أهمية العلاقات المصرية – الإيرانية والخشية الاسرائيلية
موقع العهد الإخباري-
إيهاب شوقي:
لا شك أننا لم نكن ننتظر الإعلام الإسرائيلي وانزعاجه وخوفه من تطور العلاقات المصرية – الإيرانية والتقارير التي تشي بقرب حدوث انفراجة بها، كي نحدد أنها تأتي في سياق الضربات للمشروع الصهيوني بالمنطقة، خاصة وأن هذه العلاقات لها أهمية كبرى وأن السعي الدائم لاستمرار قطعها، لهو أمر على صلة مباشرة بجوهر المشروع الأمريكي والصهيوني بالإقليم.
فالقطيعة لها صلة بمشروعين حاكمين في الاستراتيجية الصهيو امريكية، وهما مشروع بيريز للشرق الاوسط الجديد، ومشروع الهيمنة الأوراسي الأمريكي والذي حدد بريجنسكي قوس الأزمات فيه بالمنطقة الممتدة في اقليمنا من مصر ومحيطها الى ايران ومحيطها.
ربما كانت التعليقات الإسرائيلية دقيقة عندما وصفت تطوّر العلاقات بين مصر وإيران بأنّه “تطوّر غير جيد لإسرائيل”. وكان الإعلام الصهيوني أكثر دقة عندما تناول القضية من منظور تفكيك الائتلاف الذي بنته “إسرائيل” مع دولٍ عربية في سبيل محاصرة طهران، سياسياً واقتصادياً. وربما كان هذا المناخ هو السبب المباشر لزيارة الرئيس الصهيوني لأذربيجان كمحاولة لتعويض هذه الجبهة بتنشيط جبهة أخرى معادية لإيران على حدودها، وهو ما ينبغي متابعته جيدا وخاصة مع تزامنه مع التهديدات التي تشهدها ايران على حدودها مع أفغانستان وفي مناطق أخرى تعبث بها أصابع الموساد مثل كردستان.
وهنا ينبغي تناول أهمية العلاقات المصرية الإيرانية وأسباب هذا الانزعاج الصهيوني ولماذا تشكل عودتها ضربة للمشروع الصهيوني وقبله المشروع الأمريكي.
ينبغي رصد أهمية هذه العلاقات على مستويين، أولهما عام، يتعلق بالأهمية العامة لهذه العلاقات، وثانيهما خاص، يتعلق بأهميتها وفقا لوضع الإقليم وطبيعة صراعه ووجود الكيان الصهيوني وساحات وجبهات الصراع معه.
أولًا: في الأهمية العامة للعلاقات، فهي علاقات بين دولتين كبيرتين تشكلان ثقلًا إقليميًا وسكانيًا وعسكريًا كبيرًا، والتعاون بين الدول الكبرى بالإقليم هو مصلحة لشعوب هذه الدول ولشعوب المنطقة عامة حيث يشكل حماية من التهديدات وتعاونًا بنّاء يتخطى حدود هذه الدول ليضم بلادًا أخرى عبر مشروعات كبرى مشتركة يمكنها أن تستعيض عن المشروعات الاستعمارية التي تستغل الشعوب وتنهب مقدراتها.
ثانيًا: في الأهمية الخاصة، فإن مصر من أكبر دول الطوق حول العدو وهي البوابة الرئيسية لغزة ومقاومتها وتاريخ صراعها مع الصهاينة محفور في الذاكرة الصهيونية، وإيران هي أكبر داعم للمقاومة وتأتي على رأس محور المقاومة وهي التهديد الأكبر للعدو باعتراف مراكز دراسات أمنه القومي.
وبالتالي فإن أي درجة من التنسيق بين مصر وإيران هي كابوس صهيوني، وهو كابوس متدرج من أدنى درجات التنسيق والتي تعني فك العزلة والحصار عن المقاومة وصولًا لأعلى درجات التنسيق والتي يتمناها جميع المقاومين بعودة مصر لخيار المقاومة وسحب الاعتراف بالعدو.
وهناك طبيعة خاصة ومفارقات تاريخية تقول إن مصر وايران لم تجتمعا على مشروع مقاوم، فقد كانت العلاقات طبيعية وحميمية عندما كان على رأس البلدين نظام موال للغرب ومفرّط بالمقاومة، وكانت القطيعة عندما يكون أحد النظامين مقاومًا، فقد كانت القطيعة بين النظام الناصري المقاوم ونظام الشاه، ثم انقلبت الآية لتكون بين نظام كامب ديفيد والنظام المقاوم للثورة الاسلامية.
بينما تتواتر التقارير الآن حول التقارب وربما العودة الطبيعية للعلاقات على غير القاعدة التاريخية، وهو ما يحمل دلالات تحولات وتغيرات في التوازنات، وهو نتاج امرين رئيسيين:
1- صمود المقاومة وإفشالها لمشروع “اسرائيل الكبرى” وفرض نفسها رقما وازنًا وهو ما أجبر على التهدئة والتفاهم واليقين بعدم جدوى استعدائها والسير بمسار استبدال العداء للصهاينة بالعداء لايران والسير بمسار تشكيل “الناتو العربي” والمحاور التي تعزل محور المقاومة.
2- الصراع الدولي وتحولاته بخروج روسيا وحملها السلاح لتدشين النظام متعدد الأقطاب وهو ما خلق رعبًا أمريكيًا وتبدلًا في أولوياتها لتتفرغ لإفشال روسيا وهو ما خلق تراجعًا لنفوذها بالإقليم وترك فراغًا يحاول به أتباعها لملمة أوراقهم والتموضع في موضع استراتيجي أكثر أمنًا من وضع العداء المنكشف استراتيجيا بغياب المظلة الأمريكية المنشغلة بجبهات أخرى.
هنا تأتي العلاقات المصرية الايرانية كضربة تفوق أهمية عودة العلاقات السعودية الايرانية بلحاظ الأهمية الخاصة المتعلقة بجبهات الصراع المباشرة مع العدو جغرافيا وتاريخيا. ربما يشكل التقارب السعودي الايراني الما للعدو لانه يفشل مشروع عزلة المقاومة وينهي مشروع الحلف (السني) الذي حاول العدو تسميته بهذا الاسم لتزييف الصراع وعناوينه ولخلق الفتنة.
ولكن عودة العلاقات الايرانية المصرية تشكل ضربة اكبر لانها تحتوي على ما تفشل به العلاقات السعودية الايرانية، بالإضافة إلى تغير في تموضع مصر من محور المقاومة، لا نقول انضماما وتحالفا فهو أمر لم يطرح بعد، ولكن على الاقل حيادا وقطعا للطريق على رغبات الصهاينة وامريكا بأن تكون مصر حليفا للعدو في مواجهة المقاومة.
وبالتالي تشكل عودة العلاقات المصرية الايرانية عدة ضربات متعددة الجبهات لمشروع بيريز بتحالف العرب مع الصهاينة على قاعدة الاقتصاد وعزل المقاومة بدعوى انها تنشر الحرب وتقطع الطريق على رفاه الشعوب، كما تشكل ضربة للاستراتيجية الامريكية التي تعتمد على نظرية بريجنسكي وقوس الازمات الممتد من مصر وشرق افريقيا الى ايران وضرورة جعله مضطربا وغير متحد لأنه يهدد الهيمنة الامريكية.