أضرار الزلزال النفسية في لبنان على نار الإعلام و خبراء الجيولوجيا
وكالة أنباء آسيا-
زينة أرزوني:
إنشطرت نفسية المواطن اللبناني الى نصفين، بعدما عاش أوقاتاً عصيبة تحت رحمة الأخبار التي تفتقد الى الدقة أو الوضوح، فبمجرد إستشعار لبنان لهزة أرضية بقوة 4،2 درجات على مقياس ريختر، وعلى بعد 5 كيلومترات من الهرمل جنوباً، حتى خرج الخبراء على الشاشات وبثوا الرعب والقلق في نفوس المواطنين العطشى الى معلومة حول ما جرى، خصوصا بعد عاينوا على مدى ثلاثة ايام بالصوت والصورة للنكبة التي اصابت سوريا وتركيا نتيجة الزلزال المدمر.
التخبط في التصريحات وفي تقديم المعلومة العلمية الدقيقة، وعدم الثقة بالمسؤولين اللبنانيين، دفعت ببعض المواطنين الى مغادرة منازلهم والمبيت في الشواع والساحات العامة والطرقات، خوفاً من انهيارها فوق رؤسهم، بعدما جرى الحديث عن ان الهزة حصلت على فالق اليمونة، وبمجرد ذكر اسم هذا الفالق، حتى تذكر اللبنانيين تصريحات سابقة بأنه في حال تحرك هذا الفالق فسيشهد لبنان زلزالاً مدمراً.
الهلع الذي عاشه المواطن اللبناني، ناتج عن فشل لبنان مرة أخرى في مواجهة أي كارثة طبيعية، أو حتى احتمال حدوثها، بسبب سوء التخطيط لإدارة الأزمات على المستويات السياسية والإغاثية والإعلامية.
وبحسب اهل العلم في إدارة الازمات، كان من المفترض إغلاق كل منافذ الاتصال مع الخبراء، لمدة 24 ساعة، والتعامل مع الامر بعقل بارد، والاعتماد على المصادر الرسمية والمتحدثين الحكوميين الذين تم اختبارهم في السابق بتقديم محتوى موجز لا يثير الهلع، أو خبراء يلتزمون بالتعليمات الحكومية والمعلومات الرسمية.
“حقيبة الطوارئ”
فما بين من دعا الى “ضب الشنطة” والتأهب والتوجه إلى أكثر منطقة آمنة في المنزل، وبين من دعا الى الخلود للنوم كما سيفعل هو واولاده، بقي اللبناني “مفنجراً عينه” الى السقف ويده على مسكة الباب.
الانهيار في لبنان الذي انسحب على مختلف المستويات، ترك تأثيره أيضاً على التأخر في تقديم المعلومات، أو تخصيص الفئات ذات الكفاءة والمؤهلة لمخاطبة الناس عبر الإعلام، وهو ما ظهر في تصريحات متناقضة لخبيرين، أحدهما يحاول الطمأنة، والثاني يتحدث عن مخاوف من زلازل، يدل على ان بلد التسرع والعيش على “السكوب”، والتعاطي بسجية مع كافة الازمات، وعدم الخبرة في ادارة الكوارث، وهذه ليست المرة الأولى التي يختبر فيها لبنان هذا الاستخفاف بالتعاطي مع الازمات، بدءاً من كيفية التعاطي قبل سنوات مع كورونا، مروراً بانفجار المرفأ، واليوم في الهزات الطبيعية.
التأهب لمدة 48 ساعة، دعوة جاءت على لسان مديرة المركز الوطني للجيوفيزياء مارلين البراكس بعد هزة الاربعاء، معتبرة ان مثل هذه الهزة لا تحصل عادة في لبنان، مشيرة الى ان الهلع اليوم لا يفيد، وانها جهّزت أمتعتها ووضعت فيها جواز السفر ومبلغ مالي، وانها ستغادر المنزل في حال وقوع اي هزة قوية، وعلى اللبنانيين القيام بالمثل، وتحضير الحقائب.
تصريحات البراكس، أثارت الكثير من الجدل والتفاوت العلمي في قراءة الأمور، وأكد الباحث والأستاذ المحاضر في الجيولوجيا وعلم الزلازل في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور طوني نمر أن الهزة التي سجلت بالأمس حصلت ضمن سياقها الطبيعي، فبعد أن شعرنا بالاهتزاز الكبير منذ 4 أيام نتيجة الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا وسوريا، وكما اهتزت الأبنية كذلك الحال بالنسبة إلى الفوالق والصخور التي اهتزت أيضاً وهي بحاجة إلى بعض الوقت حتى تتوقف.
