أردوغان والمشهد في المنطقة حتى عام 2023
موقع العهد الإخباري-
عبير بسّام:
تركيا 2023، ملفات متشابكة تبدأ في سوريا وتنتهي في أنقرة حيث سيبدأ موعد الانتخابات التركية. منذ أن وصل رجب طيب أردوغان إلى الحكم منذ العام 2003 ولديه آمال وأحلام لم يغب عنها حلم العثمانية، والتي كانت من أهم أسباب دخوله الحرب على سوريا، والنفاذ الى أزمة لبنان عام 2020 بعد تفجير مرفأ بيروت، والانغماس في صراع مع أوروبا واليونان بالذات، والتدخل في ليبيا وفي أزمة السودان والتحالف مع قطر ضد السعودية والإمارات. صراعات أدخل أردوغان فيها تركيا دفعة واحدة تحضيراً لعام الفصل العثماني، العام 2023!
حازت تركيا 2023 على اهتمام كبير لدى معظم الصحافة العربية والعالمية، ومحاولة أردوغان الدخول بعسكره أو بالتدخل غير المباشر في دول عدة، جاء بنية السعي نحو بناء امبراطورية عثمانية جديدة. نية عبّر عنها خلال خطابات متعددة واعتبر أن بلاده “وريثة الحضارة العثمانية”. فأطماع تركيا في سوريا ليست بالجديدة. في هذا السياق، يقول عبد الحكيم عبد الناصر ابن الزعيم العربي جمال عبد الناصر إن هدف أردوغان في العدوان الذي شنته تركيا في العام 2019، إعادة السيناريو الأميركي – التركي الذي فشل خلال فترة الخمسينات وأجهضته الوحدة التي قامت بين مصر وسوريا في شباط/ فبراير العام 1958.
كشف المخطط الزعيم الراحل عبد الناصر. يقول الصحافي المصري المخضرم نشأت الديهي إن “الراحل عبد الناصر تحدث عن مخطط أمريكي تركي عراقي خلال الخمسينيات، ولكنني لم أصدق حتى قرأت عن المخطط مذكرات أيزنهاور”. وضع المخطط في عهد كمال الدين أتاتورك، والوثيقة مكتوبة بالحرف العربي، وجاء فيها أن: “من حق تركيا وضع يدها على الشام: سوريا ولبنان، والعراق، لوضع يدها على ثروات البلدان العربية”.
الوثيقة بما جاء فيها تعبر عن عمق التحالف بين تركيا والولايات المتحدة، وأن ما تتعرض له تركيا من عقوبات أميركية واحدة هنا وأخرى هناك، ليست إلا مجرد “شدة الأذن”، لتنبيهها أحياناً. ولكن هذا التحالف قائم ومخططاته تسير متوافقة مع المخطط الأميركي بإعادة تقسيم المنطقة. والعائق، الذي يثير غضب الأميركيين والأوروبيين، هو معارضة تركيا إقامة دول كردية على حدودها الجنوبية على أراضي العراق وسوريا.
خلال العشر سنوات الماضية حاولت تركيا التمدد، ليس فقط بالسياسة، وإنما بالعسكر أيضًا، فوصلت جيوشها إلى ليبيا، خارج إطار الـ”ناتو”. وحاولت التمدد مخابراتياً إلى لبنان منذ نهاية العام 2019، وهو أمر كشفه الوزير السابق للداخلية والبلديات اللبناني محمد فهمي في مؤتمر صحفي حين أعلن عن “طائرة خاصة قدمت من تركيا وتم توقيف اربعة اشخاص كانوا على متنها من الجنسية التركية والسورية، ينقلون 4 ملايين دولار، وقد دخلوا على اساس ان لديهم شركة صيرفة. ولا ندري هل هذه الاموال هي للتهريب والتلاعب بالدولار ام لتغذية تحركات عنفية معينة في الشارع”. أما في طرابلس الغرب، في ليبيا، وبحسب “الغارديان”، فقد استقدم إليها أردوغان 1500 جندي تركي ووصل عدد المرتزقة إلى 10 آلاف مقاتل من مختلف الجنسيات، من الذين كانوا يقاتلون معه في سوريا.
