أيباك.. تلك المنظّمة الشيطانيّة !
اعترف وزير الخارجيّة البريطانيّ الأسبق بأنّ اللّوبي الصهيونيّ في أمريكا، المعروف بـ منظّمة أيباك، يمثّل اليوم أهمّ العقبات والموانع التي تحول دون الوصول إلى إحلال الأمن والسلام في منطقة الشرق الأوسط.
وأكّد جاك ستراو، وزير الخارجيّة البريطانيّ الأسبق، في خطابٍ ألقاه أمام مجلس العموم البريطانيّ، أنّ أموالاً طائلة قد جرى وضعها بتصرّف الأيباك، وأنّ هذه المنظّمة توظّف شحنات الأموال الطائلة هذه في تحقيق مآربها وأهدافها.
ما يؤكّد عليه المراقبون والمحلّلون منذ أوقاتٍ خلت، أنّ أيباك، هذه المنظّمة الصهيونيّة الموجودة بشكلٍ رئيسيّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، لطالما كانت تشكّل المقرّ الأوّل القائم على تنفيذ مخطّطات ومشاريع الكيان الصهيونيّ الغاصب، والذي اعتمدها كبؤرةٍ ملتهبة لضخّ الفتن، وتوتير الأجواء، وتصنيع الأزمات، والحيلولة دون تحقيق الأمن والسلام في المنطقة، بل وفي العالم بأسره..
ولكن أن يعترف أحد كبار الساسة البريطانيّين القدامى، من ذوي الحنكة والتجربة، بهذه الحقيقة، فهذا يشكّل سابقةً جديدةً في هذا المجال، وهو يعكس حقيقة أنّه حتّى الغربيّون، وهم الحلفاء التقليديّون للكيان الصهيونيّ، يشعرون بحالةٍ من الغضب والحنق تجاه الدور الواسع والنفوذ المتزايد والمتعاظم يوماً بعد يوم لهذه المنظّمة المشؤومة التي لم تجلب إلى العالم سوى الدمار والويلات والحروب.. يشعرون بالغضب إزاء ذلك كلّه لأنّهم وجدوا أنفسهم مضطرّين إلى تحمّل عواقب الأفعال والمشاريع والمخطّطات التي تنفّذها أيباك، ودفع تكاليفها وأثمانها، ما جعلهم يتبرّمون من هذه الحالة ويعلنون انزعاجهم منها.
ويوماً بعد يوم تتصاعد وتيرة النفور والاحتجاج من داخل المجتمع الأمريكيّ ضدّ منظّمة أيباك، وإنّ نسبةً كبيرة من الشعب الأمريكيّ، ولا سيّما على مستوى طبقة المثقّفين والجامعيّين والنخب، باتوا اليوم أكثر ميلاً نحو إعلان تذمّرهم وانزعاجهم من سياسات أيباك وأعمالها، غير أنّ هذه الاعتراضات والاحتجاجات المستمرّة والمتزايدة من قبل هؤلاء لا تبالي بها السلطات الأمريكيّة، ولا ترتّب أثراً عليها، ولا يتردّد صدى صوتها في أرجاء المجتمع الأمريكيّ كما ينبغي، يعود السبب في ذلك إلى ما باتت هذه المنظّمة الصهيونيّة تملكه من سلطةٍ ونفوذ لا نظير لهما.
في العام ١٩٥١، وبعد سنواتٍ قليلة على قيام دولة الكيان الصهيوني الغاصب، غير القانونيّة وغير المشروعة، تشكّلت منظّمة أيباك، حيث حملت المنظّمة في البداية اسم لجنة الشؤون العامّة الأمريكيّة ـ الإسرائيليّة، ومنذ ذلك الوقت، بدأت المنظّمة مساعيها الحثيثة للتوغّل والنفوذ إلى أعماق الدولة في أمريكا، وتحديداً: عبر أركانها السياسيّة والاقتصاديّة.
ويمكن القول: إنّ منظّمة أيباك تُعدّ أكثر المنظّمات تشابكاً وتعقيداً في عالمنا المعاصر؛ إذ هي تُعدّ من المنظّمات الملغومة من الداخل بسلسلةٍ من الأنشطة العدائيّة للّوبيات السياسيّة والتجسّسيّة، التي تمتزج ـ بكلّ تأكيد ـ مع سلسلةٍ من الأنشطة الاقتصاديّة المشبوهة.
منظّمة أيباك اليوم هي ذات حضور نافذٍ وقويّ في الساحتين السياسيّة والاقتصاديّة في أمريكا، وهي بهذا الحضور باتت تشبه الأخطبوط الذي يمدّ أذرعته في كلّ اتّجاه ليخنق بها فريسته، وذلك بسبب ما لديها من إمكانات، وبسبب ما صارت تمتلكه من نفوذٍ واسعٍ ومخيف، إلى درجة أنّها اليوم استطاعت أن تجنّد لصالحها أهمّ الشخصيّات والأحزاب السياسيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة.
