أصول الدولة.. بين الواقع والكلام الشعبوي
موقع العهد الإخباري-
هاني ابراهيم:
عندما تصل الأمور إلى الحد الذي يصبح فيه الكلام عن بيع أو استثمار أصول الدولة مباحًا وعاديًا لا بل حاجة ملحة، يعني أننا نعيش في بلد يعاني من أزمة اقتصادية طاحنة، وأن شبح الانهيار الكلي للدولة بات قاب قوسين أو أدنى، وأن الخطر أصبح حقيقيًا.
لكن السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن القارىء، هو ماذا تعني أصول الدولة؟ وهل يدور الكلام حول بيع تلك الأصول أم استثمارها؟ وقبل ذلك كله، هل هناك دراسات علمية ومتأنية أو أبحاث دقيقة عن تجارب مماثلة؟ هل الكلام حول هذا الأمر يندرج في الاطار الشعبوي غير المدروس أم أصبحنا أمام خيار لا بد منه بالنظر للوضع الحالي في لبنان؟ وأخيرًا، ماذا عن الخطر الناجم عن بيع تلك الأصول إن حصل؟
كلها تساؤلات لا بد من الإجابة عنها لا سيما وأننا أمام خطة تعافٍ يحكى عنها منذ ثلاث سنوات وما زلنا بانتظارها، فهل سيكون الكلام حول أصول الدولة شبيهًا بذلك؟ في البداية سنلقي نظرة على ما يعرف بأصول الدولة.
يقصد بداية بأصول الدولة تلك الشركات المملوكة منها، كالمؤسّسات المالية، العقارات، والبنى التحتية التي تدرّ رسومًا أو مرتبطة بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، والمرافق الحيوية كمرافق الماء والكهرباء والاتصالات وغيرها الكثير.
أما اجراءات بيعها فتكون عن طريق طرح أصول الدولة للبيع بمثابة دعوة لمزاد علني، بمعنى آخر طرح أصول الدولة للبيع لكل من يهمه الأمر وتتوافر فيه الشروط والأهلية والأهم الملاءة لذلك. وتشارك في هذا الاطار كبريات الشركات الاستثمارية العقارية منها والتجارية، والدول الرأسمالية ذات البعد الاقتصادي والسياسي والعسكري حتى وغير ذلك، حيث تملك هذه الشركات والدول معظم ثروات العالم ومنها دول غربية وحتى عربية لا سيما النفطية منها، بالاضافة الى هيئات دولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
لكن اللافت بالموضوع أن التدرج بالعملية وصولًا إلى بيع الأصول يبدأ برفع الدعم فخصخصة الخدمات ومن ثم شراء أصول الدولة اللبنانية. أليس هذا ما يحصل في لبنان حتى الآن؟
إن من أهم المبادىء التي تتحكم بموضوع بيع الأصول هو مبدأ توخي البيع عندما يكون الوقت والسعر الممكن الحصول عليه مناسبًا ومرتفعًا، أما خلاف ذلك فهو الخُسران المبين.
لذا، إن الكلام حول بيع الأصول في الوقت الذي يعاني فيه لبنان ما يعانيه سيكون كالسباحة بعكس التيار ولن يأتي البيع أكله لا الآن ولا في أي حين، خاصة أننا لم نرَ ولم نسمع حتى الآن سوى الكلام الشعبوي الذي لا يقدم ولا يؤخر، فمشاريع كهذه تحتاج الى دراسات جدوى وتقارير وابحاث لا يوجد منها شيء.
أما الاقتراح الآخر فهو استثمار هذه الأصول، لكن ما الذي منع الدولة من الاستثمار في هذه الأصول من قبل؟ أليست الأملاك البحرية من أصول الدولة؟ لماذا لم يتم استثمارها من قبل؟ والأهم من ذلك هل ستنجح الدولة باستثمارها وهي التي فشلت حتى اللحظة بأي ادارة أو استثمار لأي مرفق؟ ومن سيضمن ذلك؟
إن بيع الأصول أو استثمارها دون دراسة أو خطة واضحة ودقيقة هو عبارة عن خصخصة سبق أن اعتمدتها بلدان عانت من عجز في ميزانياتها من جهة، ومن ديون خارجية مرتفعة والاعتماد الكبير على البنك الدولي وصندوق النقد الدولي من جهة أخرى، وكلها تجارب قد انتهت بالفشل، لا سيما أننا نتحدث هنا عن بلدان تشبه في تصنيفها الائتماني إلى حد كبير تصنيف لبنان، مثل الأرجنتين.
لذلك، إن أي استثمار أو بيع لأصول الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر تحت عنوان الخصخصة يجب أن يخضع لدراسة حقيقية ودقيقة، يترافق معها -شأنها شأن باقي الدراسات- الجانب الرقابي والمالي والاداري والمحاسبي مما يجعل الرأي العام هو الفيصل حيث الشفافية هي الأساس، وإلّا فإننا نكرر أنفسنا بتجارب سبق أن فشلت الدولة اللبنانية ببلوغ الهدف المرجو منها كسوليدير والأملاك البحرية وغيرها، وبالتالي سنكون أمام خسارة آخر خط من خطوط الدفاع للدول.
لكن هل فات الأوان أم ما زال هناك أمل في الأفق؟
سبق أن قُدِمت طروحات عديدة على بساط الحل الشامل للأزمة التي يتخبط فيها لبنان منذ أكثر من ثلاث سنوات. ومن هذه الطروحات سلة متكاملة تبدأ على سبيل المثال وليس الحصر بالتشريعات الضريبية الموحدة، والجباية، وغيرها وصولًا إلى مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص حتى خطة التعافي وما تتضمن من تشريعات واصلاحات وغيرها دون اللجوء إلى بيع الدولة أصولها.
فلنبدأ بحل معضلة الكهرباء في لبنان كما فعلت العديد من الدول. ففي العام 2014 نفذت مصر مشاريع للطاقة بانتاج ما قيمته 16.5 غيغاوات من خلال شركة سيمنز(Siemens) أي أربع مرات حاجة لبنان من الكهرباء خلال عامين. ما الذي يمنع لبنان من ذلك؟
إن ما يجب التوقف عنده في مواجهة ما يروّج له تارة من بيع للأصول وطورًا من بيع لاحتياطي الذهب هو الذهاب فورًا لإحداث إصلاحات جدية لا عرض أصول الدولة للبيع بالرخص، فيستفيد منها حديثو النعمة، والخاسر الأكبر دائمًا الشعب وهذه المرة مضافًا إليه أصول لبنان واللبنانيين، فننتهي إلى المكان الأسوأ على الاطلاق.