أمريكا تحت سيطرة إسرائيل والعرب الخاسر الأكبر !؟
أمريكا تحت سيطرة إسرائيل … والعرب الخاسر الأكبر !؟لم يعد سراً الحديث عن علاقة الولايات المتحدة الأميركية غير الطبيعية بإسرائيل، وبات القاصي قبل الداني يتحدث عن خدمات تبادلية بين الكيان المصطنع وبين من صنعوه وفرضوه على الفلسطينيين والعرب والمنظمة الدولية والعالم أجمع.
وإذا كان المحللون والمتابعون قد خلصوا إلى نتيجة مفادها أن هذا الكيان يفرض سياساته ورؤاه واستراتيجياته منذ عدة عقود على صانع القرار الأميركي عبر مراكز النفوذ واللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة وذراعها الأقوى الايباك، فإن هؤلاء أنفسهم عادوا اليوم إلى الحقيقة الثابتة والبديهية الواضحة التي تقول بأن الكيان الإسرائيلي العنصري هو مجرد مخفر متقدم للامبريالية العالمية في المنطقة ليحافظ على مصالحها ويحمي شركاتها وقواعدها المتقدمة.
وأياً كانت النتيجة سواء أن تفرض إسرائيل رؤيتها على أميركا أو أن تقوم هذه الأخيرة بتجنيد الصهاينة لخدمة أهدافها واستراتيجيتها، فإن الثابت أن هذا السرطان الغربي عمل عمله في الفتك بالجسد العربي وتأخير نهوضه لعقود من الزمن إن لم نقل لقرون كاملة.
فالكيان العنصري الذي اعتمد استراتيجية الاحتلال المباشر للأراضي العربية في فلسطين والجولان ولبنان وسيناء وتشريد أرضها وممارسة الإرهاب بحق من بقوا عليها، فإنه اليوم انتقل إلى مراحل أكثر خطورة عنوانها نشر الفوضى والارهاب والتخلف في طول الوطن العربي وعرضه.
ومن يقرأ الأحداث المأساوية التي يشهدها الوطن العربي اليوم يدرك أن ما جرى ويجري للسودان وسورية ومصر وليبيا وتونس واليمن والصومال والجزائر والعراق ولبنان، والحبل على الجرار لبقية الدول العربية، يدرك كم هي خطيرة هذه النقلة في طبيعة الاستعمار الصهيوني المدعوم غربياً سواء أكان بضغط صهيوني أم برغبة غربية لتشغيل هذا الكيان العنصري فهل يدرك أبناء المنطقة حقيقة ما يجري حولهم؟!
فإسرائيل تشكل حلقة ثابتة في الموقف الأمريكي من قضايا السياسة الخارجية، وهذا ينطبق على السياسات المتبعة إزاء دول وأحزاب وقضايا دولية، وباستثناء المصالح الاقتصادية مثل مصادر الطاقة والأسواق والصراع على مناطق النفوذ في روسيا والصين وغيرها من الدول الصاعدة، لا نجد سوى ”إسرائيل” محركاً للسياسات والقرارات الأمريكية. وفي كثير من الأحيان تتكلف الولايات المتحدة أثماناً باهظة من دماء مواطنيها وأبنائها وخزينتها وسمعتها ومكانتها في العالم من أجل إسرائيل، بحيث تبقى إسرائيل دائماً هي ”الرابح الأول” في السياسات الأمريكية، أما تنافس الحزبين فلا يخرج عن سياق القضايا الداخلية المختلفة اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية وأغلبها اجتماعي. وفي جميع الحالات الداخلية تبقى إسرائيل هي الأساس والمنطلق، ويلعب الصوت الصهيوني دوراً فاعلاً ومؤثراً إلى أبعد الحدود في هذه الحالات جميعاً.
