أمام رئيس الجمهورية خياران لإنهاء أزمة التأليف بعقمها
موقع التيار الوطني الحر الإخباري ـ
جورج عبيد:
في حمأة التجاذبات المشدودة نحو تأليف الحكومة وما يصاحبه من نقاش حام وردود فعل رانية إلى ما هو أبعد من الداخل، عادت الذاكرة إلى لحظة تأليف الحكومة الأولى في عهد الرئيس العماد إميل لحود. في ذلك الوقت، دعا فخامة الرئيس لحود وبحسب الدستور إلى استشارات نيابية ملزمة، وقد مالت الاتجاهات إلى تكليف الرئيس رفيق الحريري رحمه الله بتأليف الحكومة الأولى في بداءة العهد. حظي الرئيس الحريري بثمانين صوتًا من النواب مقابل وزراء فوّضوا الرئيس لحود بالتسمية، علمًا أنّ الرئيس الحريري قد أمسى رئيسًا للحكومة بفعل الأصوات التي نالها. بلّغ الرئيس الحريري بالنتيجة، لم ترق النتيجة له منتظرًا أن يتمّ التكليف بالغالبية العظمى أو بالإجماع أو الأكثرية المطلقة، عليمًا أنه قد أمسى رئيسًا للحكومة مكلّفًا. بعيد ذلك حلّ الرئيس الحريري الشهيد ضيفًاعلى شاشة ال CNN الأميركية وبعد سؤال عن التأليف اعترض على تفويض النواب لرئيس الجمهورية بأصواتهم معتبرًا بأنّ التفويض غير دستوريّ ويعتبر خرقًا للدستور. وقد سمعه الرئيس لحود فامتعض كثيرًا.
ويوم الاثنين الذي تلا المشاورات صعد الرئيس الشهيد إلى قصر بعبدا وأمام المصورين اعترض الحريري على هذه المسألة فحاول الرئيس لحود استمهاله ريثما يخرج المصورون، فلم يفلح حينئذ قال لحود له، لا يحقّ لك بأن تتكلم على الإعلام وبخاصّة على شاشة الCNN بهذه الطريقة وتبخس على رئيس الجمهورية تفويضًا أعطي له، وأمام ذلك فأنا مضطر كرئيس للجمهورية بالدعوة إلى الاستشارات النيابيّة الملزمة من جديد لتكليف الرئيس سليم الحص بتأليف الحكومة، وهكذا فعل، فكان سليم الحصّ رئيس للحكومة الأولى في بداءة عهد الرئيس لحود، وقد خرج الحريري بعد ذلك من السلطة إلى المعارضة.
يفرض حدث التأليف بتداعياته وتأثيراته المتعدّدة الأوجه تقديم هذه الواقعة التي حدثت منذ عشرين سنة ووضعها كأمثولة في وسط النقاش السياسيّ المشدود نحو عناصر يستبدّ بها العقم حتى الانفجار. ليس الهمّ في هذا المقام المقارنة بين عهدين تكاملا في الحفاظ على موقع الرئاسة وريادتها وكرامتها ومن خلالها على كرامة لبنان وعلاقته بمحيطه. بل الهمّ الخلوص نحو مقاربة تسمح لسيد العهد مواجهة العقم بالعمق. ذلك أنّ الأزمة بلغت مبلغًا كبيرًا من الخطورة بعناوينها الاقتصادية والاجتماعية على الرغم من أنّ الوضع المالي مستقرّ نظرًا للجهود الحثيثة التي بذلها ويبذلها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في المحافظة على الليرة اللبنانية. والمقاربة تنطلق من أن لبنان في وسط صراع إيرانيّ-أميركيّ، سوريّ-سعوديّ، أميركيّ-روسيّ، وتتراكم الصراعات من جديد على أرضه ضمن مفهوميبن:
-المفهوم الأوّل شلّ عهد الرئيس ميشال عون، طورًا بالاستهداف المباشر، بالضغط على الرئيس سعد الحريري لكي بدوره يمارس الضغط باتجاه قبول الرئيس عون بتوزير ثلاثة وزراء للحزب التقدميّ الاشتراكيّ وإعطاء أربعة وزراء للقوات اللبنانيّة. ويمارس الضغط القائم بالأعمال السعوديّ في لبنان وليد البخاريّ بأمر من وليّ الهد محمد بن سلمان، ويساعده من جهة ثانية الدكتور سمير جعجع ووليد جنبلاط.
-المفهوم الثاني استهداف المقاومة بصورة مباشرة برفض سلاحها سواء في سوريا أو على الحدود مع إسرائيل والاستناد على مفهوم النأي بالنفس وهو مفهوم أجوف ويعني بصورة مبطّنة انسياق لبنان إلى وصاية ثنائيّة سعوديّة-إمارتيّة.
يتلاقى المفهومان على هدف واحد، وهو منع لبنان من التواصل مع سوريا وبالتحديد منع الحكومة اللبنانية من التواصل مع الحكومة السوريّة وإفشال اي إمكانية لزيارة يقوم بها الرئيس بشار الأسد إلى لبنان أو زيارة يقوم بها الرئيس ميشال عون إلى سوريا، ويعزو هؤلاء السبب إلى أن التسوية في سوريا لم تبدأ بعد ولم تنتهِ. فلا يسوغ، تاليًا، الذهاب إلى دمشق قبل اكتمال عناصر التسوية فيها.
