أزمة سياسية حادة في الولايات المتحدة
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
ترتبط الأزمة التي تعانيها الولايات المتحدة حالياً بسياسة الهجرة التي تنتهجها الإدارة الحالية، حيث يعبر العديد من المهاجرين الحدود مع المكسيك، ففي تشرين الثاني وحده، كانت هناك حوالي 250 ألف محاولة لعبور الحدود الجنوبية. سيطلب معظم الوافدين الجدد اللجوء في أمريكا، الأمر الذي سيتطلب منهم الانتظار سنوات لاتخاذ قرار بشأن طلباتهم. وكان أكثر من 3.1 ملايين شخص قد عبروا الحدود منذ أن أصبح بايدن رئيساً. وقد وصل ما لا يقل عن 1.7 مليون شخص دون أن يتم اكتشافهم أو تجاوزوا مدة تأشيراتهم.
تتأثر ولاية تكساس بشكل خاص بتدفق المهاجرين غير الشرعيين، وتحتل مكانة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعدّ الثانية من حيث المساحة، والثانية بعد كاليفورنيا من حيث عدد السكان 30 مليون نسمة. وهي أحد مراكز الزراعة الأمريكية والنفط والغاز والصناعات الكيماوية والمؤسسات المالية. في عام 1836، انفصل سكان تكساس عن المكسيك وأعلنوا الجمهورية، التي تم الاعتراف بها دولياً. وبعد الحرب الأمريكية المكسيكية في أواخر الأربعينيات، انضمّت تكساس إلى الولايات المتحدة. وفي الأيام القليلة الماضية، أقام الحرس الوطني في تكساس سياجاً من الأسلاك الشائكة بالقرب من الحدود مع المكسيك لمكافحة الهجرة غير الشرعية. وقد اشتكت الإدارة الأمريكية من ذلك إلى المحكمة العليا، التي أمرت بدورها بإزالة السياج.
منعت قوات الولاية وصول الدوريات الفيدرالية، التي سمحت لها المحكمة برفع الأسلاك الشائكة. وأعلن حاكم تكساس غريغ أبوت تصدّيه لقرار المحكمة العليا برفع أسلاك شائكة أمر هو بوضعها على الحدود لمنع غزو المهاجرين غير الشرعيين على حدّ وصفه. وشدّد على أن تكساس ستتبع سياستها الخاصة لأن السلطات الفيدرالية فشلت في تأمين الحدود. وتتخذ الولاية تدابيرها الخاصة لمكافحة الهجرة غير الشرعية، حيث أصدرت قانوناً يسمح باعتقال وسجن الأشخاص المشتبه في عبورهم الحدود بشكل غير قانوني.
وقد حظيت تصرّفات أبوت بدعم الحكام الجمهوريين لـ25 ولاية أمريكية، الذين أصدروا بياناً اتهموا فيه الرئيس جو بايدن بعدم الرغبة في مكافحة الهجرة غير الشرعية، وقالوا في البيان: “إننا نفعل ذلك جزئياً لأن إدارة بايدن ترفض تطبيق قوانين الهجرة المعمول بها بالفعل وتسمح بشكل غير قانوني بالإفراج المشروط الجماعي في جميع أنحاء أمريكا عن المهاجرين الذين دخلوا بلادنا بشكل غير قانوني”. ونتيجة لذلك بدأ العديد من حكام الولايات في إرسال وحدات الحرس الوطني إلى تكساس، وحظيت تصرّفات هؤلاء الحكام بدعم قوي من الرئيس السابق دونالد ترامب.
تعرب وسائل الإعلام في تكساس بشكل متزايد عن الفرضية القائلة: بما أن الحكومة الفيدرالية لا تقوم بعملها ولا تسمح للآخرين بالقيام بعملهم، فمن الأفضل أن تصبح مستقلة مرة أخرى، وخاصة أن اقتصاد تكساس يساوي اقتصاد كندا بأكملها.
استخدمت ولاية تكساس أموالها الخاصة لبناء 60 كيلومتراً من سياج الأسلاك الشائكة. وطالب نائب حاكم تكساس دان باتريك بايدن بالابتعاد عن الطريق. وأصدر الرئيس الأمريكي تعليماته لولاية تكساس بالتوقف عن الاستيلاء على الحدود، ورداً على ذلك، قال المدعي العام لولاية تكساس: إن بايدن يتعاون مع عصابات المخدرات المكسيكية التي تريد حدوداً شفافة.
ويشير عدد من المراقبين الأمريكيين إلى أن جوهر المشكلة يكمن في رغبة الإدارة الأمريكية في تخصيص عشرات المليارات من الدولارات دعماً لأوكرانيا بدلاً من تحسين حدودها، ونتيجة لذلك بدأت الصحافة الأمريكية في الكتابة عن احتمال نشوب حرب أهلية.
تتزايد الأزمة الحالية بسبب الإدانة المتزايدة لتصرّفات واشنطن فيما يتعلق بدعم البيت الأبيض للمجازر التي ترتكبها “إسرائيل” ضد الفلسطينيين. وفي هذه الظروف، فإن قرار محكمة العدل الدولية الصادر بتاريخ السادس والعشرين من شهر كانون الثاني الماضي بشأن شكوى جنوب إفريقيا حول انتهاك “إسرائيل” اتفاقية الإبادة الجماعية قد صبّ الزيت على النار. وأمرت المحكمة، في حكمها، “إسرائيل” بعدم ارتكاب أعمال إبادة جماعية وعدم السماح لأي شخص بارتكابها، وعدم السماح بالدعوات العامة إلى الإبادة الجماعية ومعاقبة المسؤولين عن هذه الدعوات، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة على الفور، واستئناف الخدمات العامة.
وقد نظر العالم إلى هذا الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية ليس فقط على أنه إدانة لتصرّفات قوات الكيان الإسرائيلي المحتل، بل باعتباره أيضاً ضربة لسياسة الولايات المتحدة، التي تتغاضى فعلياً عن إبادة السكان الفلسطينيين.
من الجدير بالذكر أن العديد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين، أي المؤيّدين رسمياً لبايدن، أرسلوا له، وإلى مكتب محاسبة الحكومة، رسالة تتعلق بمراجعة عمليات نقل الأسلحة الأمريكية إلى “إسرائيل” وذلك لأن استمرار عمليات نقل الأسلحة إلى “إسرائيل” ينتهك القانون الأمريكي والدولي بشكل صارخ، وتستخدم في ارتكاب جرائم حرب. ومن المعروف أن عدداً من المسؤولين الأمريكيين قد تركوا الحكومة احتجاجاً على التستر على العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.
في 26كانون الثاني، بدأت دعوى مدنية تتهم الرئيس الأمريكي وغيره من كبار المسؤولين الأمريكيين بالتورّط في “الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة” في محكمة اتحادية في كاليفورنيا، ويقوم بمقاضاتهم عدد من منظمات حقوق الإنسان بتهمة “الفشل في منع الإبادة الجماعية التي تتكشف”، وتورّط الحكومة الإسرائيلية فيها.