أمريكا أسوأ مكان للعيش.. خصوصاً للأطفال
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
بخلاف ما تروجه صناعة الأفلام الهوليودية ــ المدروسة والموجّهة جدا ــ حول الصورة المثلى للمجتمع الامريكي، واحتلال الفرد فيه لا سيما الاطفال منهم، مرتبة متقدمة في اولويات وبرامج وسياسات قادة امريكا على مستوى الرفاهية التي تدعي واشنطن توفيرها لمواطنيها، ونهبت لأجلها خيرات ومقدرات وثروات الشعوب والامم، الا ان الحقيقة مختلفة جدا، وما تقوله الارقام والاحصاءات والدراسات يكشف حجم الاهمال واللامبالاة الذي يتعرض له الاطفال الامريكيون من قبل قادتهم وساستهم.
وإذا كنت تريد أن تعرف أين تكمن أولويات المجتمع الامريكي، فانظر إلى كيفية إنفاق أمواله، وإليكم التفاصيل.
تنفق واشنطن حوالي 9 % من الميزانية الفيدرالية على الأطفال، بالمقابل، يتم منح كبار السن أكثر من ثلث الإنفاق الفيدرالي.
الاكثر غرابة في الامر، هو الانتقائية في تعامل المؤسسات التشريعية الامريكية مع الصرف المتعلق بهاتين الشريحتين الاجتماعيتين اي الأطفال وكبار السن.
فالإنفاق على برامج المسنين مثل الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي، يمُر دون النظر فيه أو حتى التأكد من وصول هذه المزايا إلى الأميركيين الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما، في حين ان معظم الإنفاق على الأطفال هو إنفاق تقديري من دون دراسة للحاجات الفعلية.
اظهر تحليل نشرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 ، قارن بين الولايات المتحدة، والدول الغنية الأخرى، فيما يتعلق برفاهية الأطفال انطلاقا من مقاييس مختلفة (على مستوى الصحة، الدخل، الغذاء، الرعاية الاجتماعية) تراجع امريكا الى مراتب متدنية حيث حلت في المراكز العشرة الاخيرة.
عند البحث عن أسباب هذا الفشل الأمريكي الفريد، نجد انها متعددة الجوانب، والمستقبل سيكون أكثر قتامة، كما يعترف المسؤولون الامريكيون انفسهم. من هنا، يطلق الأكاديميون مصطلحًا ساخرًا على هذه الظاهرة ألا وهو: “الاستثنائية الأمريكية”.
ما هو معدل إنفاق أمريكا على برامج الرعاية للأطفال مقارنة بالدول الاخرى؟
تعتبر برامج الرعاية الفيدرالية للأطفال والعائلات – كل شيء من قسائم الطعام إلى المساعدة النقدية إلى التغطية الصحية – ضئيلة وقليلة، مقارنة بما تنفقه الدول الاخرى التي تصنف غنية. إذ تنفق أستراليا حوالي 2.1 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على السياسات العامة والبرامج التي تدعم الأسر، فيما تصرف النرويج 3.2 في المئة، كما تفعل المملكة المتحدة. اما الولايات المتحدة، فتنفق 0.6 في المائة، وهي نسبة أقل حتى من كوستاريكا والمكسيك.
المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، فبرامج رعاية الطفل لا يمكن الوصول إليها إلا لأولئك الذين يكملون عملية تقديم الطلبات المرهقة، وتجنبا لعملية الإذلال التي تمارسها الجهات الحكومية المعنية، أفصحت بعض العائلات (خلال مقابلات صحافية) معها انها رفضت التقدم بطلب للحصول على وجبات غداء مدرسية مجانية أو بأسعار مخفضة لأنها لا تريد أن ينظر إلى أطفالها بازدراء.
ماذا عن الإنفاق الحكومي الأمريكي على المدارس؟
تعد المدارس منتدى آخر لإخفاقات أمريكا. في الواقع ان حجم المبالغ المالية التي تنفقها الولايات المتحدة على تعليم الأطفال مقارنة بالدول الغنية الأخرى هي نسبية، لكن هذه الأموال لا تنفق بشكل عادل. فتمويل المدارس هو خليط من الدولارات الفيدرالية وما تدفعه الولايات، وما يأتي من الاموال المحلية (كتبرعات او هبات خيرية).
يختلف التمويل المدرسي بشكل كبير من ولاية إلى أخرى، ومن مقاطعة إلى أخرى. تنفق بعض المناطق التعليمية ما لا يقل عن 6000 دولار كل عام لكل طالب والبعض ينفق ما يقرب من 30،000 دولار. وفي بعض الولايات، تحصل المناطق منخفضة الدخل، على أموال أقل من المناطق ذات الدخل المرتفع، فيما نتائج التعليم الفعلية التي يحققها الطلاب الأمريكيون قياسا مع هذا الإنفاق، تكون متوسطة.
لماذا الولايات المتحدة مهملة جدا في معاملتها لأطفالها؟
ان إهمال أميركا في التعامل مع أطفالها، يرتبط بموقفها المحافظ إزاء المساعدات الحكومية. فالولايات المتحدة هي أيضا الدولة الغنية الوحيدة التي لا تضمن رواتب عمالها إجازة عائلية مدفوعة الأجر أو إجازة مرضية مدفوعة الأجر، وكلاهما يحد من قدرة الوالدين على الارتباط بطفلهما ورعايته.
زد على ذلك هناك العنصرية الأمريكية القديمة الطراز، إذ هناك تصور، حتى بين أسر الطبقة العاملة البيضاء التي تعتمد أيضا على المزايا الحكومية، أن هذه البرامج الاجتماعية تفيد في المقام الأول الأسر من ذوي البشرة السمراء.
وتبعا لذلك، يرى خبراء علم الاجتماع في امريكا، ان هناك شيئا مدمرا للذات حول إهمال أميركا لأطفالها. فدعم الأطفال برأيهم – إطعامهم وتعليمهم وحمايتهم من العنف – أمر جيد، ولكن من الضروري أيضا تأمين الجيل القادم من البالغين الأميركيين، الذين سيقع على عاتقهم عبء المحافظة على الاقتصاد والمجتمع والثقافة الامريكية.
ومع ذلك ، يبدو أن الولايات المتحدة تجلب الخراب لنفسها، من خلال فشلها في تأمين الجيل المقبل. فالأطفال الذين يكبرون وهم جوعى، ويربون في فقر مدقع، وفشلت مدارسهم في تعليمهم بشكل كامل، سيعيشون في المتوسط حياة أقصر، مع آفاق اقتصادية باهتة.
بناء على كل ما تقدم، هناك قناعة راسخة لدى معظم النخب الاكاديمية الامريكية، وتتلخص في ان القوى السياسية التي تقف في طريق العديد من الإصلاحات السياسية جعلت أميركا أيضا مكانا أسوأ للاطفال. وهذه الحقيقة ظهرت بشكل جليّ وواضح عندما ساهم فشل الولايات المتحدة في تقييد ملكية الأسلحة النارية التي تسببت بوفاة 19 طفلا بريئا في مجزرة أوفالدي بولاية تكساس.