أزمة أوكرانيا .. حرب مؤجلة
وكالة أنباء آسيا-
باسل الحاج جاسم:
تزداد حدّة التوتر بين روسيا والغرب بشأن مسألتين أساسيتين، الحرب في أوكرانيا وملف المهاجرين بين بيلاروسيا والاتحاد الأوروبي، وسط تحذيراتٍ من تحضير موسكو اجتياحاً عسكرياً لأوكرانيا، الأمر الذي تنفيه موسكو، وتحذّر من تحرش حلف شمال الأطلسي (الناتو) بحدودها.
لم تهدأ أوكرانيا، الجمهورية السوفييتية السابقة، منذ شهدت احتجاجاتٍ واسعة، قبل سبع سنوات، وعرفت باحتجاجات الميدان الأوروبي. وأطيح على إثرها الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، وانقسمت البلاد إلى طرفٍ موالٍ للغرب وآخر موالٍ لموسكو، ونظّم الموالون لروسيا استفتاء القرم عام 2014، وأعلنوا الانضمام إليها، وكذلك استفتاء شرق البلاد في مناطق ما يعرف بالدونباس، وأعلنوا كذلك قيام جمهوريات جديدة من جانب واحد، لم تعترف بها سلطات كييف.
وفشلت الحكومات الأوكرانية منذ عام 2014 في إيجاد حلّ ينهي أزمة شبه جزيرة القرم والنزاع المستمر منذ سبع سنوات في شرق البلاد، ويعيد المنطقة إلى السيطرة الأوكرانية الكاملة، في وقت يستمر فيه سعي أوكرانيا للدخول إلى الهياكل الأوروبية وحلف الناتو.
رغبة لدى أوكرانيا في إظهار نفسها لدى الإدارة الأميركية الجديدة بأنها تواجه روسيا، بهدف الحصول على مزيد من الدعم
وتحذّر كييف باستمرار حلفاءها الغربيين من وجود عسكري روسي كبير على حدودها الشرقية، وأن شبه جزيرة القرم تحوّلت إلى قاعدة عسكرية روسية منذ عام 2014، وهو ما تعتبره تهديداً لها ولأمن القارّة الأوروبية، بينما اعتبر متحدّث الكرملين، دميتري بيسكوف، أن تحرّكات القوات والمعدات العسكرية قرب الحدود تهدف إلى “ضمان أمن روسيا ولا تشكّل أي تهديد لأوكرانيا”. كما نفى بيسكوف، قبل أيام، ادّعاءات تنفيذ جيش بلاده هجوماً عسكرياً على أوكرانيا. وقال المتحدّث باسم الكرملين، للصحافيين في موسكو، إن بلاده لا تنوي شن هجوم على أي دولة، قائلاً: “أكّدنا مراراً عدم امتلاكنا أي خطط عدوانية ضد أي دولة”. واعتبر أن من الخطأ ربط المناورات التي يجريها الجنود الروس بخطط من هذا القبيل، وذلك ردّاً على ما قاله رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، كيريلو بودانوف، إن روسيا تخطّط لشن هجوم ضد بلاده أوائل 2022، مشيراً إلى أن موسكو حشدت أكثر من 92 ألفاً من قواتها حول حدود أوكرانيا، وتستعد لشن هجوم بحلول نهاية يناير/ كانون الثاني، أو بداية فبراير/ شباط المقبلين.
وإضافة إلى قلق أوكراني من أن روسيا لا تسعى إلى السلام، بعد قرار موسكو عام 2019 تسهيل الحصول على الجنسية الروسية بالنسبة لمئات آلاف الأوكرانيين الذين يعيشون في المناطق الشرقية، وهو ما يخفّض فرص عودة هذه المناطق إلى السيطرة الأوكرانية بالكامل.
وبالنسبة إلى أوكرانيا، تكمن مصالحها في استعادة وحدة أراضيها، وستعمل على استغلال زخم ومستوى جديدين من دعم الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، مع بقاء تحدّي مدى توافق أوكرانيا مع هذا المستوى الجديد، في ظل استمرار قدرة روسيا على التصعيد في أوكرانيا، من أجل إظهار قدراتها للأميركيين. كما أن هناك رغبة لدى أوكرانيا في إظهار نفسها لدى الإدارة الأميركية الجديدة بأنها تواجه روسيا، بهدف الحصول على مزيد من الدعم. وفي حال استطاعت كييف استدراج روسيا إلى شن هجوم داخل الأراضي الأوكرانية، فقد تنجح في إيقاف تشغيل مشروع “السيل الشمالي 2″، الذي سينهي دور أوكرانيا دولة عبور للغاز الروسي إلى أوروبا.
ليس في مصلحة أوكرانيا تحويل النزاع المجمّد شرق البلاد إلى آخر ساخن، لأنها ستكون الخاسرة حتماً
وفي هذا السياق، وصلت إلى أوكرانيا دفعة جديدة من المساعدات الدفاعية الأميركية، تضمّنت قرابة 80 طناً من الذخائر، وفق السفارة الأميركية في كييف، كما أعلن السيناتور الجمهوري في مجلس الشيوخ الأميركي، مايك تيرنر، أن الولايات المتحدة أرسلت فعلاً عسكريين إلى أوكرانيا على خلفية التوتر الراهن. وذكرت وكالة بلومبيرغ أن الولايات المتحدة تبحث حالياً مع حلفائها الأوروبيين الردود المحتملة، إذا اتخذ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أية إجراءات عسكرية ضد أوكرانيا، ومن بينها فرض عقوباتٍ جديدةٍ على موسكو، وتقديم مزيد من المساعدات الأمنية لكييف.
المؤكد اليوم أنه ليس في مصلحة أوكرانيا تحويل النزاع المجمّد شرق البلاد إلى آخر ساخن، لأنها ستكون الخاسرة حتماً، إلا أن كييف تستخدم التسخين في هذا الملف بين حين وآخر، لتوجيه رسائل داخلية، وأخرى خارجية متعدّدة الاتجاهات. وسيبقى مأزق أزمة شرق أوكرانيا قائماً، طالما أن موسكو لم تعزم بعد على خطوةٍ جذريةٍ بضم جمهوريات الدونباس، دونيتسك ولوغانسك (غير معترف بهما)، مثل ما فعلت مع شبه جزيرة القرم قبل سبع سنوات، خشية إلحاق مزيد من الضرر في علاقاتها مع الدول الغربية.
يبقى القول، بعد مرور سبع سنوات، إنه لم تتضح أي ملامح لتسوية نهائية للأزمة في أوكرانيا، واستعراض موسكو قدراتها العسكرية ليس بالشيء الجديد، مع إمكانية استخدامها العاجل في حالة حدوث أي تغيير في الموقف الميداني. وفي واشنطن، قد تكون هذه فرصة للضغط أكثر على روسيا، ومنعها من إعادة ترميم علاقاتها مع الأوروبيين، سيما برلين وباريس، والتحالف مع الصين، من خلال تشديد العقوبات، وتجميد خط “نورد ستريم 2”.