يبدو جلياً لعب تركيا على الوتر الطائفي من أجل تحقيق أهدافها. فمن غير الممكن أن تستطيع تركيا التدخل في أيّ من البلاد العربية، لو أنها قدمت نفسها على أنها الوجه الجديد للعثمانية أو الأتاتوركية. وسهل اللعب على الوتر الطائفي تدخلها باسم الطائفة والدين، وقد ساهمت في تصاعد وتيرة التحريض الطائفي في المنطقة العربية منذ بداية “الربيع” المزعوم.
كتب الدكتور حسن مرهج في صحيفة “البناء” موضحاً الدور الذي تلعبه تركيا في التحريض الطائفي في كل من مدينتي طرابلس وصيدا بتوافق ودعم أميركي و”اسرائيلي”. يقول مرهج: “تركيا لا تترك أي بلد عربي مأزوم ويعاني مشكلات داخلية، للدخول واللعب على وتر المظلومية “السنية” وتقديم نفسها كحامي “السنة” ومنقذها من الاضطهاد، وهي ذاتها خطة “داعش” ونفس أسلوبه، [و] الداخل اللبناني لم يعد يحتمل المزيد من التعقيدات في الملف الطائفي”. وإحدى طرق تدخلها في لبنان، استخدام القوة الناعمة وخاصة عبر الجمعيات الخيرية. وبحسب موقع ANF News استخدم أردوغان القوة الناعمة منذ زيارته إلى بيروت في تشرين الثاني 2010، حيث تعمل تركيا على إعادة تأهيل مراكز أنشئت خلال الحقبة العثمانية من بينها محطة قطار طرابلس كواحدة من الآثار، وافتتحت مراكز ثقافية لتعليم اللغة التركية، أي قبل الحرب على سوريا بعام، وابتدأت في السنوات الأخيرة بتقديم المنح الدراسية الجامعية للطلاب، حتى باتت من الدول الأساسية في تقديم المنح. وهذه الاستثمارات هي حصراً في طرابلس وصيدا.
خلال الحرب على سوريا، أسوأ ما مرّ عليها هو اتفاقيات خفض التصعيد، التي كانت في كل مرة تؤجل إنجازات الجيش السوري، وتعطي التركي الفرصة لإعادة تنشيط المجموعات الإرهابية وخاصة في إدلب. وهذه المجموعات هي نفسها التي تراهن عليها تركيا من أجل توطينها في المدن الواقعة تحت سلطتها، لبناء مجدها، خاصة تلك التي غادرت المدن المحررة بعد التسويات المتلاحقة.
الأطماع الأردوغانية برزت في المواقف التي اتخذها اردوغان ضد سوريا واحتلال عدة مدن هامة مثل عفرين وجرابلس والباب، وبدء عملية التتريك في هذه المدن وفرض العملة التركية وملء الشوارع باليافطات المكتوبة بالتركية وفتح جامعات تركية في جرابلس، وتعيين محافظ تركي لإدلب. وحتى أن دخول أردوغان وبدأ احتلال الأراضي السورية في 24/ 8/ 2021، لم يكن مصادفة، بل اختير التاريخ ليكون في ذكرى احتلال السلطان سليم لحلب في 24/8/1516، قبل 500 عام بالتحديد، وفي هذا التاريخ عبر كثيرة لفهمها وقراءة ما وراءها.
الاهتمام بالوضع الاستعماري التركي الجديد في سوريا يكتسب أهمية خاصة، لأن تركيا لا تستطيع إعادة المجد العثماني إلا بالسيطرة على شمال سوريا، فهو البوابة التي سيعبر من خلالها مجد أردوغان العثماني، هذا أولاً. وثانياً، ما تخشاه تركيا، ضياع مفاعيل انتهاء معاهدة لوزان 2023، مما سيفوت الفرصة لاسترداد ما تعتبره حقاً لها وسلب منها. وبموجب المعاهدة منحت فرنسا كلًّا من جزيرة كليكية السورية ولواء اسكندرون مقابل وقف العمليات القتالية التركية ضد فرنسا.
