أردوغان يقفز على الحبال مرة جديدة
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
مازالت تداعيات تفجير قنبلة في شارع الاستقلال داخل مدينة إسطنبول بداية الأسبوع الماضي تتفاعل لدى النظام التركي على المستويين السياسي والعسكري، حيث يبدو واضحاً مسعى هذا النظام بجميع رموزه السياسيين والعسكريين وحتى الحزبيين لاستثمار هذا الفعل الإرهابي لتحقيق مجموعة من الأهداف الداخلية والخارجية، وهو ما يضعنا بالدرجة الأولى أمام دائرة من التساؤلات حول الجهة المنفذة فعلاً لهذه العملية الإرهابية من حيث توقيتها والاستفادة منها، وقد لا يكون غريباً أبداً أن يكون النظام التركي هو ذاته الذي سهل هذه العملية بما يحرره من القيود المفروضة عليه دولياً ولاسيما من روسيا والولايات المتحدة الأميركية، لذلك يمكن تصنيف المستفيدين من هذه العملية بين ثلاثة أطراف:
أولاً- حزب العمال الكردستاني: قد تكون الرواية التركية الرسمية صحيحة رغم ركاكتها ووجود تناقضات في الترويج لها، وهذا يبرز على سبيل المثال لا الحصر في ادعاء وزير الداخلية التركي سليمان صويلو أن السيدة التي نفذت العملية تلقت التعليمات من عين العرب ودخلت تركيا من عفرين، على حين ادعى رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان أن السيدة نفذت تعليمات صدرت من منبج، وهذه المدن الثلاث تطمع تركيا للسيطرة عليها لتوسيع نفوذها ضمن الجغرافيا السورية لتحقيق مشروعها «المللي»، ولكن لنبق في افتراضنا المتضمن صدق رواية النظام التركي ولنفترض أن كل الادعاءات التركية صحيحة، السؤال الأبرز هنا: من المسؤول عن هذه العمليات هل هو حزب العمال الكردستاني وحده؟ أم إن النظام التركي يتحمل جزءاً من هذه المسؤولية؟ وخاصة بعد انقلابه على صيغة التوافق التي تم التوصل إليها بعد عامي 2015-2016؟
ثانياً- النظام التركي أو بعض رموزه العسكريين أو السياسيين أو الحزبين هم مستفيدون في حصول مثل هذا التفجير إن لم نقل إنهم ساهموا في تنفيذه، إذ من غير المعقول أن يحصل مثل هذا التفجير في أحد أبرز المناطق التي تعد من أهم المعالم السياحية في تركيا ويرتادها مئات الآلاف من السياح الأجانب دون وجود حماية بها، فضلاً عن السرعة التي لم تتجاوز الساعات في تقديم الرواية وإلقاء القبض على المرأة المنفذة، وتقديم كل التفاصيل على وسائل الإعلام ما يوحي بأن هناك سيناريوهاً كان يحضر على نار هادئة يتمكن من خلاله هذا النظام من التحرر من القيود المفروضة عليه فيما يتعلق بتنفيذ عمليات اعتدائية في الشمال السوري بعد الضغوط التي منعته بداية عام 2022 بالقيام بمثل هذا العدوان من قبل روسيا والجمهورية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية، فضلاً عن فرض المزيد من الإجراءات الأمنية على معارضي أردوغان السياسيين قبل خوض الانتخابات بهدف تقسيم ائتلافهم السداسي، وخاصة أن هذا التفجير جاء بعد طرح أردوغان لما عرف «بقرن تركيا» أو «المئوية القادمة لتركيا» في احتفال انتخابي دعي إليه 11 حزباً من الأحزاب السياسية التركية المعروفة، واستثني من الدعوة 3 أحزاب المناوئة له وهي: «الشعوب الديمقراطي» الذي يتهمه حزب العدالة والتنمية بأنه الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني المتهم بخوض