أزمة الرئاسة في لبنان لا تحتمل المراهقات الخاطئة

جريدة البناء اللبنانية-

عمر عبد القادر غندور:

رغم التظاهرات في باريس وعدد من المدن الفرنسية الضاغطة على الرئيس إيمانويل ماكرون على خلفية قانون تعديل نظام التقاعد واستمرار الجدل حول هذا القانون، ودخول “الزعران” الى هذه التظاهرات تعدّياً وحرقاً للمتلكات العامة والخاصة، وهو ما جعل الآلاف من المتظاهرين ينسحبون تعبيراً عن رفضهم لهذه الاعتداءات، رغم ذلك لا تزال الأزمة العنيفة المتجذرة في لبنان تحظى بمساحات في الصحف الفرنسية، ولم تركّز على المفاوضات التي تديرها الجهات الفرنسية للتوصل الى حلّ للأزمة اللبنانية فحسب، بل كان لافتاً التركيز على أهمّ الأسباب التي دمّرت القدرات المالية للبنك المركزي في بيروت…
في هذا السياق خصصت صحيفة “لوموند” مساحة للحديث عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وقالت انّ قضاة أوروبيين استمعوا الى سلامة في وقت مضى تحرّياً عن أسباب تعنيهم قبل ان تعني لبنان، وهم من جنسيات مختلفة… فرنسا وألمانيا ولوكسمبورغ وسويسرا، ونفى سلامة الشكوك حول مسؤوليته في عمليات غسل الأموال. وكانت تحقيقات عرفت طريقها الى مسرح الفساد في لبنان عن الإثراء الغير مشروع والتهرّب الضريبي، ونقلت عن ممثل جمعية “شبريا” أنها رفعت شكوى ضدّ مجهول في فرنسا، وانّ منظمة التعاون القضائي الأوروبي أعلنت في آذار 2022 عن تجميد 120 مليون يورو من الأصول والممتلكات المصرفية العائدة لرياض سلامة وأربعة من أقربائه وشقيقه الأصغر رجا… وأصدر القضاء الفرنسي أوّل لائحة اتهام استهدفت آنا كوساكونا وهي امرأة أوكرانية تبلغ من العمر 46 عاماً أنجبت ابنة من حاكم مصرف لبنان خارج إطار الزواج في عام 2005.
بالعودة الى الملف الرئاسي اللبناني، فكلّ المعلومات المتداولة عن نتائج زيارة رئيس تيار المرده سليمان فرنجية إلى العاصمة الفرنسية ليست بمعظمها دقيقة، وأنّ رئيس المرده أصبح أكثر دراية بما هو مطلوب منه، ونعتقد أنّ زيارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط تلقى في خلالها ما يجب أن يقوم به، وقد علم انّ الاهتمام الفرنسي يتوازى مع الجهد الفرنسي بخصوص ملفنا الرئاسي، وقد تبلغت الجهات المعنية في لبنان خلاصة ما تريد فرنسا والسعودية على الرغم من التمايز بين باريس والرياض ولكن هذا التمايز لا يعطل التوجهات الفرنسية والسعودية، بينما ترى واشنطن انّ على لبنان ان يلبّي الإصلاحات التي طلبها البنك الدولي، وترى انّ معالجة هذا الأمر هو الممرّ الإلزامي للمباشرة بتفكيك الأزمة اللبنانية، دون البدء بملف رياض سلامة القضائي !
وفي السياق ايضاً انّ السعودية وفرنسا ستواصلان جهودهما لتفكيك الأزمة اللبنانية بغضّ النظر عن مزاج اللاعبين المحليين وهناك من يقول انّ عودة المياه الى مجاريها بين السعودية وإيران هو خيار استراتيجي لكلّ من الدولتين، ومخطئ من يظن انّ الأزمة اللبنانية تتقدّم على سائر الأزمات في المنطقة، لا بل هي تفصيل قد يأتي دوره بعد معالجة الأزمات الأخرى…
وباتت دولة كبيرة ومؤثرة متيقنة انّ الكباش بين اللبنانيين لا يزال في منتصف الطريق وأنها غير موافقة على طروحات بعض القوى التي تعترض على مرشح بعينه وترفع شعارات صعبة، والأصعب منها التراجع عنها، إلا أنّ تراجعها أقلّ خطراً من الاستمرار فيها، فيما بعض القوى تقف على التلّ بانتظار ان تتوضح المسارات الأخرى، فيما ثنائي أمل وحزب الله اعلنا موقفاً صريحاً واضحاً بتسمية رئيس المرده سليمان فرنجية كمرشح يمتلك كلّ المؤهّلات المطلوبة لمرحلة دقيقة من الصيغة اللبنانية، ولا نقول انّ الدولة اللبنانية، التي لم نرها منذ قرن من الزمن، إذ باستطاعة سليمان فرنجية ان يتحدث مع كلّ الاطراف، وربما هو الوحيد الذي يستطيع مناقشة كلّ الأطراف من دون استثناء بما عنده من صراحة وصدق، وربما هو الوحيد الذي يستطيع معالجة وجود النزوح السوري والخطة الدفاعية المطلوبة لحماية لبنان، وكذلك الحديث مع الأطراف الخارجية…
أما من يريد ان يركب رأسه فهو وحده الذي يتحمّل مسؤولية مواقفه التي لا يمكن له تسديد أثمانها…
وربما من حسن الحظ رغم انسداد الأفق، انّ في لبنان من يغار فعلاً على بلده ويستطيع ان يحفظ البلاد من مراهقات الرؤوس الحامية التي لا تسبّب لأصحابها الا الصداع.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.