وهذا أمر تخشى تركيا ضياعه، وتعتبر أن من حقها التوسع في كل من حلب وإدلب، مما سيؤمن لها حماية حقها في اللواء السليب. ولكن في الوقت ذاته، يحق لسوريا عام 2023، المطالبة بلواء اسكندرون، الذي اتبعت فيه تركيا على مدى المئة عام الماضية سياسة التغيير الديموغرافي، كما تتبعها اليوم في جرابلس وعفرين، حيث استقدمت التركمان وغيرهم إلى اللواء وقامت بتهجير أهله.
بدأت خطة اردوغان بالعودة كفاتح عثماني جديد بإقالة وزير خارجيته داوود أوغلو وعزله من حزب العدالة والتنمية، وهو أحد مؤسسي الحزب، ومن ثم من خلال تهميش قادة الحزب من أمثال عبد الله غول أحد ووزير الاقتصاد السابق علي باباجان. أي إن أردوغان انقلب على الحكم قبل أي انقلاب آخر عليه. واستغل انقلاب العام 2016، من أجل تصفية معارضيه حتى من العسكريين ووضعهم في السجون.
عام 2023، سيشهد الانتخابات التركية القادمة، وعلى أردوغان حينها أن يقدم انجازاته العظيمة خلال حملته الانتخابية القادمة، وبالتالي عليه تقديم أوراق اعتماد موثوقة لمحازبيه ومناصريه، والذين بحسب الاستطلاعات، ابتدأت أعدادهم بالتناقص. آخر استفتاء أجري أظهر أن شعبيته قد انخفضت إلى 48%، ولذا فهو بحاجة لإنجازات ليرفع فيها من مستوى الثقة به. أردوغان في مأزق كبير والسنة القادمة تعد سنة فاصلة بالنسبة له، خاصة بعد اشتداد الانتقادات الموجهة إليه من قبل معارضيه بسبب طرق إدارته لملف غاز المتوسط، وفرض حالة من العداء مع أوروبا، وانقطاع العلاقات السياحية مع روسيا، وتدهور العلاقات مع أمريكا، وأخيراً الرفض المذل لتمركز قواته في أفغانستان وفي مطار كابول بالذات من قبل “طالبان”. وخروج تركيا اليوم قبل الغد من سوريا وبشكل نهائي ودون أية مكاسب بات أمراً ملحاً في لجم الحلم العثماني. وإلا فبقاؤه في السلطة لسبع سنوات قادمة سيعقد الأمور، ويعيق معركة ادلب، وخاصة بعد انتهاء مرحلة لوزان وفرض القرار التركي على أبناء المنطقة.
الأسوأ في المراحل القادمة، هو تخلي أمريكا عن حلفائها، وعن حلف “الناتو” بالذات، وهو قلق ينتاب الأوروبيين والأتراك وجميع حلفائهم على حد سواء. ومما يعني فيما يعنيه، أن أيًّا من الطرفين التركي أو الأوروبي قد يدخل في صراع مع الآخر، ولقد تحدثنا عن ذلك في مقال سابق حول الأهداف الأوروبية بتقسيم تركيا، صراع قد يحسم لمصلحة سوريا والدول العربية وينهي الأطماع العثمانية. ولكن مربط الحلّ اليوم هو بعودة سوريا العربية بالتحديد، لأنها ستكون بذلك قادرة على إعادة الروح العربية إلى المنطقة. مسؤولية كبيرة باتت تقع على عاتقها. فهل ستكون قادرة على دفع الأمور باتجاه تحرير جميع أراضيها في الشمال حتى آخر شبر، لتخرج الفائز الأكبر، أم ستنتظر التسويات من جديد؟