أزقة تسكنها أرواح الجبارين
صحيفة الوطن العمانية ـ
زهير ماجد:
لن يرأف قلب نتنياهو مهما وصف الاعلام المشهد الانساني في غزة .. لعله يستمتع حين يقرأ أو يقرأون له انه اصاب الطفولة الغزاوية بهذا الكم من الشهادة، منعهم من ان يكبروا، سرق حياتهم خلسة بتصميم وبضمير مكتئب .. لم يترك مكانا في القطاع القليل المساحة او ذلك الجيب العصي الا وزارته طائراته وزرعت فيه الموت، وقذائفه التي تنهمر على الأبرياء فتساوي اجسادهم بالارض، وبدباباته التي تشيل حديدا هائلا يهرس الاخضر واليابس، والاجساد ايضا.
لن يتغير هذا المتغطرس، بل سيزيد ، لكنه مثل غيره من قادة اسرائيل سيذهب الى اللعنة، وسيكون له موعد مع الكآبة، تماما مثل ماحصل لبيجن، وايرينز، وباراك، وشامير، وجولدا مائير، وشارون الذي اكله الدود وهو حي، وكثير من قادته العسكريين الذين ارتبكت احلامهم مع الواقع فماتوا حسرة.
لكن هذا المتكبر الذي يتغاوى في مشيه كالطاووس، سيظل يتحكم بقرار القتال عن طريق المعاندة ..لكنه سيسمع كل يوم أيضا، كم هو عدد قتلى جيشه، وكم هي اصاباته، انه عداد يرتفع كل ساعة، وسيرتفع اكثر كلما تمادى هذا الجيش داخل الازقة التي تسكنها ارواح الجبارين.
ذلك الأفّاق لن يتعلم الدرس من الذين حكموا اسرائيل وفعلوا فعله، اين اصبحوا، وكيف انتهت حياتهم، وعلى اي فكرة ماتوا. سأقول له ليس نقلا عنهم، ولكن صوت قراراتهم الداخلية كانت تقول ان كيانا اقيم على حساب شعب لن يستقر له مكان ولا زمان، سيظل يقاتل الى ان يقتل آخر فرد فيه بحيث انه لن يبقى هنالك من يطفيء اضاءة المطار. واقول له، ان شعب الجبارين يلد جبابرة يتطور جبروتهم من جيل الى جيل الى ان تحين الساعة مع جيل يحسم الموقف فيعيد شعبه الى وطنه السليب.
لو انه يسمع النصائح لقلنا له ان يهرب بجلده قبل فوات الاوان، ولينظر حوله ماذا تفعل ايدي جنوده وماذا تحمل قراراته الى الشعب الفلسطيني .. ومع ذلك ليس من يقول آه او آخ، وليس من يتفوه بكلام التعب والخوف والقلق .. في لحظة واحدة انقلب هذا الشعب من غاضب مشدود الوجه مع كل الألم العميق الى مغرد وضاحك وراقص حين سمع بوجود اسير لدى المقاومة. لعل نتنياهو تعلم من تلك اللحظة كيف عليه ذلك الشعب الذي كلما امتد عمرا تشكلت فيه جذوة روح اكثر تمردا وقتالا ومناعة. ذلك المشهد يكفي للدلالة على نفسية شعب نال منه الظلم الكثير فصار وفيا لوطن يسكنه متابعا الطريق الى وطن سيصل الى سكنه.
غدا يأوي هذا المتغطرس للسكن بعيدا عن الناس، سينزوي ليكتب مذكرات كتب شيئا منها في كتبه، لكنها ستكون مختلفة عما كتبه في السابق، لأن شعب غزة علمه ان الطريق الى الحياة يبدأ من الدم، وليس من الحلم الاسطوري الذي لاوجود له سوى انه قصة خرافية يراد لها ان تلم شمل شعب سيظل مبعثرا طالما ان تاريخه بدأ بالدم وسينتهي بالدم.