أفغانستان طالبان إلى أين؟ أوروبا تتحسّس رأسها بعد الانسحاب الأميركي
جريدة البناء اللبنانية-
عمر عبد القادر غندور*:
لم تأبه الولايات المتحدة بحلفائها وخاصة الأوروبيين عندما انسحبت من أفغانستان بعد عشرين سنة جوفاء من احتلالها صرفت خلالها ما يزيد تريليوني دولار وبمعدل 300 مليون دولار في اليوم باعتراف الرئيس بايدن، الى جانب المئات من ضحايا جنودها!
هذا الانسحاب الاعتباطي أثار الحفيظة الأوروبية، ورأى فيه الأوروبيون تهميشاً لهم وقصوراً على صعيد الاستقلال الاستراتيجي، وقال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: «إذا أردنا ان نكون قادرين على التصرف بشكل مستقل علينا ان لا نعتمد على الخيارات التي يتخذها الآخرون».
وفي مقالة لصحيفة «نيويورك تايمز» انّ الرئيس بايدن لا يهمه كيف انسحبت القوات الأميركية، بل الأهمّ ان تنسحب قواتنا؟
ونحن نجزم انّ الانسحاب الأميركي يؤسس لدولة أفغانية تكون جزءاً من مخطط شيطاني ولا تكون فيه طرفاً على الأرض ولم تقصّر في ترك كمّ هائل من العتاد العسكري بينه طائرات مقاتلة.
في مثل هذا الانسحاب المريب من أفغانستان دليل على تراجع السيطرة الأميركية على مستوى العالم، وسبق للرئيس المصري السابق حسني مبارك ان قال: «المتغطي بأميركا عريان»!
ويبلغ في الساعات الأخيرة ما أعلنته واشنطن أنها لن تدعم المعارضة في وادي بانشير، وهو ما يؤكد التفاهمات مع طالبان التي شرّعت الانسحاب الأميركي، وثمة من يقول في لندن انّ الولايات المتحدة طلبت من طالبان إنهاك كلّ من الصين وروسيا وإيران مجتمعة، في الوقت الذي تستعدّ فيه طالبان لإعلان حكومتها الجديدة الأولى وسط شكوك أبداها وزير الخارجية الأميركية بلينكن الذي يبدو غير واثق من كفاءة طالبان بقيادة بلد تحيط به طاجكستان وأوزبكستان وتركمنستان من الشمال وإيران من الغرب في حدود طولها 945 كيلومتر وباكستان من الشرق والجنوب بطول 2600 كيلومتر، والصين من الشمال بطول 76 كيلومترا، وبحسب المصادر انّ السلطات الصينية تتواصل مع قادة ميدانيين في الحركة في ولاية بدخشان المجاورة مع الصين، وتخشى بكين امتداد عدم الاستقرار الى إقليم شينجيانغ الذي تسكنه أقلية الإيغور المسلمة.
وتبلغ مساحة أفغانستان 652.230 كيلومتر مربع ولا سواحل لها على البحار.
وهناك من يقول، إذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها لم ينجحوا في تقديم إدارة ناجحة للبلاد رغم مئات المليارات التي صُرفت على دعم النظام الأفغاني السابق، فماذا ستفعل طالبان التي بدأت منذ الان تواجه مشاكل داخلية وعسكرية.
وتحاول طالبان ان تثبت لجيرانها وللعالم قدرتها على إيجاد إدارة أقلّ تشدّداً وأكثر احتراماً للقواعد الإنسانية وتسامحاً مع المرأة، في حين أبدت الصين وروسيا وإيران استعدادها للتعاون مع النظام الجديد والحرص على حسن الجوار، ورفضها القيام بحروب بالوكالة عن أميركا أو غير أميركا.
وينحصر القول انّ العالم بصدد تجربة حكم جديد في أفغانستان بقيادة طالبان، ولا تبدو الولايات المتحدة متأكدة من سلوك طالبان، وربما تأكدت أكثر من أيّ وقت آخر انّ احتلالها لأفغانستان كان مضيعة للوقت والثروة ولا بدّ من مغازلة طالبان التي كانت الى الأمس القريب منظمة إرهابية، بينما أوروبا تتحسّس رقبتها بعد الخذلان الأميركي لها والانسحاب من منطقة هي الأكثر تشدّداً واحتضاناً للمنظمات الجهادية الإسلامية.
اليوم بات واضحاً انّ الغرب ليس راضياً عن الحكومة الجديدة في أفغانستان، واعتبر الاتحاد الأوروبي انّ حكومة طالبان المعلنة تتناقض مع الوعود التي قطعتها الحركة وهي ليست شاملة ولا تمثل التنوّع الاثني وليس فيها نساء!
وكان واضحاً ما قاله وزير الخارجية الأميركي بلينكن خلال ترؤسه اجتماعاً وزارياً عبر الانترنت شاركت فيه 20 دولة انه ينبغي على حركة طالبان ان تكتسب شرعيتها من المجتمع الدولي.
ويقول الأميركيون انّ العديد من وزراء طالبان، مدرجون على لوائح عقوبات الأمم المتحدة وبينهم أربعة كانوا معتقلين في سجن غوانتنامو.
وعلى الحكومة الأفغانية اليوم أن تثبت أنها فعلاً حكومة معنية بتطبيق الشريعة الإسلامية بغضّ النظر عن «شرعية» المجتمع الدولي، كما أعلن رئيسها محمد اخوند المستشار السياسي السابق لمؤسس الحركة الملا محمد عمر المتوفي عام 2013.
* رئيس اللقاء الاسلامي الوحدوي