«أستانا» بجولتها العشرين بين التحديات والتفاؤل الحذر
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
انعقدت محادثات «أستانا» بجولتها العشرين خلال يومي الثلاثاء والأربعاء 21 و22 من شهر حزيران الحالي، وسط جملة من التطورات والأحداث المتداخلة، كان أبرزها عودة سورية لشغل دورها في مؤسسات الجامعة العربية والتقارب السعودي الإيراني الذي توج بزيارة وزير الخارجية السعودي إلى طهران قبل أيام من عقد هذه الجولة لافتتاح سفارة بلاده هناك.
ولكن النقاط المهمة الواجب إبرازها في هذا السياق، التي تعد بمنزلة مؤشرات إيجابية سبقت حصول هذا الاجتماع تجلت في:
أولاً- التقارب السعودي الإيراني، من شأنه أن ينعكس من دون أدنى شك بشكل إيجابي على الملف السوري، وخاصة إن السعودية وإيران لهما موقف مشترك فيما يتعلق بالانسحاب التركي من سورية، وهو ما قد يعزز الموقف السوري، ويساهم في احتمال انضمام السعودية ومصر لإطار الدول الضامنة لـ«مسار أستانا» لاحقاً.
ثانياً- صحيح أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي تحدث في السابق عن أن هناك تنسيقاً عربياً مع الولايات المتحدة الأميركية في إطار الحراك العربي تجاه سورية، إلا أن الآليات والأهداف تبدو مختلفة وقد تضاربت، والدليل على ذلك مسارعة الإدارة الأميركية لتبني قانون يمنع التطبيع مع سورية وتلويحها بفرض عقوبات قاسية، فضلاً عن رفض الاتحاد الأوروبي عقد اجتماع مع الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية بسبب إعادة سورية للجامعة العربية والانفتاح العربي تجاهها، بما يؤكد اتساع الخلاف الناجم عن تناقض الأهداف والغايات والتوجهات المواقفية بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من جانب، والدول العربية من جانب آخر، حتى إن صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية عبرت عن خيبة أملها من تراجع النفوذ الأميركي في المنطقة.
ثالثاً- عودة واشنطن لاستخدام السياسات التكتيكية القديمة في سورية لتبرير وجودها، مثل توظيف داعش الإرهابي وإعادة هيكلية التنظيمات المسلحة ومحاولة ربطها على شكل هلال متصل يربط وجودها في منطقة التنف في الجنوب الغربي من سورية إلى مدينة إدلب مروراً بمناطق سيطرة ميليشيات «قسد» في المنطقة الشرقية من سورية، إلى جانب طرحها رؤية تتضمن إعادة هيكلية «قسد» بهدف استقطاب العشائر العربية وزيادة دورهما وتمثيلهما داخل ما يسمى «الإدارة الذاتية»، هذه السياسات التي تسارعت وتيرة أحداثها مؤخراً، تؤكد أن واشنطن بدأت تتلمس جدية الدول العربية ولاسيما السعودية بالانفتاح على سورية، إلى جانب مخاوفها من تمكن روسيا من تحقيق خرق على مستوى العلاقات السورية التركية وهو ما قد يزيد من تأزم الموقف الأميركي قبل موسم الانتخابات الرئاسية، فإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إن قررت الانسحاب من سورية تكن بذلك قد منحت الجمهوريين المزيد من الفرص لاتهامها بإضعاف وجود ونفوذ الولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط» بعد انسحابها من أفغانستان، وإن قررت البقاء والمواجهة فستكون أرواح الجنود الأميركيين عبئاً ثقيلاً في صناديق الانتخابات.
وهو ما دفع واشنطن للتلويح بالتصعيد ضد روسيا في سورية، بعدما أعلنت القيادة المركزية الأميركية «سينتكوم»، في بيان، وضع «السرب 94 الجوي الذي يضم طائرات من نوع F22 Raptor تحت سلطة القيادة الأميركية الوسطى (الشرق الأوسط)، لتأمين التفوّق الجوي الأميركي في المنطقة»، إذ لا يمكن قراءة هذا الإعلان إلا على أنه خطوة تصعيدية أميركية جديدة بعد سلسلة خطوات سابقة تصعيدية من حيث إدخال معدات جديدة وإعادة هيكلية التنظيمات المسلحة.
رابعاً- إجراء جولة جديدة من اللجنة الرباعية على مستوى نواب الخارجية التي تضم كلاً من الدول الضامنة لـ«مسار أستانا» وهم روسيا الاتحادية والجمهورية الإسلامية وتركيا إضافة للوفد الحكومي السوري على هامش الاجتماع، وهي ما يؤكد نقطتين أساسيتين، أولهما تمسك دول «أستانا» بهذا المسار وعدم الثقة بالمسار الدولي الذي تقوده واشنطن عبر الأمم المتحدة في جنيف، والثاني تراجع النفوذ والتأثير الغربي بحل الأزمات الكبرى.
صحيح أنه قد لا يعول الكثير على مخرجات الجولة العشرين أو رفع سقف التوقعات السياسية وفق وصف الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، لكون طريق التسوية طويلة للغاية، ولكون ظروف التسويات والمصالحات الإقليمية لم تنضج بالكامل، ولكون الموقف السوري مازال صلباً ومتمسكاً بمطالبه من حيث ضرورة الانسحاب التركي من الأراضي السورية ووقف دعم التنظيمات المسلحة، كخطوة حقيقية لإعادة العلاقات، وهو ما دفع تركيا مؤخراً للقيام بعمليات عدوانية استهدفت «قسد» في عدد من مناطق الشمال السوري لإحراج الدولة السورية وإيجاد المبرر لبقاء القوات التركية داخل الأراضي السورية.
لذلك قد نشهد نوعاً ما ترجمة بعض الطروحات التي تضمنتها مسودة تطبيع العلاقات التي تحدث عنها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف وقدمها لرؤساء الوفود، متضمنة ربما حلولاً تنص على ضرورة العودة لاتفاق أضنة والبحث في تعديل بعض بنوده، وأن يكون الانسحاب التركي على مراحل وضمن فترات زمنية متفق عليها بضمانة روسيا وإيران، وإقامة نقاط مراقبة مشتركة بين الأطراف الأربعة إلى جانب ملفات تتعلق بمحاربة الإرهاب وعودة اللاجئين والانسحاب من طريق m4، وقد يكون التحشيد السوري مقابل الانسحاب الجزئي التركي هو جزء من اتفاق عودة الطريق للعمل، والتعاون الاقتصادي، فضلاً عن استئناف عمل لجنة مناقشة الدستور بعاصمة غير جنيف بعد كسر سويسرا لحيادها الدولي، والدعوة لدخول مباحثات مباشرة بين الحكومة السورية والمعارضة.
التحديات الماثلة أمام نجاح «أستانا» بجولتها العشرين، تكمن في عاملين: الأول هو مدى التزام النظام التركي في تنفيذ التزاماته من دون مماطلة وخاصة بعد نجاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالحفاظ على السلطة في بلاده بعد الانتخابات التي جرت في أيار الماضي، أما التحدي الثاني فيبرز في الموقف الأميركي الأوروبي من التطورات المتسارعة الخارجة عن مصالحهما، وكيفية التعامل معها في ظل وضع ثقلهما الكامل في إطار الصراع مع روسيا ضمن الجغرافية الأوكرانية.