أسباب قبول الأسد بالاتفاق الكيماوي مع الغرب
موقع جراسا الإخباري الأردني:
أثار إعلان النظام السوري وضعه للسلاح الكيماوي تحت رقابة دولية عاصفة من ردود الفعل و التحليلات بين من يرى أنه تراجع سوري وانتصار أمريكي وبين من يرى أنه حنكة سياسية سورية أفشلت مخططا لعدوان أمريكي.
ولتحليل الحدث وفهمه علينا تسليط الضوء على كامل المشهد:
أولا: على رغم استعداد سوريا وحلفاءها لأي عدوان أمريكي، وعلى الرغم من أن المنطقة كانت ستشتعل إلا أنه لا مصلحة لأحد في اندلاع حرب إقليمية شاملة قد تتطور إلى حرب عالمية، لا لمحور المقاومة و لا لأمريكا و إسرائيل، فالدمار سيعم المنطقة و سيكون لهكذا عدوان تداعيات خطيرة قد تأخذ العالم إلى حرب عالمية ثالثة.
وعليه فإيجاد تسوية هو مصلحة لجميع الأطراف.
ثانيا: إعلان النظام السوري لوضعه لسلاحه الكيماوي تحت رقابة دولية يعطي أمريكا الحجة التي تبحث عنها للتراجع عن خطوة وجدت نفسها وحيدة في الإقدام عليها، كما أنها خطوة محفوفة بالمخاطر باعتراف خبراء عسكريين أمريكيين، لذا كان لا بد من إخراج معين لسيناريو التراجع عن الضربة الأمريكية.
وما يرجح هذا الاحتمال أمران:
ـ مسارعة الدول الأوربية إلى إعلان ارتياحها للاقتراح الروسي فورا مما أشعرنا بأنها كانت كالغريق الذي رمي له طوق نجاة.
ـ قبول الولايات المتحدة بالاتفاق و هي التي كانت تستطيع رفضه أو إضافة شروط تعجيزية عليه لو أرادت شن العدوان.
نعم، لقد كان الرئيس الأمريكي في موقف محرج جدا.. فهل هناك أكثر من تخلي بريطانيا عنه؟ لقد تحول الرئيس الأمريكي إلى قط محبوس في زاوية الغرفة، كان لا بد من إفساح المجال له كي يهرب و إلا فإن هجومه كان ممكنا جدا رغم إدراكه بخطورته.
ولكن، هل كان هذا الاتفاق الذي قبلت به سوريا هو تراجع و خسارة كبيرة لمحور المقاومة؟
الجواب هو لا بالتأكيد، ولعدة أسباب:
1- تفادي حرب إقليمية تدمر ما تبقى من سوريا هو مصلحة وطنية سورية عليا.
2- الاتفاق هو ليس على تسليم السلاح الكيماوي و إنما هو على وضعه تحت المراقبة الدولية، أي أن السلاح يبقى لسوريا في داخل سوريا و هناك مراقبون دوليون يتأكدون من عدم استخدامه وهذا ليس بالأمر السيئ:
– يمكن للنظام متى أراد أن يطلب من المراقبين المغادرة و استعمال هذا السلاح في حال لزم استخدامه في أي حرب مقبلة.
– ستنتهي شماعة الكيماوي الذي تستخدمه بعض القوى لاتهام النظام باستخدامه، وعندها سيكون أي استخدام للسلاح الكيماوي هو استخدام من طرف المعارضة و للنظام مصلحة في ذلك.
3- السلاح الكيماوي هو ليس سلاحا قتاليا تخاض به الحروب و إنما هو سلاح ردعي و هو لردع إسرائيل عن استخدام سلاحها النووي في أي حروب مستقبلية فقط لا غير.
ـ لم يستخدم السلاح الكيماوي في حرب 1967
ـ لم يستخدم في حرب 1973
ـ لم يستخدم في حرب لبنان الثمانينات
ـ لم يستخدمه حزب الله لتحقيق انتصاره عام 2006.
ـ لم يستخدم في العراق لهزيمة أمريكا
ـ ولن تستخدمه سوريا في أي مواجهة مع إسرائيل.
التخوف الإسرائيلي الحقيقي هو من الجيش السوري وحزب الله ومن الصواريخ السورية و ليس من الكيماوي السوري الذي لم يستخدم أبدا و لن يستخدم أبدا.
والتهديد السوري العسكري لإسرائيل كان دائما بالصواريخ السورية و ليس بالسلاح الكيماوي.
وجميع معارك العرب مع الاحتلال الإسرائيلي تم خوضها بالسلاح التقليدي.
قد يقول قائل بأن هذا قد يكون بوابة لتدخلات أكبر كما حدث في العراق أو ليبيا، وهنا علينا توضيح ثلاث فروقات جوهرية بين الحالة السورية و الحالتين العراقية – الليبية:
1- الدولتان كانتا بمفردهما و لم تكونا حجر الزاوية لمحور يمتد من موسكو شمالا الى الصين جنوبا ومن طهران شرقا إلى لبنان غربا كسوريا.
2- الدولتان لم يكن لديهما حلفاء أقوياء يرتبطون بهما استراتيجيا كإيران و وجوديا كحزب الله.
3- الدولتان لم يكن لديهما جيش قوي أو أسلحة حديثة كما هو الوضع في الحالة السورية.
4- الدولتان لم تكونا ملاصقتين لإسرائيل كما سوريا و لبنان مما يشكل تهديدا مباشرا للكيان الصهيوني حيث يمكن لأي نوع صواريخ مهما كان بدائيا أن يستهدف الكيان الصهيوني.. في حالة العراق، لم يكن صدام يمكنه سوى إطلاق صواريخ بالستية تحتاج إلى فترة زمنية كبيرة حتى تصل إلى الكيان الصهيوني مما يسهل عملية رصدها وإسقاطها قبل وصولها إلى الهدف.
ولهذا ومن كل ما تقدم سابقا، نرى أن وضع هذا السلاح غير القابل للاستخدام تحت رقابة دولية لتجنيب سوريا و المنطقة و العالم ربما حربا لا تبقي و لا تذر هو نصر سوري.
و نرى أن إفشال مخططات دول خليجية متآمرة تسعى لتدمير سوريا هو نصر سوري.
و نرى أن إفشال مخططات إسرائيل بتصادم سوري – أمريكي هو نصر سوري.
ما دام الجيش والصواريخ البالستية والقدرات الصاروخية هي التهديد الحقيقي للكيان الصهيوني، إضافة الى ثمن كبير ربما قدمته روسيا لكي تحصل على هذا التنازل، كتسليم صواريخ إس 300 أو أسلحة متطورة أخرى إلى سوريا.
ومع هذا الاتفاق تصبح إمكانية التدخل العسكري الخارجي في سوريا معدومة تماما في المستقبل، مما سيجبر الولايات المتحدة على فتح باب المفاوضات الجدية مع النظام السوري الذي أصبح واضحا جدا أنها غير قادرة على إسقاطه بأدواتها الداخلية.