من جهة فالوقائع في منتهى الوضوح لمن يريد رؤيتها على حقيقتها دون تزويق ودون رتوش، من جهة أخرى فإن بعض الحقائق من المفترض أن تصل إلى حدود اليقينيات العقلية والذهنية، فهي أصبحت بمثابة القوانين غير المكتوبة ومنها أن الإدارات الأميركية المختلفة لكافة الرؤساء الأميركيين هي بمثابة الواجهات (ليس إلا) لصاحب الحكم الفعلي في أميركا وهو المجمع الصناعي العسكري بالتحالف مع رأس المال المالي على صعيد السياسات الخارجية ومنها العلاقة مع إسرائيل. لذلك نرى أن كل إدارة أميركية في عهد مطلق رئيس تطمح الوصول إلى مركز ”الأشد إخلاصاً لإسرائيل”. من جانبه يحاول كل رئيس أميركي الوصول إلى هذه الصفة. لذا فإن محللينا يصفون كل إدارة أميركية لأي رئيس جديد (بأنها الأخلص لإسرائيل)! في الحقيقة أن كافة الإدارات الأميركية تُعتبر (الأكثر إخلاصاً لإسرائيل).
الولايات المتحدة تعلن ـ في مناسبة وبغير مناسبة ـ أنها إلى جانب الاحتلال الصهيوني، وأنها مع الاستيطان والتوسع، وكذلك مع الاستئصال الكامل لجذور الفلسطينيين. وهي هنا لا تجد نفسها تخالف القوانين الدولية، أو تعتدي على حقوق الشعوب صاحبة الحق في الأرض. وما يدفع الولايات المتحدة لفعل هذا، هو قوتها الغاشمة، ومصالحها في الشرق الأوسط. وهذا ما دفع القادة الإسرائيليين لأن يتباهوا بقوة اللوبي الصهيوني في صياغة وتشكيل سياسة الولايات المتحدة، حيث سمحت لهم الإدارات الأمريكية المتعاقبة بارتكاب المجازر والاغتيالات وهدم البيوت والعقوبات الجماعية وممارسات الإبادة الأخرى التي تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين، حتى إن رئيس وزراء الكيان الصهيوني السابق ”أرييل شارون” تباهى مرة بتأثيره في الرئيس الأمريكي جورج بوش قائلاً: ”إن الولايات المتحدة تحت سيطرتنا”.
الديمقراطية الأمريكية تسمح ببساطة للكيان الصهيوني بمشاريع الإبادة الممنهجة، وهي ـ أي الولايات المتحدة ـ جاهزة بشكل دائم لرفع الفيتوهات في وجه أي إدانة للكيان الصهيوني الغاصب. ويعلن سادة العالم (الحر) في الولايات المتحدة أن (إسرائيل) خط أحمر.
يقول جيمس بتراس في كتابه السالف الذكر: ”إن طغيان (إسرائيل) على الولايات المتحدة له نتائج خطيرة على السلم والحرب في العالم، وعلى استقرار وعدم استقرار الاقتصاد العالمي وعلى مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة. وقد أدت مطالبات اللوبي مباشرة إلى قيام الولايات المتحدة بدعم حروب (إسرائيل) العدوانية ضد الدول العربية في الأعوام 1967 و1973 و1982، وحرب الولايات المتحدة ضد العراق في 2003، ودعم الغزو الإسرائيلي على لبنان وغزة في 2006، والتهديدات العسكرية المستمرة ضد إيران وسورية من 2001 حتى 2006، وليس من المستغرب أن الأغلبية الواضحة من الأوروبيين ترى أن إسرائيل هي أعظم خطر يهدد السلم العالمي”.
وللأسف، مازال الرؤساء والملوك العرب الذين يعتبرون الولايات المتحدة دولة حليفة أو صديقة تحافظ على صلاتها ودعمها لهم، يرتكبون خطأً كبيراً ثبتت مخاطره منذ بداية القرن الماضي حتى الآن أي منذ (الشريف حسين) والحرب العالمية الأولى والدور البريطاني ـ الفرنسي في تجزئة واقتسام الوطن العربي. ومن لا يريد الاقتناع بهذه الحقيقة فلينظر إلى الدور الإسرائيلي الذي تستند الاستراتيجية الأميركية إليه ولقواعدها العسكرية في المنطقة.
