أزمات الشرق المستمرة نتاج الجلاد الأوروبي المتوحش
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
عند قراءة سيَر وسلوك العديد من فلاسفة ومفكري ما يسمّى عصر التنوير الأوروبي تجد نفسك بشكل تلقائي أمام أشخاص ذوي وجوه متعدّدة أو أصحاب رسائل فكرية ومناهج متناقضة تكشف عن الوجه العنصري الخفيّ للتنوير، والذي لا يتمّ الحديث عنه إلا نادراً حيث تتمثّل في تجذّر التنظير عن الحقوق الفردية في نفس الدول التي استعبدت البشر، إضافة للترويج لمبادئ الحرية الانسانية وذلك بالموازاة مع القيام بإبادة السكان الأصليين. أضف الى ذلك العمل على تعزيز الهيمنة الاستعمارية ونزع الملكية جنباً إلى جنب مع انتشار مفاهيم «الحرية»، والتغني بالأفكار الليبرالية بالتوازي مع سيادة المفاهيم الحديثة عن العرق والعنصرية.
حين المراجعة التاريخية للسلوك الأوروبي السائد والمستمر في حدّه الأدنى منذ الحرب العالمية الأولى حتى الآن تتجلى بوضوح انّ الوقاحة والنفاق جزء متأصّل وهو من طبيعة السياسة في الغرب وأبرز مصاديق هذا النفاق الأوروبي والانتهاك للحقوق ما جرى في فلسطين حيث تشاركت بريطانيا التي تدّعي أنها رائدة أصول التعامل الأنيق، واللغة المخملية مع فرنسا الأنوار والثقافة الى باقي دول الغرب «المتحضّر» في محاولة إبادة الشعب الفلسطيني بكامله قتلاً وتهجيراً واحتلالاً تنفيذاً لوعد تعهد به وزير خارجية بريطانيا، آرثر جيمس بلفور الى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية، وهو ما سمّي «وعد بلفور وهو وعد من جهة لا تملك الى جهة لا تستحق.
لبنان ضحية مستمرة للجلاد الأوروبي
ثلاث محطات من عناوين كثيرة تبرز حركة النفاق التي تمتهن الترويج لأفكار الحرية والعدالة وحقوق الإنسان بداية من التلاعب بالحدود الطبيعية اللبنانية الى السعي بكلّ قوة لتوطين الفلسطينيين على أراضيه وصولاً الى محاولة فرض دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني
1 ـ «الاحتلال» الفرنسي والبريطاني والتلاعب بالجغرافيا اللبنانية
خسر لبنان بين تاريخ إعلان دولة لبنان الكبير في 1 أيلول/ سبتمبر 1920 واندحار «إسرائيل» عن مُعظم الأراضي اللبنانية العام 2000 نحو 172 كلم2 على الشكل التالي:
ـ شريط القرى السبع وأخواتها (120 كلم2).
ـ الشطر الغربي من مزارع شِبْعا (36 كلم2).
ـ الأراضي التي احتلَّت العام 1949 (16 كلم2).
ومن إبداعات الجلاد الأوروبي بحقّ لبنان وشعبه انه لدى ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين الذي تولَّته المُفوضيّة العليا الفرنسيّة سنة 1922 وتحديدها مع السلطات البريطانية كانت الوكالة اليهوديّة تُشرف، إلى جانبهما على رسم الحدود متراً متراً ، ولم يكن للجانب اللبناني أيّ وجود عند تخطيط تلك الحدود. وقد عمد البريطانيّون، الى إرضاء الوكالة اليهوديّة وتحقيقاً لرغباتها، من خلال إقامة «نتوءة» عند الحدود الشرقيّة شملت سهول الحولة وبحيرة طبريا ومياه الأردن وقسماً من الروافد اللبنانيّة والسوريّة. وتجدر الإشارة إلى أنّ نسبة كبيرة من مالكي سهول الحولة كانوا آنذاك من اللبنانيّين.
مع مرور الزمن ورغم الوثائق التاريخية الدامغة نجح الصهاينة بالتعاون مع الجلاد الأوروبي في تدجين الدولة والشعب اللبنانيين وإفراغ ذاكرتهم حتى من حق المطالبة باسترجاع هذه الحقوق المسلوبة.
2 ـ التوطين وإلغاء حق العودة
من نافل القول انّ كلّ مفاعيل الوجود الفلسطيني في لبنان وانعكاساته على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي إنما يعود للسلوك التآمري المخالف لحقوق الإنسان الذي اقترفه الجلاد الأوروبي بدءاً من وعد بلفور الى تنفيذه من خلال شرعنة الكيان الغاصب الذي طرد أصحاب الارض. ولم يتمّ الاكتفاء بذلك بل يسعى الجلاد الأوروبي بالتكافل والتضامن مع الأميركيين على فرض توطينهم في لبنان ومنع عودتهم الى ديارهم واراضيهم المحتلة.
3 ـ دمج النازحين السوريين مشروع ممنهج
بعد نجاح الخطة المرسومة من قبل الصهاينة وأعوانهم في تدجين الذاكرة التاريخية وبرمجتها وفق ما هو مطلوب منها لا سيما في موضوعي الأراضي المسلوخة عنوة من لبنان، وبعد النجاح في التكريس الواقعي لإلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين وجعل أمر إقامتهم في لبنان رغم عدم توطينهم أمراً مألوفاً تتجه الكرة في الوقت الحالي الى مشروع تدجين جديد للذاكرة إلا أنها تبدو من الأخطر لأنها تمسّ ماهية الكيان اللبناني وتركيبته، وهو العمل على دمج النازحين السوريين ضمن المجتمع اللبناني وذلك رغم انّ الكثير من المدن والأرياف السورية يسودها ألأمن والاستقرار، طغى القرار المخالف للدساتير ولشرعة حقوق الإنسان الصادر عن الجلاد الأوروبي من خلال ما يسمى البرلمان الأوروبي بإبقاء النازحين السوريين في لبنان في سلوك مستمرّ من قبل الأوروبيين اتجاه لبنان واعتباره بلداً قاصراً يمارسون عليه حقّ الوصاية وملعباً تنفذ على أراضيه الخطط والمشاريع، رغم انّ كلّ ما تخبّط ويتخبّط فيه لبنان من كوارث وحروب إنما يتحمّل مسؤوليته الجلاد الأوروبي الذي زرع على حدوده كياناً غاصباً يمارس اعتداءاته على أرضه وشعبه، إلا أنّ الهواجس المترتبة على طلب دمج النازحين السوريين يتعدّى ذلك الى ما هو أشدّ خطورة على أصل وجود الكيان اللبناني ودوره ووظيفته. يحدث هذا في ظلّ صمت مريب يعتري الكثير من القوى والشخصيات التي تدرك جيداً ما يُحاك وما يُرسم من خلال هذا المشروع الخطير.
ومن غرائب الدهر انّ الصهاينة يفرضون على الأوروبيين جزية مستمرة جراء مزاعم حدوث محارق الهولوكست بينما لا نجد آذاناً صاغية ولا أصواتاً تطالب الجلادين الدوليين لا سيما الأوروبي منهم في التعويض عن الضحايا والكوارث التي نتجت اثر زرعهم لكيان لقيط قتل وشرّد البشر وهدم الحجر دون ان يرفّ لهم جبين.
حمى الله لبنان وشعبه وجيشه ومقاومته التي يزداد عليها الرهان في الحفاظ مجدّداً على بقاء لبنان أرضا وشعباً وكياناً.