أميركا… الحرب بالطرق على الأبواب
صحيفة السفير اللبنانية ـ
حبيب فياض:
ليس الحدث، في أزمة العدوان على سوريا، موافقة دمشق على المبادرة الروسية، بل القبول الأميركي بها والتراجع عن خيار الحرب. فاستعداد سوريا للمواجهة في حال فـُرضت الحرب عليها لا يتعارض مع قبولها للمبادرة التي تجنبها مواجهة لم تسع يوما اليها. بينما، قبول واشنطن بهذه المبادرة يتعارض مع اجراءاتها المعهودة وطريقتها الحربية التي طالما لجأت إليها في التعامل مع الخصوم. والنتيجة في ذلك، انجلاء غبار الأزمة الكيميائية عن أميركا مترددة. فأميركا التي لم تضرب سوريا غير أميركا التي تتربع على عرش العالم، بينما تخلي سوريا عن سلاحها الكيميائي لن يضعنا أمام سوريا مختلفة عن تلك التي نعرفها.
يحلو للبعض إحالة الضعف في الموقف الأميركي إلى اوباما نفسه لا الى الولايات المتحدة، لكن واقع الحال ينبئ أن ضعف أميركا وقوة خصومها قد وضعا اوباما في موقف أكثر ضعفاً.
فالخيار الأميركي بالذهاب الى الحرب على سوريا لم يكن محسوبا بدقة منذ البداية. فجأة، وجدت واشنطن نفسها قد تجاوزت منتصف الطريق الى الحرب التي لا تريدها. بدا الموقف الأميركي مربكاً وليس على طريقة الدول العظمى في إدارة الازمات. التردد ظل السمة الغالبة على إدارة أوباما حتى اللحظة الأخيرة. جاءت المبادرة الروسية لإخراج هذه الإدارة من المراوحة بين خياري التراجع الى الفضيحة والتقدم نحو الكارثة. المبادرة هذه، لم تكن لسحب ذريعة العدوان بمقدار ما كانت ذريعة لعدم العدوان. وفي ذلك كله كانت موسكو الرابح الاكبر. فهي تحولت بالفعل الى شريك مزاحم للولايات المتحدة بالقرار الدولي. وكشفت عن مهارة في التحكم بمسار الأزمة. فضلا عن نجاح في تجنيب حليفها السوري لعدوان هي أيضا لا تريده.
كان الرئيس أوباما، قد رسم أكثر من خط أحمر أمام استخدام دمشق للأسلحة الكيميائية. هذه الاسلحة استخدمت في سوريا، من قبل، في ظل تغاضٍ أميركي عن الفاعلين. ثم ظهرت مجزرة الغوطة الكيميائية مؤخراً التي تسببت ـ كما قيل – بمقتل المئات. باتت واشنطن، والحال هذه، مطالبة باتخاذ موقف اجرائي، حيث ذهبت الى اتهام النظام دون حلفائها من المعارضة والجماعات المسلحة. الإدارة الأميركية قدمت ادلة هزيلة واستعدت للخيار العسكري، وهي تتصور ان حلفاء دمشق سيغضّون الطرف، خاصة اذا ما كانت قوة الضربة محدودة. الرد جاء من حلفاء دمشق بأن العدوان لن يمر من دون رد، وبأن المنطقة بأسرها مرشحة للانفجار.
لم تتمكن واشنطن من القفز فوق توازنات مخيفة: ايران مقابل أميركا في الخليج والمنطقة. روسيا داعم جدي وظهير فعلي لسوريا. جيش سوري مدعوم ميدانيا من حلفاء يؤازرونه ولا أحد يستطيع التكهن بخياراته وما لديه من مفاجآت. والاخطر من ذلك أن إسرائيل ستكون في قلب المعمعة، في مواجهة يتحضر لها حزب الله منذ ست سنوات. هي مواجهة ما كان الحزب ليخوضها هذه المرة على خلفية الدفاع عن النفس، بل ضمن خطة مسبقة لوضع إسرائيل على سكة الزوال. تهيب الرئيس الأميركي من استكمال الطريق. لكن، خطابه ظل تصعيديا ليغطي الضعف الذي يعتريه. وهو في ذلك يريد الجمع بين الخروج من حال الضعف، وعدم الذهاب الى الحرب. لبلوغ المطلوب، بادر اوباما، داخلياً، إلى رمي الكرة في ملعب الكونغرس، وهو يعلم ان التصويت سيكون وفق ميوله، أي عدم منحه الإذن بالحرب. وخارجيا، تلـَقـَفَ المبادرة الروسية كورقة تستر عورة الضعف التي وسمت الموقف الأميركي برمته.
طرقت الإدارة الأميركية أبواب الحرب على سوريا فبقيت مقفلة بوجهها. هي المرة الأولى التي يذهب فيها طرف بحجم أميركا الى الحرب، بالطرق على الأبواب وليس بخلعها.