وحول هذا الموضوع يعترف المحلل الإسرائيلي ”لازار بيرمان” في تحليل نشره في الموقع الإلكتروني (ذي تايمز أوف إسرائيل) أن السياسة الإسرائيلية تريد من الولايات المتحدة إنجاز تقسيم وتجزئة دول كثيرة عن طريق إنشاء دول ودويلات على أساس طائفي أو إثني وخصوصاً في العراق وإيران وتركيا وسورية ومصر، ويرى ”بيرمان” أن واشنطن قد لا تتشجع لفرض هذه السياسة في تركيا لكن التطورات المتلاحقة وظهور لاعبين صغار جدد في هذه الدول وتعزيز قدراتهم سيحمل معه النجاح لمشروع من هذا القبيل.
ويستشهد محللون إسرائيليون آخرون بحالة (الفوضى) غير المسبوقة في تاريخ دول كثيرة في المنطقة من مصر إلى سورية إلى العراق إلى اليمن إلى لبنان إلى ليبيا وتونس ويعتبرونها الفرصة غير المسبوقة أيضاً لإعادة تشكيل الكيانات السياسية بطريقة أكثر تجزئة من أي مرحلة تاريخية ماضية. ولا أحد يشك أن إسرائيل وحدها وبقدراتها وحدودها الحالية لا يمكن أن تتولى إدارة أو تنفيذ مشروع كهذا إلا إذا ما وضعت خطته وأدارته الولايات المتحدة الأميركية.
ففي دراسة أعدها أحد الخبراء الإسرائيليين ”رالي أهاروني” جاء أن مصر يمكن تقسيمها إلى أربع دول، واحدة منها في سيناء وأخرى مستقلة قرب قناة السويس والجهة الأخرى وثالثة تمتد حتى الصحراء على حدود ليبيا، ورابعة في الشمال، واعتمد ”أهاروني” في دراسته على مبدأ جيوسياسي يوفر لإسرائيل تحالفاً مع (دويلة سيناء) ودويلة (منطقة قناة السويس) لأنهما ستشكلان حاجزاً جغرافياً وبشرياً ومائياً تستند إليه إسرائيل في حماية مشروعها الصهيوني.
فالملاحظ منذ عام 2010 وبداية الثورة الشعبية في تونس وفي مصر وفي اليمن وهي دول صديقة وحليفة للولايات المتحدة في عهود رؤسائها ”مبارك”، و”بن علي”، و”علي عبد الله صالح” أن التطورات فيها ما تزال لم تفرز نتائجها المطلوبة من الشعب صاحب المبادرة في التعبير والإصلاح.
ومن الواضح أن التدخل والسيطرة الأميركية على آلة الحكم والدولة في هذه البلدان توفر للمشروع السياسي الأميركي لإعادة رسم خريطة كيانات سياسية جديدة في هذه الدول وفي دول أخرى في الشرق الأوسط والبقاء على جدول العمل الأميركي ـ الإسرائيلي.
فمنذ عام 1982 نشر الصحفي الإسرائيلي ”عود يدينون” المقرب من وزارة الخارجية الإسرائيلية، دراسة بعنوان (إستراتيجية إسرائيل في الثمانينيات) كشف فيها عن دعوة إسرائيلية بتحويل الجبهة الشمالية والشرقية إلى دويلات صغيرة تنشأ على خلفية طائفية واثنية تمتد من العراق إلى الأردن إلى سورية ولبنان، فتتخلص إسرائيل من هاتين الجبهتين بعد أن جمدت جبهة الجنوب التي كانت تشكلها مصر قبل كامب ديفيد، وتمكنت إسرائيل من فرض تقسيم بعد عام 2006 بين الضفة الغربية وقطاع غزة واعتبرته مثالاً يجب تطبيقه على الدول المحيطة بها بما في ذلك مصر.