وعن حالة التأهب لمدة 24 أو 48 ساعة، أكد نمر أنها “علمياً غير موجودة وهي لا تعني شيئاً، كما أن تحضير الحقيبة كان مقاربة خاطئة ولم يكن صحيحاً إعلانها. لذلك أدعو الناس إلى نسيان قصة الحقيبة ومسرحية الرعب التي “عيّشوا العالم فيها” يجب نسيانها والاهتمام بصحة أولادهم النفسية لأن الأخبار المتداولة باتت غير مقبولة”.
الهزة ليست على فالق اليمونة
وفي رأيه، أن “الخوف لن يُغيّر شيئاً، ومن الجيّد أن نعرف أننا في منطقة معرضة للزلازل وليس هدفنا أن نُرعب العالم والعيش في حالة رعب وقلق دائمين، وأن ينام البعض في السيارات خوفاً من الآتي”.
أما بالنسبة إلى ما يُشاع حول زلزال آخر قوي سيضرب لبنان، شدد نمر على أن “كل ما نسمعه يندرج ضمن الفرضيات والتكهنات ولا يمكن لأحد أن يعرف النسبة أو الأرقام في هذا الموضوع. وما نعرفه أننا على خط زلازل طوله 1000 كلم وهذا الخط عبر التاريخ حصلت فيه زلازل كبيرة، صحيح أنها ليست بحجم الزلزال الذي ضرب تركيا، ولكن هذا لا يعني أنه إذا تحرك زلزال كبير في المنطقة على فالق مختلف، أنه سيحدث في لبنان بالضرورة”.
واوضح أن “الهزة التي سجلت بالأمس حصلت على خط فالق مختلف تماماً عن فالق اليمونة، ومن المهم أن نعرف أن فالق البحر الميت عندما يصل إلى لبنان يتفرع إلى عدة فوالق، والهزة التي حصلت بالأمس كانت على أحد هذه الفوالق ولكن ليس على فالق اليمونة. كما من المهم الإشارة إلى أن كل ما يحدث على البر لا خطر في أن يُسبب التسونامي الذي يحدث بعد الزلزال مباشرة وليس بعد عدة أيام من حدوثه”.
من جهته، شرح أستاذ الجيوفيزياء في الجامعة اللبنانية الدكتور عطا الياس، أن “ما قصدته البراكس من أن على كل مواطن تحضير حقيبة للطوارىء لمواجهة الكوارث الطبيعية وفق ارشادات مراكز الإغاثة في العالم والصليب الأحمر الدولي والدفاع المدني”، لافتاً الى ان لدى البراكس مسؤوليات كبيرة وجدت نفسها وحيدة في مواجهتها فيما تخلى عنها المسؤولون في لبنان وعن مسؤولياتهم، واذا كان تقييمها بعد رصد الزلازل، يتوجب وفق القانون على مجلس الدفاع الأعلى إعلان الارشادات وتوجيه الناس لجهة النزول إلى الشارع أو البقاء في المنازل.
واكد أن “لبنان موجود على فوالق كبيرة وحقيبة الطوارىء يجب أن تكون جاهزة ليس اليوم وانما كإجراء بديهي لديموغرافية المنطقة، وهذا لا يعني التوقف عن العيش. يجب أن نعرف كيفية التصرف وأن نستكمل حياتنا بشكل طبيعي وأدعو المسؤولين إلى تحمل مسؤولياتهم”.
ولعل أدق عبارة وصفت فيها حال تضارب المعلومات في لبنان بين أهل العلم، وضياع المواطن وفقدانه الثقة بالجميع، هي ما تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي لجملة الزعيم المصري سعد زغلول الشهيرة، وهو على فراشه حين نظر إلى زوجته صفية زغلول وقال لها: ما فيش فايدة.. غطيني يا صفية، ودبّي الصوت”، عندها كان يقصد الوضع السياسي في مصر في مجمله آنذاك، واليوم يُردد المواطن اللبناني عبارة إذا حصل زلزال او لم يحصل “ما فيش فايدة.. غطيني وصوتي”.