أزمة الجزر صراع بين الصعود الصيني والهيمنة الأميركية
صحيفة البيان الإماراتية ـ
واشنطن ـ فكتور شلهوب:
استحوذ الخلاف الذي نشب، أخيرا، بين الصين واليابان حول السيادة على جزر سنكاكو بالتسمية اليابانية ودياويو بالصينية على قدر مهم من الاهتمامات الأميركية، على الرغم من انشغال واشنطن بانتخابات الرئاسة وبأزمات منطقتنا.
فالتوتر حصل بين حليفها وخصمها، الجارين الأقوى في الشرق الأقصى ،وبلغ درجة خطيرة أكثر من أي وقت مضى. ثم إن واشنطن طرف ولو غير مباشر في الأزمة. تحركها كوسيط في الظاهر، لا يلغي دورها في تأجيج المشكلة والمبني على حساباتها الاستراتيجية في عموم الفلك الآسيوي، وبالذات في بحر الصين الجنوبي.
صراع متعدد
دخل هذا البحر، في الآونة الأخيرة، دائرة الصراع على الموارد والنفوذ الإقليميين من بوابتين: التمدّد الصيني وتعزيز الحضور العسكري البحري الأميركي في تلك المياه وجوارها. الخلافات الحدودية بحكم تكاثر وتقارب الجزر، ليست جديدة، لكنها كانت نائمة إجمالاٍ.
تصاعد قدرات بكين الاقتصادية والعسكرية، أدّى إلى التأكيد على وضعها كقوة عظمى في الإقليم. مرتبة تعطي صاحبها ما لا يملكه غيره في الجوار من امتيازات ومرجعية، خاصة أن موازنتها العسكرية أصبحت 150 مليار دولار سنوياً.
وهي الثانية بعد أميركا التي تنفق أكثر من أربعة أضعاف هذا الرقم. وعلى هذه الأرضية بدأت في توسيع نفوذها وتمديد تخوم مياهها الوطنية، لاسيما وأن هناك مخزونات من النفط والغاز الطبيعي، مدفونة تحت قاع البحر، مما أدى إلى توترات صينية مع الجوار.
تحالف جديد
هذا الصعود حمل واشنطن على الاستدارة من جديد نحو الشرق الأقصى، بدا ذلك في مسارعة إدارة أوباما إلى نسج تحالف جديد مع سبع دول في المنطقة، مع تعزيز للحضور العسكري الأميركي في استراليا وبحر الصين. الرسالة أن أميركا تعمل لتطويق ومحاصرة قوة بكين المتزايدة، كي لا يؤدي ذلك إلى تآكل النفوذ الأميركي المتوارث منذ الحرب العالمية الثانية.
على هذه الخلفية جاء التأزم الياباني الصيني الساخن، حول الجزر. صحيح أنه سبق وكادت تحصل أزمة بين البلدين عام 2010، في هذا الشأن. لكن الملابسات كانت مختلفة. الآن أخذ النزاع انعطافة حادة، عندما أقدمت الحكومة اليابانية على شراء الجزر غير المسكونة ،والتي تبعد مئتي ميل عن حدود كلا البلدين، من مالكها الياباني لتضعها تحت سيادتها المباشرة، بعد أن كان كلا الجانبين يزعم ملكيتها.
رد غاضب
خطوة ردّت عليها بكين بغضب، جاءت تعبيراته على شكل إرسال بوارج حربية إلى محيط الجزر. ثم أرسلت مئات زوارق الصيادين إليها، مع قيام تظاهرات أمام مراكز الشركات اليابانية في المدن الصينية.
وساهم في رفع منسوب الغضب تزامن الحدث مع ذكرى الغزو الياباني للصين عام 1931 ،والذي أدى إلى احتلال أجزاء واسعة من البلاد ولغاية 1945، مع كل ما رافقه من شراسة فظيعة ما زالت صورتها حاضرة في الذاكرة الصينية.
زاد من الغضب الصيني أن واشنطن، التي بعثت بوزير دفاعها ليون بانيتا، بمهمة للوساطة وتبريد الأجواء بين الجارين اللدودين، تعمّدت قبل ساعات من وصول الوزير إلى بكين، الإعلان عن اتفاقها مع طوكيو لنشر شبكة رادار متطورة ثانية على أراضيها، مهمتها رصد حركة الصواريخ الباليستية وتحريك أجهزة الصواريخ الدفاعية المضادة لاعتراضها وتدميرها، علاوة على زيارة أسطولها البحري للشواطئ اليابانية. البنتاغون يقول إن هذا الدرع لحماية اليابان من صواريخ كوريا الشمالية. الصين رأت فيه خطوة عدائية ضدها، الغاية منه شلّ فعالية سلاحها الصاروخي.
الاحتقان مزمن بين الكبيرين الآسيويين. الصين بعد تنامي عضلاتها كقوة عملاقة في محيطها، تتصرف من موقع العازم على تصفية بعض الحساب التاريخي مع محتلّها السابق. كما لإرسال إشارات في كل الاتجاهات، حول تفوقها وسطوتها الإقليمية.
طوكيو اتخذت الخطوة السيادية، كتعبير رافض وحازم بوجه القدرة الصينية وكمحاولة لشدّ العصب القومي الياباني والتذكير بماضيه وعزمه على الدفاع عن المصالح الوطنية ضدّ أي جهة مهما بلغت قوتها. لكن الجزر تبقى، على أهميتها كمسألة وطنية بالنسبة لطوكيو، أداة في هذه اللعبة الخطيرة ولو من المستبعد أن تؤدي إلى حرب، وفق معظم التقديرات الأميركية.
الغاية من رفع السقف عن طريق شراء الجزر الذي لا يبدو أن واشنطن بعيدة عنه في ضوء مسارعتها لبناء محطة الرادار الثانية والمقلقة للصين يبدو أقرب إلى محاولة فرملة الصعود الصيني، من خلال خلق تحديات تعرقل تعاظم نفوذه، في محيطه وفي الساحة الدولية.
توجّه ما زال موضع سجال في واشنطن بين مدرسة المتشدّدين في العلاقة مع بكين ومدرسة التحاور معها، التي يرفع لواءها البراغماتيون العارفون بأهمية التعاون مع بكين. الصراع بين متفوق متعثر وبين صاعد متسلّق، ما زالت إدارته بعيدة عن حرب باردة. إلاّ إذا تحكّمت بها الرؤوس الحامية.