وتشكل المصالح الإسرائيلية ضمن الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير وتحقيق المجال الحيوي للصهيونية العالمية والكيان الصهيوني البعد الثاني لمرتكزات الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
واللافت في تاريخ مواقف الإدارات الأميركية المتعاقبة من الدعم الأميركي للكيان الصهيوني، أن الجمهوريين والديمقراطيين لم يختلفوا يوماً إزاء هذا الدعم بالغاً ما بلغت خلافاتهم على مواضيع أخرى. فالإدارات الأميركية المتعاقبة التي تتشدق بحماية حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والحرية والعدل والمساواة في العالم، تكذب على شعبها أولاً ثم على الشعوب والأمم الأخرى بتصدير مثل هذه الشعارات الجوفاء ومن ثم هي تؤكد عبر دعمها المستمر والمتصاعد للكيان الصهيوني اللقيط على أنها الداعم الرئيسي للإرهاب العالمي، ولاحتلال أراضي الغير ونهب خيراتها وطرد شعبها منها، وعلى تأجيج سباق التسلح في المنطقة، وهذا كله يؤدي حتماً إلى قتل السلام والاستقرار في العالم، فالسلام والاحتلال ضدان لا يلتقيان أبداً.
واللافت في تاريخ المساعدات الأميركية للكيان الصهيوني والتي بدأت رسمياً عام 1949 أن هذه المساعدات ترتفع تباعاً في زمن الحرب وفي زمن البحث عما يسمى السلام أو معاهداته، وترتفع كذلك في زمن مكافحة الإرهاب. وعنوانا المساعدات الأوحدان هما ضمان أمن الكيان الصهيوني و”حدوده” من حروب قد يشنها عليه العرب، وكذلك تعويض مفاعيل السلام المزعوم الذي وقعت اتفاقياته في كامب ديفيد مع النظام المصري ”أنور السادات” وفي أوسلو مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ”ياسر عرفات” وفي وادي عربة مع النظام الأردني ”الملك حسين”.
لقد أجرت صحيفة ”ذي ماركر” الاقتصادية التابعة لصحيفة ”هآرتس” الإسرائيلية مؤخراً إحصائيات اقتصادية عن المساعدات المالية الأميركية لإسرائيل على مدى 63 عاماً، وخلصت إلى نتيجة مفادها أن حجم المساعدات المالية الأميركية على مدى هذه الفترة تساوي 113 مليار دولار (تساوي في الزمن الحالي 234 مليار دولار)، إضافة إلى أكثر من 19 مليار دولار كضمانات مالية أميركية كي تنجح إسرائيل في تحصيل قروض في العالم.
لقد ظهر جلياً عجز الولايات المتحدة عن إلزام إسرائيل بالقرارات الدولية، ونزع السلاح النووي من منطقة الشرق الاوسط. وسخِر ”نتانياهو” مراراً من دعوات ”أوباما” لوقف بناء المستوطنات بل زاد في أعدادها، وأوقف عملية السلام بأكملها لتصبح إسرائيل طليقة اليدين في توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية، وتهويد القدس، والتهديد بهدم المسجد الأقصى.
فقد انحازت إدارة ”أوباما” بالكامل لجانب إسرائيل في ظروف عربية وشرق أوسطية بالغة التوتر. فالمشكلة الكردية تزداد تعقيداً وتهدد بتفتيت دول المنطقة، والأزمة السورية خرجت من عهدة مجلس الأمن لتتجه نحو حسم عسكري، والأزمة مستمرة في كل من ليبيا وتونس واليمن ومصر والبحرين. واستناداً إلى تعنت إسرائيل، من المتوقع أن تطور إنتفاضات ”الربيع العربي” مواقفها باتجاه العداء لإسرائيل وفك التبعية مع الأمريكيين.
لقد آن للأمريكيين أن يقرروا بأن ”إسرائيل” يمكن أن تعتبر مستعمرة أمريكية إذا أراد الإسرائيليون ذلك، لكن أميركا لا يعقل أن تتحوّل إلى مستعمرة إسرائيلية، كما هو حاصل بالفعل من خلال مصادرة استقلالية القرار السياسي الأميركي. وآن لهم أن يقرروا أن أميركا شيء وأن إسرائيل شيء آخر، وأن ربط مصالح أميركا بأهواء إسرائيل فيه مصادرة لحرية الأمريكيين وحقوقهم الأساسية من خلال مصادرة القرار السياسي الأميركي المستقل، أو الذي يفترض المنطق أن يكون مستقلاً.
