«أوبك للغاز»!
صحيفة الوطن السورية-
هديل محي الدين علي:
مع تغير النظام السياسي العالمي وانتقاله تدريجياً نحو نظام متعدد الأقطاب، يرسم هذا النظام ملامح جديدة لقطاع الطاقة العالمي، يتربع فيه الغاز الطبيعي كعنوان أبرز، ولأن الطاقة عماد الاقتصاد الذي يعد أحد أهم معايير تصنيف قوة الدول، بدأت القوى الصاعدة بتشكيل تحالفات طاقوية جديدة لا تخضع لتسلط القطب الواحد، وأبرز هذه الدول هي: روسيا وإيران والصين، خاصة أن هذه الدول المناهضة لليبرالية الغربية تخضع لعقوبات قاسية تمنعها حتى من التعاون مع بعضها، لذلك تسعى الدول الصناعية المستهلكة إلى تعزيز أمن وصول إمداداتها النفطية من أماكن إنتاجها إلى مناطق استهلاكها، وتحاول تقليل اعتمادها على النفط كمصدر رئيسي لتقليل مخاطر انقطاعه.
روسيا التي تخوض الآن صراعاً مصيرياً ضد محاولات الهيمنة الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، عملت على التحضير لمشروع خيالي بين أكبر متنافسين في سوق الغاز، حيث جاء في مقال نشر في صحيفة «فيزغلياد» الروسية أن موسكو لن تشارك فقط في إنشاء مركز الغاز التركي، بل ومركز إيراني أيضاً، الأمر الذي أثار استغراب العالم كله من الناحية الاقتصادية، وذلك لأن إيران ثاني أكبر مالك لاحتياطيات الغاز في العالم بعد روسيا، والغاز الإيراني منافس مباشر للغاز الروسي.
موسكو وطهران تفكران في السيطرة على سوق الغاز العالمي الذي يعد بديلاً واقعياً للنفط في العقود القادمة، وبأقل تقدير تفكران من خلال هذا المركز وعشرات الاتفاقيات، بالاتحاد من أجل زيادة قوتهما وتأثيرهما في سوق الغاز العالمية، وحول ذلك قال الخبير في الجامعة المالية التابعة للحكومة الروسية والصندوق الوطني لأمن الطاقة، إيغور يوشكوف: روسيا وإيران، مع لاعبين آخرين في مجال الغاز، سوف يؤسسون «أوبك للغاز»، لذلك يقولون للعالم الغربي عليكم أن تخافوا وتتفاوضوا معنا الآن قبل حدوث ذلك.
«أوبك الغاز» كمشروع اقتصادي بين أكبر قوتين للغاز في العالم يرعب الغرب، وإذا ما تحقق سوف تسيطر روسيا كقوة عظمى مع شركاء إقليميين أبرزهم إيران وتركيا على سوق الطاقة، وبالتالي تشكيل عامل ضغط اقتصادي في القرار السياسي الدولي الذي يخضع لاعتبارات اقتصادية في ظل أزمة دولية يعاني منها الجميع وخاصة الغرب.
هناك من تحدث عن أثر العقوبات الغربية في المشروع، إلا أن إمكانات الدول الصاعدة قادرة على تخطيها، فموسكو تحوي أكبر احتياطي عالمي للغاز، أما طهران وحسب بيانات شركة النفط الوطنية فإن حجم احتياطياتها من الغاز الطبيعي يبلغ أكثر من 33.7 تريليون متر مكعب، وحجم الاحتياطيات النفطية يصل إلى نحو 157 مليار برميل، فيما استخرجت خلال السنوات الـ23 الماضية تريليوني متر مكعب من الغاز من حقل بارس الجنوبي وحده، على الرغم من أن خطط إيران لتطوير إنتاج الغاز من الحقل الضخم تعرضت للعديد من الضربات خاصة المرحلة الـ11 الرئيسية والتي كانت تحظى باهتمام بالغ من الشركات، إذ تبلغ الطاقة الإنتاجية المستهدفة لهذه المرحلة 57 مليون متر مكعب من الغاز يومياً ما يؤكد قدرة هذه الدول على تخطي العقوبات وخلق مشروع اقتصادي سيشكل رعباً كبيراً للغرب أجمع.