أيار والخيارات الثلاثة
موقع إنباء الإخباري ـ
جعفر سليم*:
لم يكتب النجاح هذه المرة لمشروع القانون الذي اقترحته لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الاميركي بشأن التعامل مع “الكرد والسنة” كـ “دولتين”، وتقديم المساعدات المالية والعسكرية لهما مباشرة، دون المرور بالحكومة الاتحادية في بغداد ، ما يعني مزيداً من الحروب في مختلف المدن العربية من المحيط الى الخليج.
ولن يمل أصحاب المشروع من إعادة العمل على إقراره لإثبات أهمية وصحة رؤاهم لكي يتم إقراره في جلسات قادمة. وهذه الخطوة لم ولن تكون الأخيرة على طريق تجزئة الدول القائمة الآن إلى دويلات ضعيفة يتوسطها كيان صهيوني قوي أنشىء عام 1948 ليتحكم بها.
إن قراراً كهذا لن يضر السياسة الأميركية الجديدة، فهي تعتمد على قانون صدر العام 1983 تستطيع فيه أميركا تعديل حدود سايكس –بيكو التي رسمت عام 1916 بعد هزيمة الدولة العثمانية بتواطؤ عربي-غربي تحت مسمى الثورة العربية بقيادة الشريف حسين الذي أطلق الطلقة الأولى من بندقيته في 2/7/1916 من مكة المكرمة، وقاد جيشها الأمير فيصل بن الحسين بعد انتخابه من بين ثلاثة أمراء من قبل ضابط المخابرات البريطانية السرية ادوارد توماس لورانس (لورانس العرب) لما رأى فيه من “شجاعة وقوة” حسبما قال في تقريره للقيادة البريطانية في القاهرة.
وقد قال ونستون تشرشل “إن لورانس لن يظهر له مثيل مهما كانت الحاجة ماسة له” .
ترافق مشروع القانون هذا مع أصوات ـ ولو خافتة ـ تدعو لإنشاء أقاليمأو فيدرالية وصولاً إلى نزعة التقسيم المبنية على أسس عرقية أو طائفية، بسبب الأحداث المتسارعة في المنطقة العربية، التي بدون شك تحمل الكثير من عوامل التفكك بفضل السياسة البريطانية التي زرعت بداية القرن الماضي أولاً، والحكام الذين سلطوهم على العباد وتم تعيينهم برتبة ملك وأمير ورئيس ووزير، ومن معهم من حالمين بالسلطة من مفكرين وشخصيات عشائرية وقبائلية، وأمراء، الجديد منها والقديم.
صحيفة غلاسكو هيرالد الاسكتلندية تتحدث في تقرير لها حول شؤون الشرق الاوسط عن خطة بعيدة المدى دبرتها المخابرات الأميركية بالتنسيق مع مراكز الأبحاث الأمنية في وزارة الحرب الاميركية، تهدف إلى “تجزئة المجزأ إلى كيانات عصرية جديدة، وأن البلد الذي سيعاني أكبر قدر من التجزئة هو المملكة السعودية التي ستنقسم إلى عدة دويلات، منها الدويلة الإسلامية المقدسة وتشبه إلى حد بعيد دولة الفاتيكان وتشمل حدودها المواقع الدينية المهمة لمسلمي العالم”.
وهنا للتذكير فقط نشيرإلى قرار تقسيم فلسطين الصادر عن الأمم المتحده عام 1947، والذي لغاية الآن لم ينفذ، ويتحدث عن إدارة دولية للأماكن المقدسة في القدس، ومن غير المستبعد أن يستنسخ القرار بصيغة جديدة.
مجلة القوات المسلحة التابعة للجيش الأميركي “اتلانتيك” كانت أكثر وضوحاً في العام 2008
حيث قامت بنشر خرائط تقسيم العراق ولبنان وسوريا ومصر وشمال أفريقيا. وما قيام دولة جنوب السودان وكون الكيان الصهيوني أول المعترفين بها، وذلك بعد قيام أعمال العنف العرقي والطائفي، إلا من النتائج الأولية للخطة الصهيونية للعالم العربي والإسلامي، وهي تحتاج إلى وقت لتستكمل في السعودية عبر تشجيع النظام على زيادة القمع والإعدامات، وزج كل من يطالب بالحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية والدينية وحرية الرأي بالسجن، كما حصل مؤخراً مع الناشط السعودي رائف بدوي الصادر بحقه حكم قضى بحبسه 10 سنوات وبجلده 1000 جلده لتخويف الآخرين وجعله “عبرة لمن يعتبر”.
من الأمور أيضاً التي تساعد على تفكك المنطقة، وجود القواعد العسكرية الأميركيه في الخليج من خلال تسليح طرف ضد طرف آخر وتأجيج الصراعات الداخلية واللعب على تزكية الطموحات السياسية لكل الأطراف.
هناك ثلاثة خيارات تم تشخيصها لغاية الآن: الأول الاستمرار بسجن النكبة الذي وضع العرب أنفسهم به في شهر أيار من العام 1948 وأحكموا إقفاله في نكسة العام 1967، والثاني السير بالمفاوضات والتسوية والاستسلام للأمر الواقع وتوقيع الاتفاقيات المذل كما فعلوا في كامب ديفيد 1978، وأخيراً دعموا هذا الخيار بالمبادرة العربية في قمة بيروت عام 2002 بمحاولة شطب قضية اللاجئين منها، وهي المحاولة التي أفشلها الرئيس المقاوم إميل لحود. والثالث خيار المقاومة الذي أجبر العدو الصهيوني على عدم تكرار احتلال قطاع غزة والصمود في وجه اعتداءاته، والانسحاب من معظم الأراضي في جنوب لبنان في 25 أيار من العام 2000 ودعم خيار الشعب والجيش والمقاومة والترجمة الفعلية لهذا الخيار كان بالصمود والانتصار في العام 2006.
*عضو اتحاد كتاب وصحافيي فلسطين