منظّمة أيباك التي وضعت مهمّة الدفاع عن السياسات العدوانيّة والتوسّعيّة للكيان الصهيونيّ الغاصب هدفاً رئيساً لها، تعمد إلى ممارسة ضغوطاتها الشديدة على القادة والمسؤولين السياسيّين الأمريكيّين، كما تعمل ـ من جهةٍ أُخرى ـ على خداع الرأي العامّ الأمريكيّ، وتحاول أن تقنعهم بأنّ دويلة “إسرائيل” الغاصبة هي المدافع عن مصالح الولايات المتّحدة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، مضافاً إلى كونها هي الدولة الديمقراطيّة الوحيدة في المنطقة، في وسطٍ عربيٍّ مليء بالحكومات والأنظمة الرجعيّة والقمعيّة وغير الديمقراطيّة.
ولعلّنا لا نبالغ أبداً عندما نزعم أنّ الحكومة والإدارة الأمريكيّة هي خاضعة ـ بالكامل ـ لسيطرة ونفوذ منظّمة أيباك!
أيباك التي هي معفاة بشكلٍ تامّ من قانون دفع الضرائب في الولايات المتّحدة الأمريكيّة، تحمّل أعباء موازنتها وميزانيّة إنفاقها تحميلاً على رقاب الشعب الأمريكيّ، ما ضاعف من قدرتها الهائلة على التحكّم بالسياسات الخارجيّة الأمريكيّة، بل والداخليّة، وساعدها على أن تُحكم سيطرتها تماماً على مفاصل القرار الأمريكيّ.
هذه السيطرة تمارسها منظّمة أيباك بكلّ خبثٍ ودهاء، وتعتمد لإحكامها أقبح الوسائل وأرذل الأساليب، وتتوصّل إليها ـ بالدرجة الأُولى ـ من خلال استهداف الساسة والمسؤولين الأمريكيّين، حتّى ليجد هؤلاء الساسة والمسؤولون أنفسهم عاجزين عن كسب التأييد والدعم والاحتضان الشعبيّ والجماهيريّ لهم إلّا بالاعتماد على دعمٍ مباشر وتغطيةٍ من أمثال هذه المنظّمات، والتي ـ بدورها ـ هي المحرّك الأساسيّ لوسائل الإعلام المختلفة، وتستطيع أن تدفع بها في اتّجاه الترويج لدعم هذا السياسيّ أو المسؤول أو عدم دعمه.
وأمّا الساسة والمسؤولون الذين يصرّون على معاندة هذه المنظّمة، ومثيلاتها، والذين هم مغضوب عليهم من قِبَل أمثال هذه المنظّمات، فأولئك تكون خسارتهم حتميّة لا يعتريها شكّ ولا ريب.
وأمّا المرشّحون الذين يقع عليهم الاختيار من قبل منظّمة أيباك من الراغبين في الانضمام إلى المجالس والمحافل السياسيّة الأمريكيّة، فإنّ المنظّمة تقدّم الدعم الماليّ لهم (لجميعهم تقريبا)، وبهذا الشكل، يزيد هؤلاء من فرصهم وحظوظهم في النجاح وتحقيق مقاصدهم والوصول إلى حيث يريدون، ولكنّهم في الوقت نفسه يستفيقون على أنفسهم وقد أصبحوا مدينين للمنظّمة ومرتهنين بالكامل لسياساتها وأغراضها وتوجّهاتها!
تحتوي منظّمة أيباك على حوالي ٥٤ لجنة، وأهمّ هذه اللّجان: لجنة العمل السياسيّ.
وفي كلّ عام، تقيم أيباك اجتماعها السنويّ الذي يشارك فيه الآلاف من الناشطين الصهاينة، ويحضره مسؤولون أمريكيّون، وخلال هذا الاجتماع يتمّ وضع الخطط والآليّات لتنفيذ المشاريع التي تضعها المنظّمة نصب أعينها.
كما تنشط أيباك أيضاً داخل أروقة الجامعات الأمريكيّة، حيث تحرص على أن تمارس نشاطاتها وفعاليّاتها هناك، وبقوّة، من أجل إقناع طلّاب الجامعات بضرورة تقديم الدعم والحماية إلى الكيان الصهيونيّ، ودفعهم للانحياز إلى صفّه في كلّ القضايا والملفّات.
