“أن تهرف أكثر”
موقع الانتقاد الإخباري ـ
محمود ريا:
هذا التعبير الموازي للشعار المعتمد من قبل قناة العربية الفضائية “أن تعرف أكثر”، جاء هذه المرة من حيث لا يتوقع أحد.
ليست صحيفة سورية من أطلقه، ولا وسيلة إعلامية موالية للقيادة السورية في أي مكان من العالم، وإنما من قلب “الحلف” القائم على محاربة سوريا دولة وشعباً ومؤسسات.
في البداية لا بد من التوضيح أن كلمة تهرف ـ بالعربية الفصيحة ـ تعني أن تمدح الشخص بما لا تعرفه عنه، ولكن المقصود في استخدامها اليومي هو أن يقول الشخص ما لا يعرف، أو بتعبير آخر، أن يهذي و”يخرّف” ويطلق الكلام على عواهنه.
إذاً، اتهام قناة العربية بأنها “تهرف” أكثر، بدل أن تعرف أكثر، جاء من صحيفة الوطن القطرية، التي تشارك قناة العربية في الهجوم على سوريا والتحريض عليها واستهدافها بكل أنواع التجني والافتراء والكذب.
وفي هذا الهجوم ما يمكن أن يثير الحيرة، إذ كيف يهاجم حليف حليفاً ويتهمه بالكذب؟ وكيف يشكك بحملته الإعلامية على دولة هو نفسه يقوم بمهاجمتها إعلامياً وسياسياً وأمنياً وعسكرياً وبكل السبل؟
ولا بدّ، قبل شرح المسألة وتبسيطها، من الإشارة إلى أن هجوم صحيفة الوطن القطرية على قناة العربية السعودية، لا يمكن اعتباره هجوماً من وسيلة إعلامية على أخرى، لأن هذا يفترض أن هناك حرية لدى وسائل الإعلام في هذه الدولة أو تلك، وهذا ما يتنافى مع الحد الأدنى من الحقيقة والواقع. وبناء عليه، يمكن اعتبار هجوم الوطن على العربية هجوماً قطرياً كاسحاً على السعودية.
أما بالنسبة للسبب، فهو يعود باختصار إلى أن قناة العربية قامت بنشر “وثائق أمنية مسرّبة” من القيادة السورية، تتضمن “معلومات” عن عمليات دفعت القيادة السورية لارتكابها في أكثر من منطقة من العالم.
ولسوء حظ العربية، فإن مزوّر هذه الوثائق ومطلقها مرّر بين أوراقها ما فيه مسّ بالذات الأميريّة القطرية، وبهيبة الدولة القطرية، عندما ادعت الوثيقة المتعلقة بقطر أن مسؤولاً أمنياً سورياً طلب من السفير السوري في الدوحة أن ينشئ جهازاً تنفيذياً على الأراضي القطرية، وكان أهم إنجازات هذا الجهاز تدبير الحريق الكبير الذي ضرب مجمعاً تجارياً في العاصمة الدوحة وأدى إلى سقوط العديد من الضحايا.
المهم أن صحيفة الوطن القطرية فنّدت كل المعلومات التي وردت في الوثيقة، وبيّنت كذبها بالدليل. فلا الحريق كان حريقاً مفتعلاً، ولا السفير المذكور كان سفيراً حين اندلاع الحريق، ولا السفارة كانت تعمل أصلاً في الوقت الذي قالت فيه الوثيقة إن المراسلة بين السفير ومسؤول الجهاز الأمني قد حصلت.
باختصار، المعلومات ملفّقة من بدايتها إلى نهايتها، والوثيقة ليست وثيقة، وقناة العربية كانت تكذب في كل ما قالته.
لذلك عنونت الصحيفة القطرية مقالها على الأعمدة الثمانية بالتالي: العربية.. أن تكذب أكثر.
وصم قناة العربية بالكذب لم يأتِ فقط من الحليف القطري، وإنما لاقاه وصم آخر من حليف آخر، إنه الحليف التركي هذه المرة.
وثائق العربية المزوّرة أصابت برصاصها العشوائي تركيا، عندما ذكرت أن سوريا أسقطت الطائرة التركية بناءً لأوامر روسية، وأن القيادة السورية أمرت بقتل الطيارين التركيين، بعد أن تم العثور عليهما حيَّين، ومن ثم تم رميهما في البحر، فاستقرت جثتاهما قرب حطام الطائرة في الأعماق!
تركيا استنفرت، ونفت، وأدانت، لأن هذه المعلومات أثارت موجة تساؤلات في الشارع التركي، حول الدور الروسي وحول كيفية رد الحكومة التركية على “قتل” السوريين للطيارين التركيين بعد أسرهما.
صحافي صديق يكتب من تركيا لصحيفة لبنانية ليست موالية لسوريا، (ولا هو من المؤيدين للقيادة السورية) نقل عن صحف تركية أن الوثيقة مزوّرة، مقتبساً قول مصادر عسكرية تركية إن الوثائق غير واقعية وضعيفة وغير ذات صدقية وليست صحيحة، وإلى ما ذلك من الألفاظ المعبّرة عن المعنى نفسه.
ماذا يعني ذلك؟
إنه يعني ببساطة أن قناة العربية تروّج لوثائق مزوّرة وتكذب وتكذب وتكذب وتكذب.. وهذا بشهادة من حلفائها وأصدقائها، قبل غرمائها وأعدائها.
كل هذا يبقى أسهل من الحقيقة المرّة التي لا بد من ذكرها.. وهي حقيقة مفاجئة فعلاً:
القناة التي تريدنا “أن نعرف أكثر” ما زالت تبث المزيد من الوثائق التي تدّعي أن المعارضة السورية استولت عليها.. وما زالت تعرضها دون حياء أو اهتمام بالدلائل الدامغة على كذبها.
بالفعل.. لقد صدق القطريون ولو لمرة: العربية.. أن تهرف أكثر.
محمود ريا