أزمة النزوح السوري بين الكيدية والواقعية
موقع العهد الإخباري-
فاطمة سلامة:
منذ سنوات، يُطالب حزب الله المعنيين في لبنان بضرورة حل أزمة النازحين السوريين عبر تأمين العودة الآمنة والطوعية لهم. عرَضَ الحزب كل إمكاناته في تصرف المعنيين للمساعدة بعدما بات هذا الملف يشكّل جزءًا من الأزمة التي يعيشها لبنان. إلا أنّ البعض كان يُقارب القضية بكيدية ويحمل “شماعة” “الإنسانية” كغطاء لتنفيذ أجندات سياسية لا تحمل الخير لهذا الوطن. أجندات تبدو المنظمات الدولية وغير الحكومية فاعلة في تنفيذها لإبقاء النازحين في لبنان. وهو واقع يؤكّده كل ما يُنقل عن هذه المنظمات في سياق سياسة الترهيب والترغيب للسوريين لإبقاء هذا الملف معلقًا دون حل.
لدينا نحو مليونين و200 ألف نازح سوري
قبل أيام، وبين ليلة وضحاها، بات ملف النازحين السوريين في الواجهة. مُطالبات كثيرة برزت من أجل إعادتهم الى بلدهم. مسؤول ملف النازحين في حزب الله النائب السابق نوار الساحلي يستغرب كيف تحوّل ملف النازحين السوريين في البلد ــ خلال الأسبوعين الأخيرين ــ وبسحر ساحر الى أولوية لدى البعض. الأمر يبدو إيجابيًا، فمن المهم أن يكون هذا الملف أولوية، لكن كيف بات كذلك؟ ولماذا في هذا التوقيت؟ لا أحد يعلم. يُشدّد الساحلي على أنّ ملف النازحين بات من الملفات القليلة التي تحوز على توافق في البلد. صحيح أنّ البعض ربما يستخدم أسلوبًا قاسيًا لكن هناك توافق وطني على أنّ ثمّة أزمة كبرى وأساسية في البلد تتمثّل بوجود نحو مليونين و200 ألف نازح سوري على الأراضي اللبنانية.
مشاكل بالجملة جراء وجود النازحين
لدى حديثه عن ضرورة عودة النازحين يحرص الساحلي على انتقاء الكلام جيدًا بعيدًا عن لغة العنصرية والكيدية التي يستخدمها البعض. يُبدي محبته الكبيرة للسوريين، فهم أقرب الناس الى اللبنانيين ولا يوجد عائلة لبنانية إلا ولها شيء في الداخل السوري. لكن في المنطق والعقل يستحيل لبلد لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة أن يستوعب مليوني نازح وما فوق. لا يقدر أي بلد في العالم مهما كان غنيًا أو حضاريًا أن يستوعب 40 بالمئة من عدد سكانه من جنسية أخرى أو من النازحين. وعليه، فإنّ وجود النازحين السوريين يشكل خطرًا داهمًا يتطلّب من اللبنانيين جميعًا أن يتوحدوا لمجابهته.
يسرُد الساحلي مجموعة المشاكل التي يُرخيها وجود النازحين على الداخل اللبناني. هناك عشرات الأسباب التي تجعل من العودة ضرورة حتمية. الناحية الاجتماعية على رأس الأسباب التي تتنوّع ما بين الضغط الحاصل على الاقتصاد والمنافسة على اليد العاملة، الطبابة، الاستشفاء، تفشي الجريمة، والبنى التحتية. النقطة الأخيرة تشكّل أزمة الأزمات. كيف يمكن لبلد يعاني من أزمات في البنى التحتية أن يستوعب ضغطًا إضافيًا لمليوني شخص على شبكات المياه والكهرباء وما الى هنالك؟.
مئات الآلاف من الولادات السورية في لبنان غير مسجّلة
وفي سياق حديثه، يتطرّق المتحدّث الى قضية التعليم. البعض يُطالب بدمج الطلاب اللبنانيين والسوريين. برأيه، فإنّ هذا الأمر خطير. الدمج هو نوع من التحضير للتوطين، وهذا ليس في مصلحة اللبنانيين بغض النظر عن الموضوع الديمغرافي الذي لا يتدخل به حزب الله. “نحن نتحدّث من منطلق وطني جامع لكل الطوائف والمناطق، فدمج الطلاب وإعطاء المنهج اللبناني للسوريين خطأ”. يجب أن نُصر على أن يكون المنهاج سوريًا لأنّ هؤلاء السوريون سيعودون الى بلدهم في نهاية المطاف. أزمة أخرى تعتري ملف النازحين في لبنان تتمثّل بمشكلة الأحوال الشخصية والولادات غير المسجلة. الإحصاءات بيّنت أن مئات الآلاف من الولادات السورية غير مسجّلة، فكيف سيذهب هؤلاء الى سورية؟ كيف ستستقبلهم السلطات السورية اذا لم يكن معهم هوية ووثيقة ولادة؟.