ومن أهمّ البرامج والمشاريع التي تحملها المنظّمة على عاتقها: إيجاد حالة من التقارب بين المسيحيّين واليهود، كتمهيد للهدف الرئيس، وهو إيجاد تيّار جديد، هو تيّار المسيحيّة الصهيونيّة، والذي يُعدّ ـ هذا التيّار ـ حصيلة الجهود التي بذلتها المنظّمة في هذا المجال.
في كتابه: «أيباك، العمليّات السرّيّة والعلنيّة»، يقول البروفيسور جوان كول، وهو أستاذ التاريخ الحديث لمنطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا بجامعة ميتشيغان الأمريكيّة: إنّ معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو أحد المعاهد الفرعيّة التابعة لمنظّمة أيباك يلعب دوراً مؤثّراً وحسّاساً في كثيرٍ من السياسات الأمريكيّة، وإنّ كثيراً من الموظّفين التابعين لوزارة الخارجيّة الأمريكيّة، وكذلك بعض العاملين لدى القوّات المسلّحة، يتمّ إرسالهم إلى هذا المعهد لتعريفهم على المسائل والملفّات المفتوحة في منطقة الشرق الأوسط، مع العلم بأنّ القيّمين على هذا المعهد هم ـ بأسرهم ـ من الأساتذة الإسرائيّين ذوي الخبرة والاختصاص.
وإذ يشير البروفيسور كول إلى خطورة النشاطات والفعاليات التي تقوم بها أيباك، يؤكّد على أنّ: المسألة هي أنّ عدداً قليلاً من الأفراد، وهم المسؤولون عن منظّمة أيباك، هم اليوم من يملون آراءهم على مجلس الكونجرس الأمريكيّ، وفيما يتعلّق بقضايا الشرق الأوسط، تمكّنت أيباك من أن تفرض رقابةً تامّةً وشديدةً على كلا مجلسي الكونجرس، ولهذا السبب، فإنّ أحداً من النوّاب لا يجرؤ على التفوّه علناً بأيّ كلامٍ يمكن أن يُفسّر وكأنّه انتقاد لشيءٍ من سياسات دويلة “إسرائيل”، وفي الموارد النادرة التي يجرؤ نائب من نوّاب الشعب الأمريكيّ على توجيه النقد لانتهاكات “إسرائيل” وارتكاباتها غير المشروعة وغير القانونيّة وغير الإنسانيّة، سرعان ما يُصار إلى طرده ورميه خارج الكونجرس، ويُحذف تماماً من كلّ مراكز السلطة.
يضيف هذا البروفيسور والناقد الأمريكيّ قائلاً: إنّ ٦٠ ألف يهوديّ ممّن يقطنون الولايات المتّحدة الأمريكيّة هم اليوم يمثّلون تلك الدويلة التي يقلّ عدد سكّانها عن ٥ مليون نسمة، وبالنيابة عن هذه الدويلة، هم اليوم يحكمون قبضتهم في إدارة الدولة والجيش في بلدنا أمريكا الذي لا يقلّ عدد السكّان فيه عن ٣٠٠ مليون نسمة، وهذه مسألة في غاية الخطورة، بالنظر إلى أنّ هؤلاء يمكن أن يجرّوا الولايات المتّحدة الأمريكيّة والعالم لخوض حروبٍ دامية، إذا كانت هذه الحروب تصبّ في سياق تأمين مصالح دولة “إسرائيل”، ولا يهمّهم ما يمكن أن تجرّ هذه الحروب من الويلات على الشعب الأمريكيّ أو سائر شعوب العالم.
إنّ منظّمة أيباك، بما توفّر لديها من إمكانات ونفوذ وأدوات، قد وضعت كلّ الساسة والمسؤولين الأمريكيّين في قبضتها، وضيّقت الخناق عليهم للغاية، فهي توجّههم وتحرّكهم كيفما تشاء في سبيل الحفاظ على المصالح الدنيئة والأهداف غير المشروعة التي تتلاءم مع سياسات الكيان الصهيونيّ وانتهاكاته الإجراميّة.
وهذا الذي تقدّم كلّه يدعونا إلى القول: إنّ كثيراً من الحروب العدوانيّة، والانتهاكات الظالمة التي نراها اليوم في المحافل الدوليّة، والتي هي السبب في بروز القضايا والأزمات الدوليّة الشائكة، هو من صنع يد هذه المنظّمة الشيطانيّة التي سلبت وتسلب الإدارة الأمريكيّة قرارها الحرّ، وما لم يستطع الشعب الأمريكيّ، والعالم، أن يحرّر مقدّراته من سلطة ونفوذ هذه المنظّمة ومثيلاتها، فلا أمل ـ على الإطلاق ـ في الوصول إلى حلول شاملة للقضايا والأزمات العالميّة الراهنة، ومن بينها قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط.
وكالة أنباء آسيا – سید مهدي نوراني