقدرات، يمكن لتكاملها أن يبلور كتلة لا يستهان بوزنها وفاعليتها وقدرتها على جذب الشركاء من حولها، ولا سيما في الشرق، حيث تتركّز الثروات الواعدة والفرص المفيدة، التي تتسابق دول كثيرة للظفر بها. وسيكون تحرّك تكتلنا المشرقي في هذا الاتجاه قوة جذب حاسمة، تفيض بعائداتها وأرباحها على بلدان المحور وشعوبه، مع تحوّله الممكن إلى منظمة للتعاون الاقتصادي والتنمية الإقليمية.