يعود الساحلي ويُكرّر أنّ أزمة النزوح السوري يجب أن تكون أولى أولويات الحكومة سواء الحالية ــ ولو كانت مستقيلة ــ أو المقبلة بعد انتخابات الرئاسة. الحكومة الحالية بدأت على الخُطى الصحيحة بتشكيل لجنة وزارية لمتابعة قضية النازحين وتكليف الأمن العام اللبناني بهذا الموضوع. وهنا يقول الساحلي “كان لي الشرف أن زرت الأمن العام اللبناني وأعلنت استعداد حزب الله لتقديم أي مساعدة تراها الحكومة والأمن العام فاعلة”. طبعًا نحن لسنا “رديفين” للدولة ولا نحل مكانها ــ يضيف الساحلي ــ ولكن أعلنّا استعدادنا للمساعدة انطلاقًا من الخبرة التي نمتلكها بعد أن عملنا بهذا الملف منذ عام 2016.
لبنان تأخر ما لا يقل عن 5 سنوات عن متابعة هذه القضية
ولدى حديثه عن تأخر لبنان عن متابعة قضية النازحين، يستعين الساحلي بالمثل الفرنسي “أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي أبدًا”. لبنان تأخر سنوات عن التحرك في هذا الملف. النزوح بدأ منذ 12 عامًا، ومنذ ما لا يقل عن 5 سنوات باتت الأجواء مؤاتية للعودة، اذ إنّ 90 بالمئة من المناطق باتت آمنة وتحت سيطرة الدولة. وفي هذا الإطار، يُطمئن الساحلي، من خلال علاقتنا مع السوريين تبيّن أن لا نية لدى الدولة السورية بمحاسبة أي مخالف أو معارض للرأي في سورية. طبعًا من ارتكب جرمًا سيُحاسب لدى القضاء السوري وليس اللبناني، ولكن من لديه معارضة وخلاف بالرأي مع الدولة السورية فمرحّب به في سورية، ولم يتبيّن أن أحدًا عوقب في هذا السياق.
أمام هذا الواقع والظروف المؤاتية لماذا لا يعود السوريون الى بلادهم؟. الإجابة عن هذا السؤال تبدو معروفة ويؤكّدها الساحلي بقوله: “ثمّة تشجيع من قبل المنظمات الدولية على إبقاء السوريين في لبنان وهذه معضلة أساسية”. يشدّد الساحلي على أنّ ما يمنع عودتهم هو تشجيعهم على البقاء في لبنان من قبل الجهات والمنظمات الدولية والمفوضية “السامية” للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) لتحفيزهم على البقاء بمساعدات مالية. مقابلة أي نازح سوري كفيلة بالدلالة على هذه الحقيقة. لدى سؤال أي نازح ما المساعدات التي تتلقّاها؟ يجيب بأنه يتلقى مساعدات غذائية ومالية نهاية كل شهر، مع الإشارة الى أنّ جُل النازحين لديهم مورد رزق من العمل. وفي هذا السياق يستذكر الساحلي ــ بعيدًا عن الكيدية ــ كلام محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر عندما أشار الى أنّ “راتبه أقل من راتب النازح السوري في لبنان رغم أنه موظّف فئة أولى ويتقاضى أعلى راتب في فئة الموظفين”.
خطورة القضية تستدعي توحد الجميع
خطورة قضية النازحين تستدعي الجميع للتوحد، يقول الساحلي. برأيه، يجب أن يكون في لبنان موقف موحّد ضد المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية. الجهات المانحة تشجّع النازحين على البقاء في لبنان إما لغاية في نفس يعقوب أو للضغط على لبنان سياسيًا، وهذا جزء من الضغط الأميركي اذ لا يوجد شيء ظاهر ومُقنع للبقاء. وعليه، يرى الساحلي أنّ الحل يكمن في ترك هؤلاء النازحين للعودة الى ديارهم ومساعدتهم داخل بلدهم لأنّ الوضع الاقتصادي ضاغط. وفق حساباته، ما ستدفعه الجهات المانحة لهؤلاء النازحين في سورية أقل من النصف خاصة أن مقوّمات العيش من كهرباء ومياه متوفرة في سورية أكثر من لبنان.
لا يُخفي الساحلي أنّ الموضوع سياسي بامتياز وليس إنسانيًّا أو له علاقة بحقوق الإنسان كما يدّعي البعض. لا بد من حل هذا الملف بالتنسيق مع الحكومة السورية وبالضغط على المؤسسات الدولية، وعلى رأسها الـ UNHCR خاصة بعد أن انتشرت بعض الأقاويل التي تشير الى تعرض النازحين الى تهديد وترغيب من قبل بعض المنظمات التي أوهمتهم أنّ العودة الى سورية غير آمنة، وهدّدتهم بأنّهم لن يدفعوا أي مساعدة لهم في حال عادوا الى بلدهم، وهذا أمر خطير.
زيارة الوفد اللبناني لسورية يجب أن تكون على أعلى مستوى
ثمّة قناعة تامة لدى الساحلي بضرورة أن يكون هناك ضغط على المؤسسات والدول الغربية لأنّ ثمّة أهدافًا غريبة ومريبة في هذا الملف الذي لم يعد يحتمله لبنان. الأخير وصل الى مرحلة بات فيها ملف النزوح أحد أسباب الأزمة التي نعيشها. وعليه، يرى الساحلي أنّ الوفد الوزاري اللبناني حكمًا سيزور سورية، ولكن الزيارة يجب أن تكون على أعلى مستوى. للأسف، ليس لدينا رئيس جمهورية لكن ينبغي لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي زيارة سورية ولقاء الرئيس بشار الأسد ليكون التنسيق على أعلى مستوى تمهيدًا لحل هذه القضية العالقة.