أوباما … والهزيمة المؤجلة
حسن ديب:
بمزيد من الأسى واللوعة، أطل أوباما عبر شاشات التلفزة ليلقي خطاباً حول الضربة المحتملة لسوريا. إطلالة سبقها الكثير من التوقعات والتحليلات والأسئلة التي ترافقت مع الحديث عن نية الإدارة الأمريكية بتوجيه الضربة المزعومة لقصم ظهر النظام السوري.
إطلالة انتظرها العالم أجمع ترقباً لما قد تحمله من تطور على صعيد الأزمة، فالداعمون لضرب سوريا، وعلى رأسهم الجامعة العربية، كانوا في انتظار أن يعلن أوباما في حديثه المتلفز عن ساعة الصفر لبدء الهجوم، وبالتالي الانتقال إلى مرحلة العد العكسي لانهيار النظام السوري والقضاء على نقطة الارتكاز في محور المقاومة.
ومن جهة أخرى كانت الدولة السورية ومن خلفها الدول الداعمة (روسيا، إيران، الصين) كما الحركات المقاومة، بانتظار هذا الخطاب ليثبتوا للعالم أجمع أن أحداً لن يجرؤ على الدخول في الحرب مع سوريا…
وهكذا حدث،
فقد بدا أوباما وكأنه يبحث عن مخرجٍ لكل التهديدات السابقة التي أطلقها والتي توعد بها بالقضاء على النظام السوري تحت شعار الحرب لأجل الإنسانية (وما أبعد الإدارة الأمريكية عن مفهوم الإنسانية) ، فما الذي حصل داخل أروقة المجتمع الدولي، فدفع بأوباما إلى الدخول في هذه الدوامة…
حقاً لقد وجد أوباما نفسه وحيداً …
كانت التوقعات تشير إلى أن الرئيس الأسد سيكون وحيداً في المعركة نتيجة للموقف الروسي (الذي يعتبر بمثابة ضربة معلم) السابق بالوقوف على الحياد، ليتبين أن موقف موسكو هذا إنما أتى لمعرفتها المسبقة باختلاف المصالح لدى دول الناتو من جهة وبالقدرات العسكرية لكل من سوريا، ايران، الحركات المقاومة من جهة أخرى.
وبينما كانت قوى الاعتداء الدولي تتأرجح في مواقفها المرتبطة بالمصالح الاقتصادية فتؤيد الهجمة تارةً وترفضها تارةً أخرى، كان الوضوح سيد الموقف في الجهة المقابلة …
روسيا تعلن أن لا ضربة لسوريا من خارج القرار الدولي، وفي جيبها بطاقة الفيتو وبجانبها الصين والفيتو أيضاً…
إيران تقف الموقف المنتظر، لتعلن ان أي ضربة لسوريا مهما كان حجمها ونتائجها ستؤدي إلى حرب مفتوحة تجعل إسرائيل في دائرة الخطر عسكرياً وأوروبا في دائرة الخطر اقتصادياً، ملوحةً بالإمكانية الدائمة لإقفال مضيق هرمز، أحد أهم البوابات البحرية الاقتصادية في العالم …
كما كان لصمت حزب الله وعدم قيامه بأي تصريح حول الحرب المحتملة… كان لهذا الصمت وقع الصاعقة، بحيث أن إسرائيل تدرك أن المقاومة في انتظار الفرصة المناسبة لتغيير المعادلة محلياً …
لهذا كله لم يكن الرئيس الأسد وحيداً …
فما الذي جعل سيد البيت الأبيض وحيداً؟
إن أهم العوامل التي أدخلت أوباما في مرحلة من الضياع هي اتساع الفجوة بينه وبين الجهاز الأقوى في الإدارة الأمريكية CIA ، والمتابع للوضع الداخلي الأمريكي يمكنه أن يرى بوضوح ابتعاد المخابرات الأمريكية عن مسرح المعركة، وهي التي لطالما كانت العقل المدبر لجميع خطوات البيت الأبيض.
ولعل أسباب هذه الفجوة ناتجة عن النصائح التي تم توجيهها من صقور CIA للرئيس أوباما حول دور كل من بريطانيا وفرنسا في الحرب، وعن محاولاتهم لجر الإدارة الأمريكية إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط تدفع الولايات المتحدة ثمنها في حال الهزيمة، وتجني تلك الدول ثمارها في حال تحقيق الأهداف … ولكن الرئيس أوباما ضرب بتلك النصائح عرض الحائط ، معتمداً على المواقف الأولية لكل من بريطانيا وفرنسا …
ولكن التغيير الطارئ لهذه المواقف كان بمثابة الضربة القاضية:
فبريطانيا أعلنت أنها لن تشارك في أي ضربة على سوريا ( بعد أن اطمئنت بأنها أدخلت أوباما في عنق الزجاجة ) .
وفرنسا تدعم وتشجع بقوة على الحرب حتى وصل بها الأمر للتصريح عن استعدادها لدخول الحرب حتى لو لم تدخلها بريطانيا، وهذا ما جعل أوباما يدرك بأن هذا الحماس الفرنسي إنما يؤكد وجود بنك أهداف مختلف عن ذاك الذي تحضّر له الإدارة الأمريكية، وأصبح أكثر قناعةً بأن لفرنسا نظرةً مختلفة حول الحرب في سوريا وكأنها تقول لأمريكا بأن سوريا لنا وفقاً لاتفاقية سايكس بيكو، وهذا ما دفع بأوباما إلى التريث في اتخاذ قراره الذي بدأ بالتحول إلى سيف ذو حدين.
فالهزيمة المعنوية وقعت بمجرد أن أوباما لم يعلن ساعة الصفر ولم يعلن الحرب، لا بل حوّل قرار الضربة إلى الكونغرس (وهو لا يحتاج إلى تحويل القرار إلى الكونغرس حسب الدستور)… وذلك لكسب الوقت طمعاً بإيجاد المخرج المناسب الذي يحفظ له ماء الوجه… وهذا ما أعطى الرئيس الأسد ومعه المحور المقاوم انتصاراً معنوياً ساحقاً سيؤدي لاحقاً إلى تغيير المعادلة محلياً واقليمياً ودولياً …
فهذه هي المرة الأولى التي تُهزم فيها الإدارة الأمريكية سياسياً قبل الهزيمة العسكرية التي اعتادتها هذه الإدارة من الناحية الاستراتيجية في كل الحروب التي خاضتها…
وهذا ما سيجعل حياة أوباما السياسية على المحك، فهو أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الهزيمة وإما الهزيمة …
فإما أن يرضى بالهزيمة السياسية ويقضي ما تبقى له من فترة ولايته متأملاً بما ذاقه من مرارة الغباء السياسي …
وأما أن يذهب إلى الحرب الموعودة التي تدل كل مؤشراتها إلى ثمن باهظ ستدفعه إدارة أوباما عسكرياً …
إذاً فهي هزيمة مؤجلة بانتظار القرار الأوبامي الذي على أساسه سترسم معالم انتصار سوريا ….