أيام «الغضب السعودية»
موقع سلاب نيوز ـ
جمال شعيب:
بندر بن سلطان أعتقل في سوريا في بداية الأحداث، كانت هذه هي المرة الأولى التي أسمع فيها الخبر بشكل رسمي على لسان شخص مطلع وعلى صلة بمواقع أمنية رفيعة في سوريا، لم يكن حديث «الرجل الأمني» في معرض تأكيد حصول الخبر فقط، بل كان يحاول شرح طريقة «السعوديين» في التعبير عن غضبهم حيال أي احراج يتم وضعهم فيه، يقول الرجل أنه وفي حينه لولا تدخل جهات وشخصيات عربية وأجنبية لما أطلق سراح الأمير السعودي الذي تلقى معاملة «ملائمة» عند اعتقاله، مما رفع نسبة الغضب السعودي إلى أقصاه، وتم تلمس ذلك في تفجيرات وعمليات دعم وتمويل للمجموعات المسلحة على نطاق واسع.
السعودية الآن غاضبة، لكن هذه المرة ليس بسبب الإحراج السوري لها باعتقال أحد كبار رجالها الأمنيين، بل بسبب ما اعتبرته صفعة أميركية بالنيابة عن ايران وحلفها المشرقي، صفعة كانت مؤلمة وقاسية لها ولسياساتها في المنطقة، اعتبرتها الرياض بمثابة تخل عنها وعن حلفائها، على الرغم من آنها قامت بكل ما طلبته منها الولايات المتحدة الأميركية، وبالحرف.
التعبير عن الغضب السعودي اتخذ أشكالاً عدة، وإن كان الإعلامي منها أكثر تظهيراً لحدته، فجاءت مقالات الكتاب المحسوبين على الأسرة الحاكمة لتحذر الأمريكيين من أنهم لن يجنوا شيئاً من انفتاحهم على إيران سوى تأكيد انتصار «صقورها» بتراجع الأمريكيين وهزيمتهم.
وفي الوقت الذي اعتبر عبدالرحمن الراشد مدير عام قناة العربية السعودية أن المكالمة بين أوباما وروحاني قد هزت دوائر القرار من الخليج إلى إسرائيل في عملية ربط غير مسبوقة بين المتضررين من الإنفتاح الأميركي على إيران، تحمل الكثير من المعاني والإيحاءات بتلاقي المصالح الخليجية الإسرائيلية، كانت جريدة الحياة اللندنية المقربة من «صانعي القرار السعوديين» تنطق بلسان الغضب «الملكي» السعودي مبررة إلغاء المملكة السعودية لكلمتها أمام الجمعية العامة للأمم بالمتحدة بأنه جاء بسبب «عدم الرضى عن مسار البحث في مجلس الأمن الذي تحول إلى التركيز على مسألة السلاح الكيماوي وجعل المسألة السورية الأساسية كأنها منتج جانبي». ونقلت الحياة عن مصادر أن المملكة «لا تريد أن تكون ضد الإجماع الدولي، لكنها في الوقت نفسه لا تريد التصفيق لما يجري الذي لا يرقى إلى ما كانت تتطلع إليه في مجلس الأمن والأمم المتحدة».
لكن المتابعين لمسار الأمور في المنطقة، يعتبرون أنه ومنذ بداية تظهير «مسار الحل الروسي» وانطلاق مسار «التقارب الإيراني- الأميركي» بدأت عملية الفصل في القراءة بين الموقف السعودي من الولايات المتحدة الأميركية وردة فعلها على فشل مشروعها في سوريا، إذ يؤكد هؤلاء أن السعودية وبعدما فشلت في تحقيق أي إنجاز حقيقي يمكن البناء عليه في أي مفاوضات مقبلة، اعتبرت أن تصديها لإدارة المعركة في سوريا، بدلاً عن قطر وتركيا، كان له بعض حظوظ النجاح لولا الدور الإيراني الثابت في الجهة المقابلة، ولولا تدخل حزب الله ومنعه «أدواتها» من تحقيق أي انتصار يحتسب لهم سعودياً في غرف وطاولات المداولات الدولية.
ولذا بات على «صانعي القرار» فهم طبيعة الرسائل السعودية وتحديد اتجاهاتها قبل البناء عليها أو أخذ موقف منها أو رد فعل عليها.
آخر وسائل التعبير عن الغضب السعودي كان لبنانياً وهو وإن لم يكن موجهاً في الشكل إلى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال سليمان، لكنه كان واضحاً أنه رسالة سعودية عبر البريد اللبناني لمن يعنيهم الأمر، تنبأ بأنها باتت مستعدة للإنقلاب على كل التفاهمات وخرق الخطوط الحمراء على أنواعها، إن استمر تجاهل دورها وإفشال مخططاتها الإقليمية أياً يكن المسبب وأياً تكن الدولة التي تقف في خلفية الصورة.
عراقياً، كان لتصاعد موجة التفجيرات والمفخخات، صدى إقليمي مستنكر عبر عنه أحد الساسة العراقيين قائلاً «السعودية غضبت وتحاول اغضاب الجميع»، وإذ استدرك السياسي العراقي موضحاً أن العراق ليس بوارد التعامل حالياً مع المسألة من باب «النكايات الإقليمية» أكد في المقابل أن هناك أطرافاً أخرى غير العراق قد يكون لها كلام وفعل في هذا الإطار، مستنكراً تحويل العراق إلى صندوق بريد مفخخ إقليمياً، طالباً من الدول ذات العلاقة إعادة دراسة مواقفها كي لا تتطور الأمور الى اتجاهات لا يعود فيها أحد بمنأى عن مخططات «الإرهاب».
أما شامياً، فتؤكد مصادر أمنية مواكبة لعملية «سحق أتباع بندر» في سوريا (كما تصر المصادر على تسميتها)، أن التصرفات السعودية لن تغير ولا تبدل في تصميم جبهة التصدي للمشروع السعودي لبنان وسوريا، وأن عملية تطهير الأراضي السورية من آثارهم ستتواصل مهما بلغ «الغضب والحقد والإرهاب» في تصرفات أتباعهم، وأن على السعوديين طرق الأبواب التي يعرفون ألوانها جيداً، والإبتعاد عن الأساليب الأفغانية في بلادنا، وهم أكثر من يعلم أيضاً أن كرة النار التي اشعلوها في أرضنا لن يكون آخر مطافها فيها، ولا بد ان ترتد على مشعليها، وإذ أصرت المصادر على لفت أنظار من يعنيهم الأمر في السعودية إلى الغوطة ومحيطها طلبت منهم التمعن بالأحداث القادمة فحرارة هذا الصيف لن يطفئها الشتاء القادم، ولن تكون رياحه أخف وطأة عليهم في غوطتنا وجردنا وباديتنا، تختم المصادر.