أوباما تلقّى صوَرَ فتحِ أقفال صواريخ إيران
صحيفة الجمهورية اللبنانية ـ
طارق ترشيشي:
كانت أنظار العالم مشدودة إلى سان بطرسبرغ حيث انعقدت «قمّة العشرين» التي نشأت أصلاً لأسباب اقتصادية ومالية، وإذ بها تغرق في أتون الأزمات السياسية. فالاقتصاد في النهاية ليس إلّا السياسة بلغة الأرقام. أمّا أنظار «قمّة العشرين» نفسها، فكانت مشدودة الى الأزمة السورية وإلى التهديدات الاميركية بضربة عسكرية لسوريا، لا بل كانت الانظار مشدودة خصوصا، الى الرئيسين الاميركي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين، وإلى «لغة جسديهما» بعدما اختارا الصمت عشية القمة و«اللقاء البارد» الذي جمعهما.
ظنّ كثيرون انّ هذه القمة قد توجِد مخرجاً يمنع انزلاق سوريا الى الحرب الاميركية، فيما اعتقد آخرون انّها لن تغيّر في قرار اوباما حرفاً واحداً، بل إنه سيحاول من خلالها شرح مبرّرات قراره للدول العشرين الأغنى في العالم.
لكنّ المؤتمرَين الصحافيين اللذين عقدهما، بوتين ثم اوباما، بعد انتهاء القمة، ورافقهما تصريح الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، قد سلّطا الضوء على مسار محتمل لمعالجة الأزمة السورية التي تشبه في طبيعتها أزمة الصواريخ الكوبية عام 1960 والمعروفة بأزمة “خليج الخنازير”.
لقد انتظر اوباما ان ينتهي بوتين المضيف للقمّة، من مؤتمره الصحافي ليقول كلمته التي قد تتضمّن ردّاً على كلام بوتين إذا استوجب الردّ. غير انّ الرئيس الروسي فاجأ الصحافيين، ومعهم العالم كلّه، بحديث اقتصادي من ألِفه الى يائه، وكأنه يريد التذكير بأنّ هذه القمة اقتصادية منذ تأسيسها.
وحين كان يتطرّق الى أمر سياسي فلينبّهَ الى انّ الاضطراب السياسي في أيّ منطقة من العالم سينعكس على الاقتصاد العالمي برُمّته، وكأنه يريد القول لأوباما: “لا تنسَ أنّ أزمة بلادك الاقتصادية والمالية في نهاية العقد الاوّل من هذا القرن، إنّما كانت بسبب تورّط حكومتكم في حروب كلفتها كثيراً من الاموال والرجال”.
وكأنه يقول له ايضا: “نرجو أن لا ترهقوا انفسكم بأعباء حرب جديدة مساحتها تمتدّ من البحر المتوسط الى البحر الاحمر وممرّاته الإستراتيجية، الى الخليج حيث يتجمّع قسم كبير من نفط العالم وثرواته”.
لم يتطرّق بوتين أبداً في كلمته الى الأزمة السورية، وإنما تركها للأسئلة والاجوبة، حيث كان واضحاً أنّه متمسك بموقف بلاده المساعد لسوريا سياسياً وعسكرياً وإنسانياً، ولكن من دون ان ينسف اتفاقاً ضمنياً يبدو أنّه عقده مع اوباما.
ويعزو كثيرون “انضباط” بوتين الشديد الى شعور بأنّه انتصر، وللمرّة الاولى في تاريخ العلاقة الروسية ـ الاميركية على منافسه الاميركي، حيث وقفت غالبية المشاركين في القمة الى جانب الموقف الروسي في تجنّب ضربة عسكرية لسوريا، خصوصاً من خارج الشرعية الدولية.
