أطراف عام مبللة بالدماء: أي لبنان يريدون؟
موقع إنباء الإخباري ـ
ماجدة ريا:
هو اليوم الثاني من العام الجديد، يد الإرهاب تضرب مجدداً في الضاحية الجنوبية لبيروت، تسيل الدماء الطاهرة، شهداء وجرحى، يتشظى الوطن، تتألم القلوب، يهب المسؤولين للاستنكار.
بعد تفجير ختم العام الماضي في وسط بيروت، تعالت صرخات فريق 14 آذار إلى درجة أنهم أخذوا يجاهرون بأن الحكومة يجب أن لا تكون حكومة حيادية وحسب ـ مع تحفظ الفريق الآخر بأنه لا حياد في البلد فالإنقسام حاد وعامودي بامتياز ـ بل يجب أن تكون من فريقهم، مع استبعاد فريق يمثل أكثر من نصف اللبنانيين، وبذلوا جهوداً جبارة في هذا الصراخ، وبدأوا بالعمل لذلك من خلال مواقفهم التي ملأت الشاشات، وتوّجت بالمواقف التي أخذها رئيس الجمهورية الذي سار معهم في هذا الركب، وطار خارج البلاد لقضاء عطلة الأعياد تاركاً البلد في فم التنين.
واليوم الانفجار في قلب الضاحية… هبّت تلك الأصوات مجدداً، تستنكر؟ تدين؟ وتستطرد… فالأهم من الإدانة لما حدث هو الإستطراد، وإعادة الخطاب الممجوج والجامد ذاته الذي لا يتغير قيد أنملة، وما زال موقفهم هو هو…
يريدون السيطرة على البلد وعلى الحكومة بأي ثمن، حتى لو كان الثمن كل تلك الدماء البريئة التي تسيل، فمصدر الإرهاب معروف، والمفجرون معروفون، ومع ذلك لا حياة لمن تنادي، لا يريدون أن يسمعوا إلا صوتهم الذي لم يأتِ على البلد إلا بالخراب، ويصرون على غيّهم، ماضين في دعمهم لهذا الإرهاب المتمادي، فهم يدينون التفجير من جهة، ويقولون لمن يفجرون ضمناً: استمروا في تفجيراتكم ما لم نحكم البلد؟
هذا الفريق منذ البداية لم يرَ إلا نفسه، وفكره العقيم الذي يأبى أن يستوعب الآخر، أو حتى أن يرى وجوداً لهذا الآخر… هذا الآخر الذي دفع الكثير من التضحيات من أجل تحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني الغاشم، والذي جعل من لبنان قوة يحسب الكيان الصهيوني الغاصب لها ألف حساب، هذا الفريق الذي جلب الأمن والأمان للجنوب الذي ظُلم ردحاً طويلاً من الزمن بسبب إهمال الدولة، وتقاعسها أو لنقل عدم قدرتها على التصدي لما كان يجري من اعتداءات عليه من قبل الصهاينة، هذا الفريق الذي أوذي بما لا يقبل الوصف من الفريق الآخر خاصة في عدوان تموز 2006 ، وطعن في الظهر مرات ومرات، وما زال الطعن مستمراً؟!
فأي لبنان يريدون؟ وعن أي حكومة يتحدّثون؟ أما آن لهذا الفريق أن يستفيق من أحلامه الإجرامية؟ وهل هم بوزن يستطيعون معه مواجهة الفريق الآخر عندما يصرّون على مثل هذا القرار؟!
كل الخشية أن هذا الفريق الذي غرق في الدماء حتى أذنيه، وخراب البلد قد لا يعني له شيئاً أمام طموحه الغير مشروع، طموحا يريدون معه إلغاء الآخر بكل ما تعني هذه الكلمة من إلغاء، وقد استمات لسنين طويلة في مثل هذه المحاولة، حتى بلغ مكاناً سحيقاً لا يُعرف إذا كان بإمكانه الخروج منه، رغم كل حبال النجاة التي ترمى لهؤلاء من الفريق الذي تحمّل ما تحمّل من أذاهم، وما زال يرمي لهم حبال النجاة، رغم كل التضحيات الزكية التي دفعها بسببهم، وحفاظاً على هذا الوطن الجريح، المكلوم، الذي يئن وينزف… يمد لهم حبالاً يمكن أن تجعلهم يخرجون من المستنقع النتن الذي رموا أنفسهم فيه، ولكنهم استساغوا رائحة النتانة حتى باتت جزءاً من كيانهم لا يستطيعون التخلّص منها.
فما الذي ينتظر هذا الوطن بعد كل ذلك؟
هذا الوطن ينتظر قبضة شريفة نقية تقبض عليه، تعيد له أمنه وأمانه، لا للإلغاء، وأهلاً بكل شريف محب ودود يرى بعينين اثنتين، يرى كل الوطن بكل أطيافه وعناوينه، هذا ما ينتظره اللبنانيون، والذين قدموا التضحيات كرمى لعيون هذا الوطن. لم يتعبوا من طريق الحق، وما زالوا يسيرون في درب التضحيات، وقد اعتادوا أن يحصدوا ثمار تضحياتهم انتصارات، من أعتى الأعداء إلى أشد الخصوم، فكل الأمنيات أن يصحو هؤلاء قبل الدخول في النفق المظلم، الذي لا يريده أي عاقل، ولكن إذا أصروا فما عليهم سوى احتمال النتائج، وقد جربوا سابقاً فعليهم أن ينتصحوا قبل فوات الآوان وأن يتقبّلوا أن هذا الوطن هو وطن الجميع دون استثناء.
اللهم احفظ لبنان واحفظ شعب لبنان، وأخرجه إلى كنف النور وأبعده عن الظلمة والظلام.