أزمة «المستقبل» الداخلية باقية وتتمدّد
صحيفة الديار ـ
ماهر الخطيب:
لم يكن ينقص تيار المستقبل إلا ملف النفايات ليزيد من الطين بلة، وسط الأزمة المالية الحادة التي يمر بها على الصعيد الداخلي، والتي تترجم من خلال عجزه عن دفع رواتب موظفيه بشكل منتظم منذ أشهر طويلة، بالإضافة إلى عدم قدرته على القيام بأي مبادرة تسمح له بالخروج من موقع المتهم على الساحة اللبنانية، نظراً إلى أن أغلب القوى السياسية تعتبر أن معظم الملفات العالقة متوقفة عنده.
الصراع الداخلي بين بعض الشخصيات القيادية في التيار، لم يعد وحده مصدر القلق على تركيبة المستقبل، بل بات من الواضح أن أزمة النفايات فجرت خلافاً كبيراً بين مسؤولي ونواب المناطق المختلفة، حيث دفعت المصالح كل منهم إلى الدفاع عن منطقته، فبرز موقف إقليم الخروب والشمال في مواجهة العاصمة بيروت.إنطلاقاً من ذلك، تشدد مصادر نيابية في كتلة المستقبل، على أن الموضوع أكبر من أزمة النفايات الحالية، فهو يمتد عملياً إلى طريقة التعامل مع المناطق الواقعة خارج بيروت، التي تتذكرها القيادات المركزية عندما تحتاج لها، إنتخابياً أو في أمور أخرى، لكن بعد ذلك تغيب كل الوعود بإقامة مشاريع إنمائية، وتضيف: «الإنفجار الذي حصل في الأيام الأخيرة لم يكن من الممكن ضبطه، فهل من الممكن أن تتحول عكار بعد سنوات طويلة من الحرمان إلى مجرد مكب للنفايات؟»، لتجيب: «هذه الأزمة كانت لتكون الحد الفاصل مع القواعد الشعبية في عكار وإقليم الخروب، لأن بعدها لم يكن من الوارد أن نجدها جنبنا بأي شكل من الأشكال».
على صعيد متصل، تتطرق هذه المصادر إلى طريقة تعامل رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط مع الأزمة، حيث أكد في أكثر من مناسبة إمكانية إقناع الحزب التقدمي الإشتراكي المواطنين في طمر جزء من النفايات في كسارات ضهر البيدر، وتشير إلى أن النائب جنبلاط قادر على هذا الأمر، كونه سيضغط من أجل تأمين المقابل لهم كما حصل مع القرى والبلدات المحطية بمطمر الناعمة قبل نحو سنة، لكنها تشدد على أن الثقة باتت معدومة بين قيادة المستقبل وجمهورها لعدة أسباب، لم تكن النفايات إلا جزءاً بسيطاً منها.
وتلفت هذه المصادر إلى أن القاعدة الشعبية لم تعد تخجل باتهام القيادة الزرقاء بالخيانة والتخاذل، وتؤكد أن هذا الأمر واضح عند أي مراقب يتابع الأوضاع على الساحة السنية، لا سيما مع بروز نجم منافسي التيار في أكثر من مكان، نظراً إلى قدراتهم على تقديم خطاب سياسي يتناغم مع الجمهور مع جهة، ناهيك عن الإمكانيات المادية التي لديهم في وقت يعاني فيه المستقبل على هذا الصعيد، وتشير إلى أن جميع الإستحقاقات التي حصلت مؤخراً تؤكد هذا التوجه لدى الشارع.
من جهة ثانية، تشير مصادر نيابية من الكتلة نفسها، إلى أن الخلل تنظيمي داخلي بالدرجة الأولى، وهو ليس بجديد على الإطلاق إلا أن سببه الرئيسي يعود إلى غياب الرأس، أي رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن الساحة اللبنانية، في وقت فشلت القيادات الأخرى في إثبات قدرتها على أن تكون جامعة في هذه المرحلة الدقيقة على مختلف المستويات، فبات لدى كل منها فريقها الخاص الذي يدور في فلكها مقابل أخرين يدرون في فلك شخصيات أخرى تبحث عن دور لها، وتضيف: «يمكن القول بشكل جازم بأن الكل فاتح على حسابه، ويتصرف كما يحلو له من دون أي تنسيق على المستوى الوطني».
بالنسبة إلى هذه المصادر ليس هناك من أي أفق للخروج من هذا النفق المظلم، وترى أن أي أزمة جديدة ربما تظهر الإنقسامات إلى العلن بشكل أوضح، خصوصاً أن بعض الشخصيات تعمل على نصب المكائد لتلك التي تنافسها، لكنها تشدد على أن البحث عن حلول عملية وجذرية بات أكثر من ضروري، خصوصاً أن حالة التململ الشعبي أصبحت واضحة جداً، ومن الممكن أن تتعاظم إذا ما إستمر الوضع على ما هو عليه اليوم، وتؤكد بأن الجميع سيدفع الثمن غالياً من وراء ذلك، لا سيما أن المستقبل لم يعد اللاعب الوحيد على الساحة، بل هناك منافسون أقوياء له ينتظرون أي خطوة ناقصة منه.
في معرض بحثها عن حلول منطقية يمكن الإرتكاز عليها من أجل الإنطلاق في مرحلة جديدة، ترى أوساط قيادية في تيار المستقبل، أن عودة الحريري أكثر من ضرورية، كونه الشخصية القيادية القادرة على جمع المناصرين حوله وفرملة إندفاعة الراغبين بالحلول مكانه، لكنها تشير إلى أن هذه العودة تعترضها بعض العراقيل التي لم تعد خافية على أحد، أبرزها الأزمة المالية التي تحول دون دفع الأموال المطلوبة، وغياب الموقف السعودي الواضح من مختلف الملفات، الأمر الذي يحرمه من هامش كبير في المبادرة، وتضيف: «أي عودة له لا تكون بحجم الأزمة القائمة ستكون نتائجها كارثية، وبالتالي من الأفضل تأجيلها».
في هذا السياق، ترجح هذه الأوساط إستمرار الأزمة على الصعيد الداخلي لفترة من الوقت، لحين تبيان الخيط الأبيض من الأسود على أكثر من صعيد، وتأمل عدم إنفجار المزيد من الملفات بوجه قيادة المستقبل، بالرغم من عدم قدرتها على الجزم في هذا الموضوع، خصوصاً أن هناك ما هو ينتظرها على الصعيد الوطني، من التعيينات الأمنية إلى الأزمة الحكومية، وتضيف: «الله يسترها معنا لتمرير هذه المرحلة الصعبة».