لقد تظاهر الصهاينة في الماضي بالتماهي مع الاستراتيجية الأمريكية العالمية والانخراط في خدمتها، ولكن لاستغلالها في خدمة مخططهم الخاص. ولم تكن أهدافهم تتطابق بالضرورة مع الأهداف الأمريكية، لكن هذا الاستغلال بات مكلفاً كثيراً الآن، حتى بحساب القدرة الاقتصادية الأمريكية، وعلى الصهاينة أن يدركوا هذه الحقيقة حتى لا يورّطوا أنفسهم بينما هم يحاولون توريط أميركا.
إن الصهيوني الطامع بالسيطرة على العالم من خلال السيطرة على أمريكا، والساعي لإقامة إسرائيل الكبرى بين الفرات والنيل على أنقاض العرب، لا يهمّه أن يدمّر العالم ـ بما في ذلك أمريكا نفسها ـ من أجل أن يبقى هو وأن يحقق أطماعه كما تزيّن له شياطينه. لكننا نفترض بأن صانع القرار في واشنطن ـ ومهما كان حجم الحَوَل الصهيوني المؤثر عليه ـ لا بدّ وأن يوازن بين المصلحة الأمريكية وبين الأهواء الصهيونية لكي يكون بوسعه أن يقدّم لشعبه تفسيراً لسياسته الخارجية.
فمن المؤكد أن العقل الصهيوني الغارق في أحلامه، يصعب عليه القبول بسياسة أمريكية تعتمد قرارات أميركية مستقلة قائمة على فهم واقعي للتوازنات الدولية، وكون سورية وإيران عصيتين على الأخذ، وكون مصر تعود إلى نهجها القومي من جديد. كما أن العقل الصهيوني الحالم الذي يرى نمو الإرهاب السلفي وقدرته على توظيفه في خدمته لا يريد أن يرى بالمقابل نهضة قومية عربية، وصحوة إسلامية، تكون قادرة على تطويق الإرهاب، وتحقيق انبعاث الأمتين العربية والإسلامية.
وها هو ”أبراهام فوكسمان” رئيس المنظمة اليهودية الأميركية (لمكافحة تشويه اليهود) يعترف في مناسبة مرور مائة عام على تأسيس هذه المنظمة، بأن واشنطن بدأ يظهر في سياستها ضعف واضح وتراجع عن تبني أي حروب في المنطقة بعد فشلها في أفغانستان والعراق وانكفائها عن شن الحرب على سورية. بل إنه يصفها بالغارقة في أزمات داخلية وخارجية خصوصاً مع حلفائها الأوروبيين في أعقاب فضائح التجسس على زعماء أوروبا ودول أخرى.
ويبدو أن ”شمعون بيريس” رئيس الدولة وتلميذ ”بن غوريون” أول رئيس حكومة إسرائيلية، أدرك مضاعفات هذه الظروف الدولية قبل أن يدركها ويعترف بها رئيس الحكومة ”نتنياهو” الذي يشعر أن تراجع قدرة واشنطن العسكرية والسياسية عن فرض ما ترغب سيضع إسرائيل أمام وضع لا تفضل بقاءه.
فإسرائيل لا تستطيع تسخير واشنطن في شن حروب لا تجدها الإدارة الأميركية قابلة للنجاح وتحقيق الأهداف وهذا ما أدركه (اللوبي الصهيوني) منظمة (إيباك) المتخصصة بممارسة الضغط على الإدارات الأميركية لحماية إسرائيل حين وافقت مع ثلاث منظمات يهودية أميركية كبيرة على التعهد بالتزام الصمت وعدم التحرك ضد قرارات ”أوباما” الدبلوماسية مع إيران فقد اجتمع قادة هذه المنظمات اليهودية مع مستشارة الأمن القومي الأميركي ”سوزان رايس” وأبلغوها بهذا التعهد بعد أن وجدوا أن معارضتهم لسياسة ”أوباما” ستجعلهم يفقدون مصالح كثيرة ويتحولون إلى كبش فداء تضحي به إدارة ”أوباما” في ظل أزمة أميركا الخانقة.
ولاشك أن هذا التنازل من المنظمات اليهودية يدل على مدى عجز إسرائيل عن تسخيرها لمنع استمرار لسياسة الدبلوماسية الأميركية تجاه إيران التي ترفضها إسرائيل وتحذر من أخطارها عليها.