لقد عرض بوتين بارتياح وانسياب لوقفة الصين ودول “البريكس” الى جانبه، وكذلك لوقفة الاتحاد الاوروبي، ما عدا فرنسا، ووقفة اندونيسيا التي لم ينسَ بوتين انّها الدولة الاسلامية الأكبر في العالم، وأشار الى موقف الامين العام للامم المتحدة بان كي مون وموقف البابا فرنسيس الاوّل، فإذ به الرئيس المؤيَّد بغالبية العالم، فيما اوباما معزول، إلّا من حلفاء اربعة هم: فرنسا التي يخالف رئيسها رأي 65 في المئة من مواطنيه، وتركيا التي يهتزّ رئيس حكومتها تحت وطأة النكسات المتتالية، وآخرها قرار حزب العمّال الكردستاني بتعليق انسحاب مقاتليه من تركيا حسب الاتفاق، بالإضافة الى موقف بعض دول الخليج.
وفي المقابل لم يتحدّث اوباما في مؤتمره الصحافي عن الاقتصاد وتحدّياته، بل لخّص قضايا الكون كلّه بما جرى في غوطة دمشق قبل أسبوعين، وكأنّه يريد ان يبرّر للعالم قراراً اتّخذه مخالفاً به رأي أكثر من 90 في المئة من مواطنيه، بل قرار لم يستطع ان يحوز إلّا غالبية ضئيلة في لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، ويتردّد انّ الصوت المرجّح الذي ناله أوباما جاء بعد توسّله وإدارته بالقول لأعضاء اللجنة: “هل تريدون ان يذهب الرئيس الاميركي الى قمّة العشرين في روسيا وهو مهزوم في بلاده؟ وأيّ اوراق سيستخدمها في مفاوضاته مع “الدب الروسي” المتلهّف للعودة راقصاً في ساحة السياسة العالمية؟”.
ولذلك لم يكن اوباما قوياً في منطقه أمام بوتين وبقية اعضاء القمة، خصوصاً في تهرّبه من نيل موافقة مجلس الامن على ايّ ضربة عسكرية لسوريا. وهنا تقدّم هولاند، آخر حلفاء اوباما في فرنسا وسليل حزب “ديموليه” الذي شارك في العدوان الثلاثي على مصر عام 1959، ليقدّم ما يشبه المخرج الذي يرضي العالم ولا يظهر واشنطن ضعيفة. ماذا قال هولاند؟ قال إنّه “في حال لم يقرّ مجلس الامن الضربة العسكرية، فلا بدّ من تأليف تحالف دولي يوجّه هذه الضربة”.
المتحمّسون للضربة لم يروا في كلام هولاند إلّا فكرة “التحالف”، فيما آخرون رأوا فيه إقراراً ضمنياً بالذهاب الى مجلس الامن قبل شنّ الحرب، على رغم معرفة الجميع أنّ المجلس ليس المكان المناسب لاتخاذ قرار كهذا. فضلاّ عن انّ واشنطن سنة 2013 ليست بالقدرة ذاتها على حشد التحالفات كما كان الامر لها في العراق عام 2003.
فهل العالم امام صيغة يعلن فيها اوباما يوم الثلثاء المقبل رغبته في “استشارة” العالم بعدما استشار الكونغرس قبل ان يذهب الى تنفيذ قراره العسكري؟
العالمون ببواطن الامور يدركون أنّ مشكلة اوباما، ومعه اسرائيل، ليست في الكونغرس، ولا في مجلس الأمن، وإنما في الميدان، خصوصاً بعدما حملت له الاقمار الصناعية صورة فتح أقفال الصواريخ في إيران، ما يذكّر بصواريخ “خروتشيف” في كوبا مقابل صواريخ “كينيدي” آنذاك.
فواشنطن تدرك تماماً أنّها لا يمكنها توجيه ضربة، محسوبة أو محدودة في المكان والزمان، وأنّ ايّ صاروخ تطلقه بوارجها أو طائراتها قد يُشعل المنطقة حرباً قد تتغيّر فيها خرائط وتسودُّ وجوه وتبيَضُّ وجوه.