حرب انفصالية ضد تركيا، والحزبان اللذان خرجا من عباءته وهما «المستقبل» بقيادة أحمد داود أوغلو و«الديمقراطية والتقدم» بقيادة علي باباجان، رغم أن الرؤية المئوية التي تألفت من 16 بنداً تتحدث عن المحبة والاحتواء والبعد عن الاستقطاب والحدة والتوتر والتواصل مع الجميع بغض النظر عن الانتماءات. كما أن وعود أردوغان بإنجاز مصالحة مع سورية ومصر بعد انتهاء الانتخابات وتبنيه لرؤية القرن التركي تؤكد أن النظام التركي غير صادق في روايته ولا حتى توجهاته السياسية الخارجية وما يقدمه من تصريحات ووعود هي مجرد فقاعات بالونية لخدمة أهدافه الانتخابية بالدرجة الأولى وتحقيق مصالحه الاستعمارية بالدرجة الثانية، حتى إن حصول هذه العملية في هذا التوقيت تشكل عاملاً مساعداً لتوجه النظام التركي في المسارعة لنقل اللاجئين السوريين لداخل الجغرافيا السورية المحتلة بهدف تحقيق التغيير الديموغرافي وبما يساعد أردوغان لسحب ورقة اللاجئين من استغلال المعارضة التركية قبيل الانتخابات العامة وفي أثنائها.
-ثالثاً الولايات المتحدة الأميركية هي من الأطراف المستفيدة من هذا التفجير وقد تكون أجهزتها الاستخباراتية مهدت أو ساعدت أو حتى أشرفت على تنفيذه وذلك لتحقيق هدفين يتمثل الأول في توجيه صفعة أميركية للنظام التركي الذي سارع للقضاء على التنظيمات المسلحة في إدلب وريفها الراغبة في التواصل مع الأميركي والتخلص من السطوة التركية، على حين يتمثل الهدف الثاني بإفشال المساعي الروسية في إنجاز مصالحة تركية سورية بعد دفع قوات الاحتلال التركية للقيام بعمليات عسكرية عدوانية محدودة داخل الأراضي السورية بضوء أخضر أميركي من دون أن تتحول هذه العمليات إلى عمليات مشابهة لما سمي درع الفرات أو نبع السلام.
لذلك قد نكون خلال الفترة المقبلة أمام مشهد معقد في ظل توسع الاعتداءات الجوية التركية داخل الأراضي السورية والتهديد بالقيام بعملية عسكرية برية تحت مسمى «المخلب- السيف» في ظل رد عسكري من ميليشيات «قسد» تولد المزيد من الخسائر البشرية والمادية للنظام التركي، الذي لم يتوان عن توجيه الاتهامات لكل من الولايات المتحدة الأمركية وروسيا وتحميلهما مسؤولية ما حصل، وهو ما يضعنا أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة:
السيناريو الأول قيام النظام التركي بشن عملية عدوانية عسكرية برية موسعة يتم التمهيد لها بعد انتهاء بنك الأهداف الجوية للسيطرة على المدن الواصلة بين عين العرب وعفرين ومنبج وصولاً لغرب الفرات، وهو ما سيكلفه المزيد من الخسائر البشرية والمادية قبيل الانتخابات.
السيناريو الثاني الاكتفاء ببعض الاعتداءات الجوية لفترة معينة ليقدم هذا النظام نفسه على أنه الضامن للأمن القومي التركي وهذا يحقق له دعاية انتخابية ضد خصومه.
السيناريو الثالث وهو الأكثر ترجيحاً يتجلى في القيام بعمليات عدوانية عسكرية محدودة تشرف عليها قواته وتنفذها بعض الميليشيات المسلحة وذلك لضمان عدم حصول صدام أميركي روسي بالدرجة الأولى وعدم تلقيه خسائر كبيرة تنعكس عليه سلباً في الانتخابات وتسمح له بتحقيق بعض أهدافه بأقل الخسائر، وكسبب ثالث يتجلى في عدم اكتمال هيكلية المجموعات المسلحة بعد صراعاتها الأخيرة أو التخلص من بعضها من خلال الزج بها في مقدمة الجبهات.