ولذلك يرى الباحثون في مركز دايان للدراسات أن إسرائيل تجد نفسها الآن في وضع من ينتظر ما سوف تسفر عنه عملية التكيف الأميركي مع تناقص القدرة الأميركية على إدارة الأزمات في العالم.
إن المطلوب من بعض الحكام العرب التوقف عن لعب دور السمسار لواشنطن لبيع فلسطين والجولان وجنوب لبنان، لاسيما وأن مواقف الرؤساء الأمريكان تجاه عروبة فلسطين والقدس تشكل سابقة خطيرة جداً في العلاقات الدولية، وعلى حساب العرب والمسلمين ومبادىء القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
ويجسد الانحياز الأمريكي المطلق لـ ”إسرائيل”، والذي لا مثيل له في العلاقات الدولية على الإطلاق، ذروة الاستهتار الأمريكي بحقوق ومصالح الشعوب والحكومات العربية والإسلامية، وبشكل خاص الزعماء العرب الذين فتحوا بلادهم وخزائن المال فيها على مصراعيها للصناعات والقواعد العسكرية مثل السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية.
وبناء عليه فقد أدارت السعودية المتحالفة مع إسرائيل، والمتزعمة لأعراب الخليج، الظهر للمسألة العربية وقضاياها العادلة في تحرير الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية، وحماية الحقوق الثابتة، وعدم السماح بانتهاكها، فلم تعد إسرائيل هي العدو المهدد لتهويد القدس وإبادة العرب الفلسطينيين بل صارت سورية التي تخلو من مثل ما عندهم من برلمانات للحرية، ومؤسسات للديمقراطية، ودساتير عصرية، وتقدم كبير في قيم الشعب هي العدو، لأن تصنيف العدو لم يعد الذي سيهدم المسجد الأقصى ويقيم هيكل سليمان بل من لم يترك إسرائيل وأميركا تسودان في التاريخ العربي الحاضر والقادم هذا هو العدو فقط.
لقد تنبأ الفيلسوف العالمي الشهير ”أرنولد توينبي” بانهيار الإمبراطورية الأمريكية، وأكد أن الأمم القوية تظل في حالة صعود مستمر إلى أن تتحول إلى أمم مستبدة طاغية، ثم تتوقف عن الصعود ويبدأ نجمها بالأفول وذلك بفعل ظهور قوى أخرى تعمل على إسقاطها عن عرش الزعامات، وهذا ما سيحصل للإمبراطورية الأمريكية مما سيجبرها على الإسراع في التقوقع داخل حدودها ويسرع من انهيارها.
من هنا نرى أن المستقبل ينبئ بأن أمريكا وإسرائيل القوتين المتغطرستين تواجهان مستقبلاً (مشتركاً) واحداً، والظواهر المشهودة اليوم والمتغيرات المتسارعة على الصعيد العالمي تؤكد هذه الحقيقة.
فقد أثبت التاريخ عبر عصوره المتواليات أن ما يخالف سنن الكون لا ديمومة له، وإسرائيل خالفت قوانين الأرض وشرائع السماء والسنن الكونية في كل ما أقدمت عليه. بل إن وجودها نفسه على أرض اغتصبتها، وشعب شردته وقتلت ما لا يحصيه عدد من أبنائه، فضلاً عما أحاقت به من مآس وويلات لا حصر لها، سوف يفضي في نهاية المطاف إلى زوالها شأنها شأن غزوات كثيرة عرفها التاريخ على هذه الديار المقدسة. فالعد التنازلي لأمريكا وإسرائيل بدأ، وإن غداً لناظريه قريب.
آن الأوان لزعماء دول محور ”المعتلين” العرب أن يستيقظوا ويصحوا ويتصرفوا كحكومات راشدة تعمل لخدمة شعوبها والإنسانية جمعاء، وليست كدول قاصرة تابعة تبعية كاملة لأمريكا وتعمل على خدمة مصالح الإمبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية للمحافظة على أنظمتهم الاستبدادية وكراسيهم.
مصطفى قطبي – بانوراما الشرق الاوسط