أميركا وسيناريوهات الإقصاء
صحيفة الوفاق الإيرانية-
رانيا قاسمي:
لم تكن قرارات دونالد ترامب الرئيس الاميركي السابق هوجاء انتهت برحيله، وانما كانت بداية لاستراتيجية اميركية جديدة لانقاذ نظام “القطب الواحد” وما يوفره لها من مصالح اقتصادية عظيمة، والدليل هو ما يتخذه جو بايدن من قرارات، وخاصة فيما يتعلق بسياسة أقصاء المنافسين.
ولذلك تجد واشنطن تواصل الضغط على روسيا والصين، وخاصة روسيا حاليا من خلال افتعال الازمات معها وما يتبعه من فرض عقوبات عليها لمختلف الاسباب؛ تارة بسبب الاتهامات بالتدخل في السياسات الاميركية، وتارة بتهمة تصفية احد معارضيها في بريطانيا، وتارة اخرى بسبب قمع المعارضة في الداخل والتدخل في اوكرانيا.
الا ان تلك المحاولات لم تحقق هدف اميركا المنشود بتحجيمها، حيث تواصل روسيا البحث عن دور لها في منطقة غرب آسيا المعروفة باسم “الشرق الاوسط” من خلال سوريا، وتطرح نفسها كوسيط ولاعب في اهم القضايا التي يشهدها العالم لا سيما قضية البرنامج النووي الايراني، كما انها تعد مصدر مهم للطاقة بالنسبة لاوروبا وغيرها من دول العالم.
ولذلك بدأت الولايات المتحدة بتنفيذ الخطة “B” لاقصاء روسيا، وربما تفتيتها كما فعلت مع الاتحاد السوفيتي، وكان سيناريو “الغزو المحتمل لأوكرانيا” هو المَنفذ لذلك. فالغرب يحاول عبر توسعه من خلال الناتو شرقا والاقتراب من الحدود الروسية وتوجيه الاسلحة وقريبا الجنود الى اوكرانيا، اثارة حفيظة روسيا، ويمكن القول، تحريضها على التدخل عسكريا في اوكرانيا، لتقع في مصيدة الرد والعقوبات.
ويجب الا ننسى ان الغرب رغم كل ما يقوله عن دعمه لاوكرانيا وحمايته لها، لا يعني انه سيضمها لحلف شمال الاطلسي “ناتو” او للاتحاد الاوروبي، اولا لانها دولة غير كاملة السيادة بسبب انفصال شبه جزيرة القرم ووجود الانفصاليين في الشرق، بالاضافة الى تصريحات نائبة وزير الخارجية الاميركية ويندي شيرمان حول ان كييف لم تحقق المستوى المطلوب للحصول على “خطة عمل” من أجل العضوية في الحلف.
بالعودة الى روسيا، السؤال هنا ما الذي سيستفيده الغرب او بالاحرى اميركا من تورط موسكو في حرب جديدة؟ الاجابة تكمن في المصالح الاقتصادية التي يمكن ان يحققها، خاصة مع ما يشهده العالم وخاصة الغربي منه من ازمة قد تتحول الى “كساد عظيم” آخر، كالذي انطلق من الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي. ولذلك تهدد اميركا وحلفائها اوروبا وكندا بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا والتهديد باخراجها من نظام سويفت المالي العالمي وأيضا قطع امدادات الطاقة الروسية الى اوروبا ووقف خط غاز “السيل الشمالي 2”.
فاميركا التي بدأت منذ عهد ترامب في اعادة كتابة الاتفاقيات الاقتصادية من الحلفاء قبل الشركاء بما ينفع مصالحها، واستمرت في فترة بايدن بسرقة الصفقات الكبيرة كما حدث في صفقة الغواصات الفرنسية لاستراليا ومحاولات الحلول محل فرنسا في صفقة الاسلحة لليونان، حاولت ان تسرق سوق الطاقة الاوروبي من روسيا، ولكن لعدم توفر ميزة تنافسية للغاز الطبيعي الاميركي لجأت الولايات المتحدة لمنافسة غير شريفة من خلال اخراج روسيا بالقوة من هذا المجال عن طريقة سلاحها المعهود “العقوبات” لاتاحة الفرصة لنفسها لتدخله في المستقبل. كما انها بفتح ساحات حروب جديدة ستزيد من مبيعاتها للاسلحة، هذا بالاضافة الى التخلص من الدور السياسي لروسيا في قضايا العالم الحساسة.
ولكن احتمالات تحول المشهد من عملية محدودة بين الغرب وروسيا في اوكرانيا الى حرب واسعة، وارتدادات تداعياتها على النظام المالي العالمي، هي التي ستحدد الخطوات القادمة للغرب.