وتشير مصادر مواكبة، بأن السعودية تدأب وتجهد لكي لا تفقد الورقة اللبنانية من قبضتها. فلبنان بالنسبة إليها هو المطلّ الأخير لها على الساحة المشرقيّة، من بعد فقدانها الورقة العراقية بصورة تدريجيّ، وبعد التلاقي الحميم بين نهري بردى والأردن من بعد فتح معبر النصيب وتطهيره من الأدران التكفيرية الرابضة عليه وعلى تخومه. ولذلك فإنّ معركة تأليف الحكومة اللبنانية بالنسبة إليها مسألة حياة وموت، بمعنى أن عودة لبنان إلى جوهره المشرقيّ من خلال إعادة الاعتبار للعلاقة اللبنانية-السورية، سيؤدي بدوره إلى تجسير العلاقة وتوسيعها باتجاه العراق والأردن وتستفيد مصر من هذا التجسير والتشبيك، وقد كانت داعمة للجيش السوريّ في حربه على الإرهاب وقد ظهر ذلك غير مرّة في أدبيات الرئيس المصريّ عبد الرحمن السيسي، فينتهي الدور السعوديّ المؤثّر في ظلّ رعاية روسية عامدة عل ترسيخ التشبيك في توسيع تلك العلاقات وتثميره وتجسيره، وفي ظلّ اتفاق روسيّ-إيرانيّ، لن تكون تركيا بعيدة عنه بل ستندرج في تكوينه وتكوّته لتكون هي البديل في رعاية المكوّن السنيّ بدلاً من السعودية التي تتمسّك بلبنان بكلّ قوتها بدءًا من العنوان الحاليّ السائد وهو تأليف الحكومة من قبل سعد الحريري. علمًا بأنّ الروس مع الرئيس فلاديمير بوتين مدركون بأنّ الولايات الأميركية المتحدة لن تدخل في حرب عسكرية مع إيران لأنها ستكون مكلفة سيّما وأن الأوروبيين بدءًا من الألمان والفرنسيين رافضون التعرّض الأميركيّ لتركيا بعملتها، ولإيران بمسألة الاتفاق النوويّ.
قضيّة السعوديين أنّهم غير مصدّقين بأنّ بشار الأسد قد انتصر في سوريا، على الرغم من أنّ ولي العهد منذ شهرين قال: الأسد باق باق باق.. وهم يمسكون بسعد الحريري لكونه أمسى الحلقة الأضعف في التركيبة السياسيّة ويمعنون في الضغط عليه فرض شروط التأليف من خلاله على رئيس الجمهورية العماد عون والتيار الوطنيّ الحرّ وحزب الله. تصريحه الأخير وإن حاول الدكتور مصطفى علّوش تشذيبه استهلك مسألة فتح معبر النصيب بين سوريا والأردن ليعلن بأن لن يسمح بأن يكون فتح المعبر مادّة ضغط عليه وهو لن يؤلّف الحكومة تحت هذا الشرط، وقد أغفل بدوره مسألة النازحين.
بنتيجة تلك المقاربة، يبدو وبحسب أوساط متابعة أنّ الرئيس أمام خيارين لينهي هذا العقم بالعمق:
1-إمّا إرسال رسالة لرئيس المجلس النيابيّ نبيع برّي يشرح بها الأسباب الموجبة لفشل رئيس الحكومة بالتأليف، فيدعو دولته المجلس إلى الانعقاد لمناقشة كتاب الرئيس وإجراء المقتضى عليه وفقًا للأصول الدستورية والبرلمانية، وهنا يسوغ للأكثرية النيابية سحب الثقة منه ليدعو الرئيس إلى مشاورات ملزمة ويكلّف شخصيّة سنيّة أخرى تمتلك القدرة على التأليف وتجنيب البلاد خضّات اقتصادية واجتماعية سيبلغ نحوها اللبنانيون وبدء السنة الدراسية وما يرفقها من أقساط مدرسية وشراء القرطاسيّة والكتب على الأبواب.
2-أو استدعاء الرئيس الحريري بلقاء مصارحة يفضي إلى وضعين:
1-2: وضع مهلة زمنية ينهي فيها الرئيس الحريري عمليّة تأليف الحكومة الجديدة. وبحال لم يوفّق يقدّم استقالته ليصار إلى مشاروات ملزمة لرئيس الجمهورية. سيما أنّ الوضع اللبناني في وسط بركان كبير يتفجّر هنا وثمّة وفي وسط تسويات ترسم خطوطها ومعالمها، والجو الداخليّ ينذر بتلاشي الأمن الاقتصاديّ والاجتماعيّ.
2-2: التمثّل بما فعله الرئيس لحود مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، نظرًا لفشل الرئيس سعد الحريري بالتأليف، فينهي الوضع معه ويدعو إلى الاستشارات إلزامية.
إذا لم يتمّ الحراك السريع ستدوم الأزمة فنرة طويلة وليس من مصلحة أحد رزوح لبنان تحت ثقلها. فالرزوح سيؤدي إلى الانفجار السريع فيما المنطقة المحيطة بلبنان مقبلة نحو التسوية والحلول… لبنان يستحق الحياة فأوقفوا كلرهان ودلع وترف يقوده من جديد إلى الانفجار. لبنان وطن الحياة وهو مع شعبه يستحقّ الحياة.