أنقرة تحتل أرضاً سورية جديدة: ضرب لـ «الإدارة الذاتية».. وابتعاد عن «داعش»؟
صحيفة السفير اللبنانية ـ
محمد بلوط:
موطئ قدم تركي داخل الأراضي السورية، واحتلال بحجة استرداد «رفات جد عثمان».
قرية أشمة السورية، التي تحاذي عين العرب (كوباني) من جنوبها الغربي، وتبعد أقل من كيلومترين عن خط الحدود السورية ـــ التركية، محتلة رسمياً من الحامية التركية. علم الاحتلال التركي يرفرف على موقع ينتظر عودة رفات سليمان شاه، جد عثمان مؤسس السلالة الإمبراطورية العثمانية.
الغزوة التركية، حشدت رسمياً جيشاً من 40 دبابة وعشرات المدرعات والعربات و572 جندياً، من أجل استخلاص حراس سليمان شاه الأربعين من حصار تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـــ «داعش» لهم منذ 11 شهراً، وتدمير مباني الضريح التاريخي، «كي لا يسيء أحد إليها» على ما قاله رئيس الوزراء التركي احمد داود اوغلو، في منطقة يبسط «داعش» سيطرة كاملة عليها.
لكن الخروج برفات «جد عثمان» من قره قوزاق البعيدة نحو 30 كيلومتراً، للعودة به إلى ضواحي عين العرب القريبة من تجمع الدبابات التركية، يعلن أن العملية التركية تستمر وفق أجندة تستهدف الأكراد و «داعش» وسوريا.
ويظهر توقيت وصول دبابات الجيش التركي إلى قره قوزاق أولاً، لكن بعد 11 شهراً من الحصار، أن لا خطر مباشراً من «داعش» على الضريح العثماني، وأن الأتراك لم يأخذوا على محمل الجد إنذاراً «داعشياً»، في آذار الماضي، بإخلاء الضريح، من دون أن يقدم «جنود» أبي بكر البغدادي، على تسوية الضريح بالأرض، أسوة بما فعلوه ببقية المقامات والأضرحة والكنائس في الرقة أو الموصل وغيرهما.
بل إن المفاوضات مع الأكراد و «وحدات حماية الشعب»، ومع «داعش»، بدأت قبل أسبوع على الأقل، للتنسيق بين جميع القوى المتقاتلة، وتأمين ممر آمن، وتفادي الاصطدام بالقوة التركية الغازية. ذلك أن الأتراك لم يعملوا وفق نص الاتفاقية الحدودية التي فرضها الانتداب الفرنسي على سوريا في العام 1921، ولا بالإجراءات المتبعة في عمليات تبديل طاقم الحراسة.
كما أن السطرين من الاتفاقية، اللذين ينظمان وجود الحراسة التركية، لا يأتيان على ذكر أي سيادة تركية على أرض الضريح، بل على ملكيته والمباني الملحقة به. إذ تقول الفقرة التاسعة من الاتفاقية الحدودية، التي وقعها فرانكلين بييون عن الانتداب الفرنسي ويوسف كمال بيك وزير خارجية مصطفى اتاتورك في العشرين من تشرين الاول العام 1921، ان «قبر سليمان شاه، جد السلطان عثمان مؤسس السلالة العثمانية، القبر المعروف بالمزار التركي، الكائن في قلعة جعبر، يبقى مع ملحقاته، ملكاً لتركيا، ويمكنها أن تبقي على حراس وترفع علماً تركياً».
اختار الأتراك، على ما قاله داود اوغلو، استمرار استخدام «رفات جد عثمان» كمسمار جحا في سوريا. إذ بدلا من استعادة الرفات التاريخي نهائياً، ودفنه في تركيا، قرر الأتراك الاستحواذ على موقع في اشمة الكردية السورية، في منطقة الإدارة الذاتية، لإعادة دفن الرفات.
ويدل الاختيار على وضع الجيش التركي قاعدة انطلاق احتياطية لعملياته، يمكن استخدامها لتهديد أي مشروع كردي، يذهب مستقبلا أبعد من الإدارة الذاتية، والبقاء على مشارف عين العرب، ومراقبة تحركات الأكراد من الداخل، بعد تأمين طرق للإمداد، داخل الأراضي السورية، تعبر من كوباني نفسها، للتوسع في المنطقة بأسرها. وجلي أن الأتراك لم يتحركوا بهذا الاتجاه إلا بعد فشل «داعش» في تحطيم منطقة الإدارة الذاتية وهزيمة «وحدات حماية الشعب». ويكتفي الأكراد حالياً بدراسة الأوضاع، والقول «إننا نحترم الاتفاقات الدولية التي وقعتها سوريا مع دول الجوار».
كما يؤشر استخلاص الأتراك لرفات جدهم العثماني، من ضريحه المحاصر، إلى توقعات بتباعد محتمل مع «داعش»، يستدعي الذهاب إليه إخراج الجنود الأتراك من منطقة يسيطر عليها «الدولة الإسلامية»، وتفادي مواجهة غير متناسبة مع «جنود» البغدادي. فبعد توقيع الاتفاقية التركية ـــ الأميركية لتدريب مسلحين «معتدلين» من المعارضة السورية، بإشراف أميركي في تركيا، سيكون صعباً على الأتراك مواصلة سياسة دعم «داعش» في الشمال السوري، فيما تعمل مع حليفها الأميركي على بناء قوة مسلحة، مهمتها المعلنة، من بين مهمات أخرى، محاربة «داعش» والإرهاب. كما أن مقاومة الأتراك للضغوط الأميركية والأوروبية تتراجع مع انفلات «الدولة الإسلامية» من أي سيطرة تركية أو غيرها، وتهديد آلاف المقاتلين الأجانب أمن الاتحاد الأوروبي، وإطلاق نفير الحرب على الإرهاب العائد من «داعش» سوريا إلى أوروبا، عبر تركيا.
أما التوقيت للعملية، فالأرجح أن يكون رسالة إضافية من الأتراك، للوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي يصل خلال الساعات المقبلة إلى دمشق، للبحث بآليات تنفيذ تجميد القتال في جزء من حلب. إذ سيكون صعبا ومعقدا طرح أي خطة لتجميد أي قتال بعدما حولت الغزوة التركية، جزءاً من الريف الحلبي الشمالي، إلى ساحة مفتوحة لمواجهة إقليمية، تتطلب أكثر من خطة تجميد قتال، أو تسويات مع جماعات محلية مسلحة. إذ لم يقيّض لدي ميستورا أن يجد من يستقبله في اسطنبول، كما أن مشروعه الذي يستند إلى تنفيذ القرارين 2170 و2178، بتجفيف منابع الإرهاب، وإغلاق المعابر إلى سوريا، يستهدف تركيا قبل كل شيء، التي تمول وتدعم الجماعات «الجهادية» المسلحة، وتمنحها المعابر نحو الأراضي السورية، والقواعد الخلفية في أراضيها.