“أمركة الإعلام”: هي الحرب..

موقع العهد الإخباري-

ليلى عماشا:

شهدت السنوات الأخيرة تحوّل الإعلام إلى ميدان متقدّم في الحرب. ويمكن القول إنّ المؤسّسات الإعلامية، سواء أرادت ذلك أو لم ترد، انقسمت بين معسكري القتال الواضحين، وسائر المعسكرات الرديفة. وصارت كلّ مادّة يتمّ تقديمها عبر الإعلام تُقاس بمدى فعاليّتها في سياق استخدامها كسلاح في المعركة، من يوجّهها وما هي وجهتها؟ من تستهدف وهل أصابت؟ وإن أصابت، فما نوعية وحجم الضرر وكيف يمكن معالجته أو التصدّي له؟

دخل مصطلح أمركة الإعلام إلى أدبياتنا بعد أن بات النهج الأميركي متغلغلًا في نخاع الجسم الإعلامي العالمي، وصار الحديث عن اعلام موجّه علانية في خدمة السياسات الأميركية حديثًا مقترنًا بعدد هائل من الأمثلة حول العالم؛ وإن كانت التجربة السوريّة لم تكفِ البعض كدليل على الإرهاب الأميركي الذي يستخدم الوسائل الإعلامية كمنصة إطلاق للصواريخ العابرة للمفاهيم وللعقول، فالتجربة الإيرانية التي شهدناها في الأيام الأخيرة كفيلة في توثيق كيفية هذا الاستخدام ونتائجه.

بالنظر إلى التجربتين، تسهل قراءة التجربة المحليّة في أمركة الإعلام. والأمر هنا لا يتعلّق فقط بالتمويل، بل يتعداه إلى الاستخدام المجانيّ، سواء عرف المستخدَم بذلك أم لم يعرف.

الحرب على بيئة المقاومة بكلّ مكوّناتها لم تكن ممكنة لو لم يتم استخدام الإعلام المحلّي فيها، على مختلف مشاربه وخلفياته وحتى تاريخه القريب. في مكان ما، ساهمت المؤسسات الإعلامية بشكل مباشر في الحرب باستخدام مختلف الأدوات التي تمكّن من صناعة رأي عام محليّ واقليمي مشحون ضد المقاومة ورموزها وأهلها: التضليل والكذب والاجتراء والاستفزاز والتكذيب والتشكيك والترويع وغير ذلك.

كلّ ذلك أمسى مائدة يومية تُقدّم مجانًا عبر بعض المؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة والإلكترونية، ويتمّ إعداد أطباقها المختلفة في مطابخ السفارات العاملة في خدمة الأميركي أو تلك التي تتقاطع معه ظرفيًا أو في لحظة مصلحة دولية ما. نتج عن ذلك تحوّل العديد من المؤسسات التي صُبغت سابقًا بلون خطابها السياسي إلى نسخات متعدّدة من نموذج واحد، تقدّم الخطاب السياسي نفسه باستخدام لغتها المعروفة. أي أنّ التمايز فيما بينها صار محصورًا في المفردات، بعد أن وحّدت المفاهيم فيما بينها، بناء على إشارة “هاتف” من السفارة.

يشير كلّ ذلك إلى أن أمركة الإعلام في لبنان هي أمر حاصل وليس قيد الحصول. فالأميركي تجاوز مرحلة تجهيز المحطات الإعلامية وتطويعها في خدمته، كي تشكّل مع عصبة المصارف المجهزّة مسبقًا وعلى مدى ثلاثين عامًا جبهة واحدة ضد البيئة التي قالت بملء صوتها ودمها “الموت لأميركا”. فقد صار الإعلام الناطق أميركيًا جزءًا لا يتجزّأ من الحصار المفروض على لبنان، عقابًا لجميع اللبنانيين على وجود مكوّن أساسيّ بينهم لا يرضى بالخضوع للأميركيين، مكوّن سيّد بفطرته وبوعيه وبإرثه.

وهنا يصبح الدور المطلوب من الوسائل الإعلامية في الحرب على بيئة المقاومة واضحًا سواء بالنسبة لأهل البيئة المعتدى عليهم، أو للجمهور الآخر. هم يشكّلون أداة في حصار، وسلاحًا فتّاكًا في الحرب، بل وقد يصل ببعضهم الأمر لأن يكون شريكًا صريحًا في معاداة النّاس وتشريع الاعتداء عليهم بل وحتى تبرير استهدافهم وقتلهم.

حين نتحدّث اليوم عن الإعلام المحلّي ودوره في الحرب وانقسامه بين معسكري الخير والشرّ، يمكن القول بموضوعية شديدة أن الذين مضوا ناحية المعسكر الأميركي وارتضوا لأنفسهم السكنى فيه، لهم في ذلك خلفيات كثيرة، منها الحقد العتيق ومنها ببساطة: مائدة الأميركي أدسم!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.