أن تعود أو لا تعود
موقع إنباء الإخباري ـ
نور الهدى صالح:
احمل هويّتك، علّها تعرّف عنك بين الموتى. وَضّب ذكرياتك قبل الخروج، فلا شيء يضمن لك العودة. إن عدتَ فلأنّ موتاً ضلّ الطريق إليك. وإنّ متَّ فهنيئاً لك الشهادة.
كلّما هممت بالخروج، ظننت أنّه الوداع الأخير، فيفاجئك القدر. تُفضّل السير في الأزقة، تقنع نفسك أنّ الانفجار مستبعد في تلك الأماكن. تصادف أكثر من حاجز في الشارع الواحد، فتعود بك الذكرى إلى ال75. مسلّحون، تفتيش، حواجز وأمن، وكأنّك تشهد حرباً أهليّة. هالة من عدم الاستقرار تحيط بك، ذلك أنّك واحد من سكّان الضاحية الجنوبيّة.
الفاشلون في مدارس الحرية باتوا أساتذتها في ظلّ التستّر على الظالم والنقمة على المظلوم. الأبرياء هم المستهدفون، باتوا جزءا من المعادلة، ورقماً “لفش الخلق” عند أية هزيمة تطال التكفيرين في معارك الجوار. الصبر وحده كفيل أبناء الضاحية، والصمود بات غاية بوجه كلّ الأعمال الإرهابيّة.
كلما أردت الخروج في موعد، فكّرت في المصير الّذي ينتظرك، ستعود أو لن تعود. وإن لم تعد ترجو وداعاً صامتاً دون ألم.
تحاول ربط الأمور في ذهنك، فتلاحظ أنّ “ترم” الانفجارات الّتي استهدفت جمهور المقاومة في بيروت والضاحية، كالتالي:
نهار الثلاثاء: انفجار وقع في موقف السيّارات قرب مركز التعاون الاسلامي – بئر العبد.
نهار الخميس: انفجار رويس قرب محفوظ ستورز.
نهار الثلاثاء: انفجار قرب السفارة الايرانيّة – بئر حسن.
نهار الخميس: انفجار في حارة حريك (الشارع العريض) قرب مطعم الجواد.
نهار الثلاثاء: انفجار في حارة حريك (الشارع العريض) قرب مكتبة القدس.
الاستهدافات الأربعة للطرف المؤيد، جمهوراً كان أم دولة، لتدخل حزب اللّه في سوريا، يضعك أمام تساؤل عن سبب هذا التنسيق الزمني. فليس مستبعداً عن بعض الخلايا التكفيريّة أن تتبع تسلسلاً محدداً في عملياتها الارهابيّة.
ففي العمل الاجرامي يُدعى كلّ من يقف وراء هكذا تسلسل “بالمجرم المتسلسل” الّذي يهدف إلى إيصال الرسالة نفسها رغم اختلاف الأسلوب (انتحاري، سيارة مفخخة) أو المكان الّذي يستهدفه. لكن أيمكن لمثل هؤلاء المتطرفين، أن يتبعوا تنظيما معيناً في حركتهم الإجراميّة وهم غير قادرين على تنظيم أنفسهم أولّاً. وإن سنحت لهم الفرصة بإدخال عشرات الكيلوغرامات من المتفجرات إلى الضاحية الجنوبيّة والقيام بعمليّة ارهابيّة، هل سيقف ذلك عند “أي يوم هذا”. من الطبيعي لا، لأنّ عليهم اغتنام الفرصة في تهريب المتفجرات دون أن تُكتشف من قبل أمن الضاحية في عمليات التفتيش المتكررة، والقيام بالمهام قبل أن “تخرب الطبخة”.
ترى أنّ هذا الاستنتاج ليس صحيحا بالكامل، لكنّك لا زلت تأخذ بعين الاعتبار خطورة هذا الترابط. تعتبر أن مشواراً نهار السبت أو الأحد كفيل بأن يشعرك بالارتياح عند الخروج، كون الجميع في إجازة آخر الأسبوع حتّى ذاك الارهابيّ. تسخر من أفكارك الّتي ولّدها الواقع المرير الّذي تعيشه، وتتساءل عن مصيرك في الخميس القادم.
قد يكون الأكثر استحباباً تفجير نهار الثلاثاء أو الخميس، والأقل استحباباً تفجير في غير يوم. فما عليك إلاّ أن تخفف من التجوال هذين النهارين، كي لا يواعدك الموت في حين ينشغل غيرك في مواعدة من نوع آخر.